الدرس 185_في المناهي وهي على أقسام ثلاثة (17).ثالثها: ما نهي عنه تنزيها
الدرس 185 / الإثنين: 31-أيار-2021
الطَّائفة الثَّالثة: ما ورد في الأمر بإنفاقه في علف الناضح أي الدّابّة التي يُسْتَقى عليها والنَّهي عن أكله:
منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنَّ رجلاً سأل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن كَسْب الحجَّام، فقال له: لك ناضح؟ فقال: نعم، فقال: اِعلفه إيَّاه، ولا تأكله»[1]f285.
ومنها: رواية رفاعة «قال: سألته عن كَسْب الحجَّام، فقال: إنَّ رجلاً من الأنصار كان له غلام حجَّام، فسأل رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال له: هل لك ناضح؟ قال: نعم، قال: فاعلفه ناضحك»[2]f286، وهي ضعيفة بالقاسم بن محمَّد الجوهري، فإنَّه غير موثق، وبالإضمار.
ومنها: صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) «قال: سألته عن كَسْب الحجَّام، فقال: إنَّ رجلاً أتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يسأل عنه، فقال له: هل لك ناضح؟ قال: نعم، قال: أعلفه إياه»[3]f287.
الطَّائفة الرَّابعة: ما ورد في الجواز مطلقاً:
منها: صحيحة معاوية بن عمَّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: سألتُه عن كَسْب الحجَّام، فقال: لا بأس به»[4]f288.
ومنها: رواية جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: احتجم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، حجمه مولى لبني بياضة وأعطاه، ولو كان حراماً ما أعطاه، فلمَّا فرغ قال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أين الدَّم؟ فقال: شربته يا رسول الله، قال: ما كان ينبغي لك أن تفعل، وقد جعله الله لك حجاباً من النَّار، فلا تعد»[5]f289، وهي ضعيفة بعَمْرو بن شَمِر الجعفي.
ومنها: رواية حنان بن سدير «قال: دخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام)، ومعنا فرقد الحجَّام، فقال له: جعلت فداك، إنِّي أعمل عملاً، وقد سألت عنه غير واحد ولا اثنين، فزعموا أنَّه عمل مكروه، وأنا أحبُّ أن أسألك، فإن كان مكروهاً انتهيت عنه، وعملت غيره من الأعمال، فإنّي منتهٍ في ذلك إلى قولك، قال: وما هو؟ قال: حجّام، قال: كُلْ من كسبك يا ابن أخي، وتصدَّق، وحجَّ منه، وتزوَّج، فإنَّ نبي الله (صلّى الله عليه وآله) قدِ احتجم وأعطى الأجر، ولو كان حراماً ما أعطاه...»[6]f290، وهي ضعيفة بسهل بن زياد.
إذا عرفت ذلك، فنقول:
أمَّا الطائفة الأولى: الدَّالّة على النّهي مطلقاً، أي ولو بدون التّقيد بالشّرط: فتحمل على الطّائفة الثّانية الدّالّة على النّهي مع الشّرط، فإنّها أخصّ من الطّائفة الأولى، ومقتضى الجمع العرفي هو الكراهة مع الشّرط.
وأمَّا الطّائفة الرّابعة: فتحمل على بيان أصل الجواز، فلا منافاة بينها وبين ما دلّ على الكراهة مع الشّرط.
وبقي عندنا الطّائفة الثّالثة الدّالّة على كراهة أكل كَسْب الحجَّام، حيث أمر (عليه السلام) بعلفه للناضح، ونهى عن أكله، فنقول: إنَّ هذه الطّائفة ليست آبية على الحمل على ما أخذ بالشّرط.
وعليه، فلا كراهة لو أعطي الحجّام على جهة الكرامة لأجل فعل الحِجامة.
والخلاصة: أنَّه لا كراهة مع عدم الشّرط على حسب ما يفهم من الطّائفة الثّانية.
ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ البأس والسّحت، وإن كانا ظاهرين في الحرمة، إلاّ أنَّ التّسالم على عدم الحرمة هنا مضافاً إلى بعض الرِّوايات الدّالّة على الجواز أوجب حملهما على الكراهة.
كما أنَّه يفهم من موثّقة زرارة المتقدِّمة أنَّ الكراهة إنّما هي للحاجم، أمّا المحجوم فلا يكره له المشارطة، حيث ورد فيها: «ولا بأس عليك أنَّ تشارطه وتماكسه، وإنّما يُكره له، ولا بأس عليك».
ثمَّ إننا قد أشرنا سابقاً إلى أنَّ الكراهة إنّما هي فيما لو اتَّخذ الحجامة صنعة وحرفة له، وأمّا مع عدم اتّخاذها كذلك فلا كراهة في فعل الحجامة، كما لو اتّفق ذلك أحياناً.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وكذا كَسْب القابلة مع الشَّرط، (انتهى كلامه)
(1) اعلم أنَّ أكثر الأعلام لم يذكروا كراهة كَسْب القابلة مع الشّرط، وظاهرهم أنَّه لا كراهة حتّى مع الشّرط، وهو مقتضى الإنصاف عندنا؛ إذ لا يوجد ما يدلّ على الكراهة، ولو رواية ضعيفة.
وأمَّا القول: بأنَّ الدّليل على الكراهة مع الشّرط هو الإجماع.
ففيه أوّلاً: أنَّه لا إجماع في المسألة، بل لم يدّعه أحد، ولو فرض دعواه، فقد عرفت حاله في أكثر من مناسبة.
والخلاصة إلى هنا: أنَّ الأقوى: أنّه لا كراهة في كسب القابلة أصلاً، لا مع الشّرط، ولا بدونه، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وأُجرة ضِراب الفحل، (انتهى كلامه)
(1) ذكرنا هذه المسألة بالتَّفصيل عند قول المصنّف (رحمه الله) سابقاً «والملاقيح، وهي ما في الأرحام، والمضامين، وهي ما في الأصلاب»، وقلنا: يقع الكلام في أمرين:
الأوَّل: في حكم بيع المني إذا صار في الرّحم، ويسمّى بالملاقيح.
والثَّاني: في حكم التّكسّب بعسيب الفحل، سواء أكان ذلك على نحو البيع أم الإجارة، وذكرنا الرِّوايات النَّاهية عن التكسّب به، وقلنا: إنّها ضعيفة السّند، كما ذكرنا الرِّوايات الدّالّة على جواز التّكسّب به.
وكانت الخلاصة عندنا: أنَّه يكره التّكسّب به، فراجع، فإنَّه مهم.