الدرس 167_التكسّب الحرام وأقسامه (162).مسائل:العاشرة / الحادية عشرة
الدرس 167 / الإثنين: 19-نيسان-2021
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: العاشرة: حرَّم الحلبي الرَّمي عن قوس الجلاهق، ولا يعلم دليله، إلاَّ ما روى العامَّة، وقيَّده الفاضل بطلب اللَّهو والبطر. (انتهى كلامه)
(1) ذهب أبو الصَّلاح الحلبي (رحمه الله) إلى حرمة الرّمي عن قوس الجلاهق الذي هو عبارة عَنِ البندق الذي يرمى به، وهو فارسي معرَّب ولا دليل عليه؛ كما ذكره المصنِّف (رحمه الله)، فإنَّ الأصل هو الإباحة.
وأمَّا القول: بحرمته لأجل اللَّهو.
فيرد عليه ما ذكرناه سابقاً: من أنَّه لا دليل على حرمة مطلق اللَّهو.
وأمَّا ما روي عَنِ العامَّة من أنَّ حكيم بن عباد بن حنيف عن أبيه قال: «أوَّل منكر ظهر بِالْمَدِينَةِ حين فاضت الدُّنْيَا، وانتهى، وسع النَّاس طيران الحمام والرَّمي عَلَى الجلاهقات، فاستعمل عَلَيْهَا عُثْمَان رجلاً مِنْ بني ليث»[1]f197، فهي ضعيفة جدّاً، بل لم ترد عَنِ النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله).
والخلاصة: أنَّ مقتضى الأصل هو الإباحة، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: الحادية عشرة: لا يجوز سلوك طريق يغلب فيها تلف النَّفس مطلقاً، أو المال المضرِّ به. (انتهى كلامه)
(2) قال الشَّيخ (رحمه الله) في النِّهاية: «ولا يجوز سلوك طريقِ خطرٍ مع ظهور أمارة الخوف فيها»، وفي السَّرائر: «وسلوك طريقٍ يظهر فيه أمارة الخوف مع ترك التَّحرُّز، والكَشْف عن ذلك».
أقول: لا إشكال في عدم جواز تعريض النَّفس للهلاك، سواء أكان بسلوك طريق فيه خطر على النَّفس من هلاكها، أو بغير ذلك من أسباب الهلاك.
نعم، مجرد الاحتمال لا يكفي، بل لابدَّ من حصول الخوف المعتدِّ به، بحيث يكون هناك أمارةً كاشفةً عن ذلك.
وأمَّا إذا لم يحصل الخوف على النَّفس مِنَ الهلاك، وإنَّما كان الخوف من سلوك الطَّريق ناشئناً من احتمال تضرر النَّفس على نحو لا يكون ظلماً، وجنايةً عليها، بل على نحو الأذية، وما أشبه ذلك، فلا دليل حينئذٍ على الحرمة.
كما أنَّه لا دليل على حرمة السُّلوك إذا كان الضَّرر اللاَّحق به مِنَ السُّلوك هو على المال اليسير الذي لا يضرُّ بحاله.
نعم، لو كان مضرّاً بحاله ضرراً معتدّاً به، فلا يجوز حينئذٍ.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا أَخْذ الأُجْرة على تزويق المساجد وزخرفتها. (انتهى كلامه)
(1) التَّزويق: هو التَّزيين والتَّحسين، والزَّخرفة هو نقش المساجد بالذَّهب، وعن غير واحد مِنَ اللُّغويين، تفسير الزَّخرفة بمطلق التَّزيين.
وعليه، فلا بدَّ مِنَ التَّكلم أوَّلاً عن حرمة تزيين المساجد، وزخرفتها، ثمَّ نتكلَّم عن حكم أَخْذ الأجرة على ذلك.
إذا عرفت ذلك، فنقول: حكي عَنِ المشهور حرمة زخرفة المساجد، وحرَّم المصنِّف (رحمه الله) في البيان زخرفتها، لكنَّه هنا في مكان المصلِّي جعل من جملة المستحبَّات ترك الزَّخرفة والتَّصوير، ونسب حرمتها إلى القيل.
والإنصاف: أنَّه قدِ اعترف كثير مِنَ المتأخِّرين بعدم العثور على دليل يعتدُّ به صالح لإثبات حرمة الزَّخرفة.
ومن هنا ذهب جماعة مِنَ العلماء المتأخِّرين إلى الكراهة.
ثمَّ إنَّه قدِ استدلَّ ببعض الأدلَّة لحرمة الزَّخرفة:
منها: الإسراف.
وفيه: أنَّ الإسراف متقوِّم بفَقْد الغرض العقلائيِّ، والفرض أنَّ الغرض العقلائيَّ حاصل، وهو تحسين المسجد، أو قَصْد تعظيمه، فيدخل حينئذٍ في تعظيم شعائر الله، كما هو موجود في المشاهد المشرَّفة « وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب ﴾ ]الحج: 32[.
وعليه، فيمتنع إدراجه في الإسراف المنهيِّ عنه.
ومنها: ما ذكره المحقِّق (رحمه الله) في المعتبر، والعلاَّمة (رحمه الله) في المنتهى، من أنَّه بدعة، لم يُفْعَل في زمان النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله)، وزمن أهل البيت S ولا أحد مِنَ الصَّحابة.
وفيه: أنَّ البدعة المحرَّمة هي إدخال ما ليس مِنَ الدِّين فيه.
والبدعة اللُّغوية: ليست كذلك؛ إذ ليس فيها إسناد إلى الشَّارع المقدَّس، وكلُّ ما هنالك أنَّ هذه الأمور والتي منها الزَّخرفة لم يقع في عهد النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله).
وكم مِنَ الأمور المستحدثة في زماننا ممَّا نعلم بعدم وقوعها في زمان النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله)، ومن بعده مِنَ الصَّحابة، وهذا لا يجعلها بدعة محرَّمة.
ولو تمَّ ذلك لسرى إلى غير الذَّهب، كالفضَّة، مع أنَّهم اقتصروا على الزَّخرفة، أي التَّزيين بالذَّهب.
ومنها: ما في وصيَّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لابن مسعود المرويَّة في مكارم الأخلاق للطَّبرسي (رحمه الله) في مقام الذَّمِّ: «يَبْنُونَ الدُّور، ويُشيِّدُون القُصُوْرَ، ويُزَخْرِفُون المَسَاجِدَ»[2]f198، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، مضافاً إلى ضعف الدَّلالة؛ إذ لا يستفاد منها الحرمة.
والخلاصة: أنَّه لا دليل قويٌّ على الحرمة، بل لا دليل على الكراهة، وإِنْ ذهب إليها جماعة مِنَ العلماء المتأخِّرين.
وممَّا ذكرنا تعرف عدم حرمة التَّزويق، ولا كراهته.
وأمَّا بالنسبة لأَخْذ الأُجْرة على ذلك فلا بأس به؛ لعدم حرمة العمل، فتشمله إطلاقات أدلَّة الإجارة والجُعَالة، مضافاً إلى أنَّ الأصل يقتضي الإباحة، والله العالم.