الدرس 1157 _كتاب الخمس 37
وقال صاحب الحدائق (رحمه اﷲ): (الأقرب أن التَّخيير أي بين دفع رقبتها أو ارتفاعها ما إذا لم تكن الأرض مشغولةً بغرس أو بناء، وإلاَّ يتعيّن الأخذ من الارتفاع، وطريقه أنَّه متى كانت مشغولةً بشجر أو بناءً أن تُقوّم الأرض مع ما فيها بالأُجرة، وتُوزّع الأُجرة على ما للمالك وعلى خُمُس الأرض، فيأخذ الإمام (عليه السلام) أو المستحقّ ما يخصّ الخُمُس من الأُجْرة...)([1]).
أقول: لا مُوجب لتعيُّن الأخذ من الارتفاع أي الحاصل إذا كانت الأرض مشغولةً بغرس أو بناء، بل له حينئذٍ أخذ خُمُس العين.
نعم، ليس له قلع الغرس والبناء اللَّذَيْن في حصَّة الخُمُس؛ لأنَّ الغرس والبناء كانا بحقّ، ولم يكن ذلك عدواناً حتَّى يجوز قلعهما.
وعليه، فليس لمَنْ إليه أمرُ الخُمُس إلاَّ الرِّضا ببقائه مع أخذ الأُجرة عليهما من المالك الذِّمّيّ؛ لأنَّ البناء والأشجار ملك للذِّمّيّ، فإذا أراد إبقاءهما في أرض الغير أي أرض المستحقّ للخُمُس فعليه أن يدفع أُجرتهما لمَنْ إليه أمرُ الخُمُس؛ جمعاً بين الحقَّيْن.
وأمّا قول صاحب الحدائق (رحمه اﷲ): (وطريقه أنَّه متى كانت مشغولةً بشجر أو بناء أن تُقوّم الأرض مع ما فيها بالأجرة)، ففيه: أنَّه لا حاجة إلى تقويم الأرض نفسها إلاَّ إذا توَّقف معرفة أُجرتها على معرفة قيمتها؛ إذِ الأجرة قد تختلف باختلاف القيمة، واﷲ العالم.
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: والنيّة هنا غير معتبرة من الذِّمّي، وفي وجوبها على الإمام أو الحاكم نظرٌ، أقربه: الوجوب عنهما لا عنه عند الأخذ والدَّفع.
المعروف بين الأعلام أنَّه لا تُعتبر نيّة القربة من الذِّمّيّ، ولا من الحاكم حين الأخذ من الذِّمّيّ، ولا تُعتبر أيضاً من الحاكم حين الدَّفع إلى أرباب الخُمُس.
وفي الجواهر: (ولا نيّة على الذِّمّيّ قطعاً، بل ولا على غيره حين الأخذ، والدَّفع لإطلاق الدَّليل...)([2]).
وقد نفى المصنِّف (رحمه اﷲ) في البيان النِّية. وأمَّا هنا فقد نفاها عن الذِّمّيّ، ولكنَّه استقرب الوجوب على الإمام (عليه السلام) والحاكم، وتكون النِّية عنهما لا عن الذِّمّيّ عند الأخذ منه والدَّفع إلى أرباب الخُمُس.
وفي المسالك: (ويتولّيان أي الإمام (عليه السلام) والحاكم النِّية عند الأخذ والدَّفع وجوباً عنهما لا عنه، مع احتمال سقوط النِّية هنا، وبه قطع في البيان، و الأوَّل خيرة الدُّروس...)([3]).
أقول: لا يُوجد دليل على اعتبار النِّية هنا لا من الذِّمّيّ ولا من الإمام (عليه السلام) أو الحاكم، والدَّليل على اعتبار القربة في الزَّكاة والخُمُس هو التَّسالم بين الأعلام، والسِّيرة القائمة على ذلك، وهما دليلان لُبِّيان يُقتصر فيهما على القدر المتيقَّن، ولا تسالم هنا على اعتبار النِّية.
وعليه، فمع الشَّكّ يُتمسَّك بإطلاق الدَّليل، وهو يقتضي التّوصُّليّة؛ لما عرفت في علم الأصول من أنَّ إطلاق الأمر يقتضي التّوصُّليّة، فراجع.
ومن هنا تعرف أنَّها لا تجب أيضاً على الحاكم لا حين الأخذ من الذِّمّيّ ولا حين الدَّفع إلى أرباب الخُمُس.
نعم، لو وجبت على الذِّمّيّ فلا يمكنه الأداء حال الكفر؛ لكون الإيمان شرطاً في العبادات، إلاَّ أنَّه يُؤاخذ على مخالفته للتَّكليف؛ لأنَّه بسوء اختياره لم يقدر على الأداء حين الكفر؛ إذ يمكنه أن يُسلم وتصحّ العبادة حينئذٍ منه، وبما أنَّه لم يُسلم باختياره فلا مانع من عقابه على مخالفته؛ لأنَّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً، وإن نافاه خطاباً.
ثمَّ إنَّه لمَّا كان عدم تمكُّنه من الأداء بسبب اختياره البقاء على الكفر، فيتولّى حينئذٍ أخذ الخُمُس منه الحاكم الشَّرعيّ أو وكيله؛ لأنَّه وليّ أرباب الخُمُس، ومجرَّد عدم صحَّة الأداء من الكافر لا يُوجب تعذُّر استيفاء حقوق النَّاس منه.
ولكنَّ هذا كلّه بناءً على وجوب النِّـيّة على الذِّمّيّ، وقد عرفت أنَّه لا دليل على ذلك، واﷲ العالم.
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: وهذه الأربعة لا نِصاب لها، بل يجب فيها وإن قَلَّت.
وذلك لأن مقتضى إطلاق النَّصّ فيها عدم اعتبار النّصاب، وإلاَّ لذُكر.
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: ويظهر من المفيد في العزّيّة اعتبار عشرين ديناراً في الغنيمة.
قد عرفت أنَّه لا يُعتبر النِّصاب في هذه الأربعة المتقدِّمة، خلافاً للشَّيخ المفيد (رحمه اﷲ) في العزّيّة، حيث اعتبر النِّصاب في وجوب الخُمُس في الغنائم، وهو بلوغ مقدار عشرين ديناراً.
قال صاحب الجواهر (رحمه اﷲ): (وهو ضعيف جداً لا نعرف له موافقاً، ولا دليلاً، بل هو على خلافه متحقّق...)([4]).
والخلاصة: أنَّه لا دليل على ذلك، ولو رواية ضعيفة، فما ذكره الأعلام هو الصَّحيح، واﷲ العالم
([1]) الحدائق: ج16، ص333.
([2]) الجواهر: ج16، ص69.
([3]) المسالك: ج1، ص466.
([4]) الجواهر: ج16، ص13.