الدرس 1172 _كتاب الخمس 52
وقد يُستدلّ له برواية الحارث بن حضيرة الأزديّ (قَاْل: وَجَد رجلٌ ركِازاً على عهد أمير المؤمنين (عليه السلام)، فابتاعه أبي منه بثلاثمائة درهم ومائة شاة مُتْبِع([1])، فلامته أُمِّي، وقالتْ: أخذت هذه بثلاثمائة شاة أولادها مائة، وأنفسها مائة، وما في بطونها مائة، قَاْل: فندم أبي فانطلق ليستقيله، فأبى عليه الرَّجل، فقال: خُذ منِّي عشر شِياه، خُذ منّي عشرين شاةً، فأعياه، فأخذ أبي الرِّكاز وأخرج منه قيمة ألف شاةٍ، فأتاه الآخر، فقال: خُذْ غنمك وآتني ما شِئت، فأبى فعالجه فأعياه، فقال: لأضرنّ بك، فاستعدى أمير المؤمنين (عليه السلام) على أبي، فلمَّا قصّ أبي على أمير المؤمنين (عليه السلام) أمره قال لصاحب الرِّكاز: أدِّ خُمُس ما أخذت، فإنَّ الخُمُس عليك، فإنَّك أنت الَّذي وجدت الرِّكاز، وليس على الآخر شيء؛ لأنَّه إنَّما أخذ ثمن غنمه)([2])، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، وبعدم وثاقة عَمْرو بن أبي المقدام، والحارث بن حضيرة الأزديّ.
والخلاصة: أنَّ التِّجارة بالمعدِن أو الكنز غير المخمَّسَيْن تحتاج إلى إجازة الحاكم الشَّرعيّ في مقدار الخُمُس، وإلاَّ كان البيع باطلاً بالنِّسبة لهذا المقدار، إلاَّ إذا كان صاحب المعدِن أو الكنز ممَّنْ لا يلتزم بالخُمُس، فتصحّ التِّجارة حينئذٍ في مقدار الخُمُس من دون حاجة إلى إمضاء الحاكم الشَّرعيّ؛ وذلك استناداً إلى روايات التَّحليل، فإنَّها تشمل المقام، وسيأتي الكلام عنها بالتَّفصيل إن شاء اﷲ تعالى ، واﷲ العالم.
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: السَّابع: كلّ ما أُخرِج بالغَوْص.
السَّابع ممَّا يجب فيه الخُمُس: كلّ ما يُخرَج من البحر بالغَوْص، كالجواهر والدُّرر واللُّؤلؤ والمرجان ونحوها.
وفي الحدائق: (ولا خلاف بين الأصحاب (رضي اﷲ عنهم) في وجوب الخُمُس فيه...)([3]).
وفي المدارك: (أمَّا وجوب الخُمُس في هذا النَّوع، فقال العلاَّمة (رحمه اﷲ) في المنتهى: إنَّه قول علمائنا أجمع...)([4]).
وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به في الحدائق، بل في ظاهر الانتصار وصريح الغنية والمنتهى الإجماع عليه، كظاهر نسبته إلى علمائنا في التَّذكرة...)([5]).
أقول: يدلّ عليه مضافاً إلى التَّسالم بينهم الكتاب المجيد، والسُّـنَّة النَّبويّة الشَّريفة:
أمَّا الكتاب المجيد، فالآية الشَّريفة المتقدِّمة: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ) ]الأنفال: 41] على نحو ما ذكرنا سابقاً من أنَّ المراد بالغنيمة مطلقُ الاستفادة والتّكسُّب.
وبالجملة، فإنَّها اسم لكلِّ ما استُفيد، فراجع.
وأمَّا السُّنّة النّبويّة الشَّريفة، فجملة من الرِّوايات:
منها: صحيحة الحلبّي (قَاْل: سألتُ أبا عبد اﷲ (عليه السلام) عن العَنْبر، وغَوْص اللُّؤلؤ، فقال: عليه الخُمُس...)([6]).
ومنها: حسنة ابن أبي عمير المتقدِّمة عن غير واحد عن أبي عبد اﷲ (عليه السلام) (قال: الخُمُس على خمسة أشياء: على الكنوز، والمعادن، والغَوْص، والغنيمة ونسي ابن أبي عمير الخامس )([7])، وقد عرفت سابقاً أنَّ الرِّواية حسنة، فلا حاجة للإعادة.
ومنها: رواية عمَّار بن مروان (قَاْل: سمعتُ أبا عبد اﷲ (عليه السلام) يقول: في ما يُخرج من المعادن، والبحر، والغنيمة، والحلال المختلط بالحرام إذا لم يُعرف صاحبه، والكنوز، الخُمُس)([8])، وذكرنا هذه الرِّواية سابقاً عند وجوب الخُمُس في الكنز، وقلنا: إنَّها ضعيفة؛ لاشتراك عمَّار بن مروان بين اليشكريّ الثِّقة، وبين الكلبيّ غير الموثَّق، فراجع ما ذكرناه، فإنَّه مهمّ.
ومنها: رواية محمَّد بن عليّ بن أبي عبد اﷲ، عن أبي الحسن (عليه السلام) (قَاْل: سألتُه عمَّا يُخرج من البحر من اللُّؤلؤ والياقوت والزّبرجد، وعن معادن الذَّهب والفضّة هل (فيها زكاة)؟ فقال: إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخُمُس)([9])، وهي ضعيفة بجهالة محمَّد بن عليّ بن أبي عبد اﷲ.
ومنها: مرسلة حمَّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصَّالح (عليه السلام) (قَاْل: الخُمُس من خمسة أشياء: من الغنائم، والغَوْص، ومن الكنوز، ومن المعادن، والملاحة...)([10])، وهي ضعيفة بالإرسال.
ومنها: مرسلة أحمد بن محمَّد (قَاْل: حدَّثنا بعض أصحابنا رفع الحديث، قَاْل: الخُمُس من خمسة أشياء: من الكنوز، والمعادن، والغَوْص، والمغنم الذي يُقاتل عليه، ولم يحفظ الخامس...)([11])، ويُحتمل أنَّ المراد من بعض أصحابنا هو ابن أبي عمير بقرينة: (ولم يحفظ الخامس)، وعلى كلِّ حالٍ فهي ضعيفة بالرَّفع.
والخلاصة: أنَّه لا إشكال في أصل الحكم، كما لا إشكال في عمومه بالنِّسبة إلى سائر أنواع ما يُخرج من البحر بالغَوْص.
([1]) مُتْبع: أي يتبعها ولدها.
([2]) الوسائل باب 6 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح1.
([3]) الحدائق: ج12، ص315.
([4]) المدارك: ج5، ص375.
([5]) الجواهر: ج16، ص39.
([6]) الوسائل باب 7 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح1.
([7]) الوسائل باب 3 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح7.
([8]) الوسائل باب 3 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح6.
([9]) الوسائل باب 3 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح5.
([10]) الوسائل باب 2 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح4.
([11]) الوسائل باب 2 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح11.