الدرس 173_في المناهي وهي على أقسام ثلاثة (5).أحدها: ما نهي عنه لعينه
الدرس 173 / الإثنين: 26-نيسان-2021
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وبيع المكرَه باطل. (انتهى كلامه)
(1) لا إشكال بين الأعلام في بطلان بيع المُكرَه، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بيننا، بلِ الإجماع بقسمَيْه عليه، بلِ الضَّرورة مِنَ المذهب...».
وبالجملة، فقد تسالم الأعلام قديماً وحديثاً على ذلك.
وفي الواقع أنَّ الرِّضا وطِيب النَّفس شرط في صحَّة المعاملة كما سيأتي تحقيقه في كتاب البيع عند اشتراط الاختيار، ومن هنا كان الأنسب للمصنِّف (رحمه الله) أن لا يذكر هذا المطلب هنا؛ لأنَّه ذَكَره هناك بالتَّفصيل وإلاَّ فالإكراه مُبطِل للمعاملة بما أنَّه رافع للشَّرط، وهو طِيب النَّفس.
والمراد من طِيب النَّفس: أن تكون المعاملة صادرةً عن إرادته الاختياريَّة لتحقُّق عنوان المعاملة، فهو اختار المعاملة للوصول إلى وقوع مضمونها في الخارج.
وعليه، فالإكراه الرافع للشَّرط وهو طِيب النَّفس هو الإكراه على نفس المعاملة.
وأمَّا إذا أُكرِه على دَفْع مال، وتوقَّف ذلك على بيع داره، فإنَّ إنشاءه للمعاملة لا يكون باطلاً؛ لأنَّه لم يُكرَه على نفس المعاملة، أي الإنشاء، بل طِيب النَّفس حاصل في المقام، وإن كان هو كارهاً لوقوعها، إلاَّ أنَّه ليس مُكرهاً عليها، بل هو أنشأ المعاملة لإرادة وقوع مضمونها، ولذا أثَّرت في وقوع مضمونها، بخلاف ما لو أُكرِه على نفس المعاملة، يعني الإنشاء، فإنَّها تقع فاسدة؛ لأنَّ الإنشاء لم يكن إلاَّ مِنَ المكره.
كما لو قال له الظَّالم: بِعْ دارك، وإلاَّ حبستك، أو هتكت عرضك، ونحو ذلك، وسنذكر الأدلَّة إن شاء الله تعالى على اشتراط طِيب الَّنفس عند تعرض المصنف لشرط الاختيار في كتاب البيع.
ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ الإكراه إنَّما يكون مُبطِلاً للمعاملة إذا لم يكن عن حقٍّ، وأمَّا إذا كان عن حقٍّ، كما إذا أكره الحاكم الشَّرعي المُحتكِر على بيع الطَّعام، فإنَّه يصحُّ.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: إلاَّ أنْ يرضى بعد الإكراه. (انتهى كلامه)
(1) فيصحُّ حينئذٍ على ما هو المعروف بين الأعلام، وفي الجواهر: «على المشهور نقلاً، إن لم يكن تحصيلاً، بل في الرِّياض والحدائق أنَّ ظاهرهم الاتِّفاق عليه...»،
وسيأتي بيانه مفصَّلاً عند قول المصنِّف (رحمه الله): «واختيارهما، فعَقْد المُكرَه باطل، إلاَّ أن يرضى بعد الإكراه...»، وسيتضح لك أنَّ صحَّة بيع الفضولي بلحوق الرِّضا تستلزم صحَّة بيع المُكرَه بلحوق طيب النَّفس، بل ستعرف إن شاء الله تعالى أنَّ الصِّحَّة هنا أولى مِنَ الصِّحَّة في بيع الفضولي.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو خاف من ظالم، فأقرَّ ببيعه، كان تلجئةً، فيحرم تملُّكه على المقرّ له. (انتهى كلامه)
(2) هذا هو المعروف بين الأعلام؛ لعدم قصد البيع حقيقةً، قال العلاَّمة (رحمه الله) في التذكرة: «وفي معنى الإكراه بيع التَّلجئة، وهو أن يخاف أن يأخذ الظَّالم مُلْكه، فيواطئ رجلاً على إظهار شرائه منه، ولا يريد بَيْعاً حقيقيّاً»، وهو جيِّد.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ومِنَ المناهي: الرِّبا، سواء كان في البيع أو القرض، أو باقي المعاوضات على الأصح. (انتهى كلامه)
(1) اتِّفق المسلمون قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار، على حرمة الرِّبا، وأنَّ الحرمة ثابتة في الكتاب المجيد بعدَّة مِنَ الآيات الشَّريفة، كما أنَّ الرِّوايات الواردة في المقام هي فوق التَّواتر.
ومن هنا ذكر جماعة مِنَ الأعلام، منهم صاحب الجواهر (رحمه الله) أنَّه: «لا يبعد كونه من ضروريَّات الدِّين، فيدخل مستحلُّه في سِلْك الكافرين...».
أقول: من جملة الرِّوايات الواردة في التَّشديد على الحرمة صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: دِرْهَمُ رِباً أَشَدُّ (عند الله) مِنْ سبعينَ زنيةً كلّها بِذَاتِ مَحْرَمٍ»[1]f222.
ومنها: صحيحة أبي بصير أو موثَّقته عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَالَ: دِرْهَمٌ رِبًا أَشَدُّ (عند الله) مِنْ ثَلَاثِينَ زَنْيَةً، كُلُّهَا بِذَاتِ مَحْرَمٍ، مِثْلِ عمّةٍ وخَالَةٍ»[2]f223.
ومنها: صحيحة سعيد بن يسار «قَاْل: قَاْل أبو عبد الله (عليه السلام): دِرْهَمٌ واحدٌ رِبًا أَعْظَمُ مِنْ عِشْرِينَ زنيةً، كُلُّهَا بِذَاتِ مَحْرَمٍ»[3]f224.
ومنها: حسنة جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: دِرْهَمُ رِبًا أَعْظَمُ عِنْدَ الله مِنَ سَبْعِينَ زنيةً، كُلُّهَا بِذَاتِ مَحْرَمٍ في بيتِ الله الحرام»[4]f225.
ومنها: حسنته الأخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: الرِّبا سَبْعُونَ بَاْباً، أَهْونَها عِنْدَ الله كالذي يَنْكَحُ أُمَّه»[5]f226.
وهاتان الرِّوايتان الأخيرتان، وإن كانتا ضعيفتين بالإرسال في مجمع البيان، إلاَّ أنَّ عليَّ بن إبراهيم بن هاشم، رواهما في تفسيره بطريق حَسَن، وكذا غيرها مِنَ الرِّوايات.
ثمَّ إنَّ الرِّبا واقع في البيع والقرض، بل وسائر المعاوضات، على المشهور بين الأعلام؛ لإطلاق ما دلَّ على حرمته مِنَ الكتاب المجيد، والسُّنَّة النَّبويَّة الشَّريفة.
وحُكِي عَنِ الحلبي أنَّه خصَّ الرِّبا بالبيع والقرض، فلا يجري في سائر المعاوضات.
ومهما يكن، فإنَّ الكلام عَنِ الرِّبا سيأتي مفصلاً في البيع إن شاء الله تعالى في كتاب الرِّبا، تبعاً للمصنف (رحمه الله) بالتَّفصيل، ونتكلَّم فيه أيضاً عَنِ الرِّبا في سائر المعاوضات.
وأمَّا الكلام عَنِ الرِّبا في القرض، فيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب القرض، فإنَّه مذكور هناك بالتَّفصيل، والغرض هنا من ذِكْر الرِّبا هو الإشارة إلى حرمته، والله العالم.