الدرس 149_التكسّب الحرام وأقسامه (144). سادسها: ما يجب على المكلّف فعله
الدرس 149 / الأربعاء: 24-شباط-2021
نعم، هناك روايتان يُفهَم منهما أنَّ يوسف (عليه السلام) سأل ذلك باختياره، وهما روايتان ضعيفتا السَّند:
الأُولى: هي رواية الحسن بن موسى «قَالَ: رَوَى أَصْحَابُنَا عَنِ الرِّضَا (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَصْلَحَكَ الله! كَيْفَ صِرْتَ إِلَى مَا صِرْتَ إِلَيْهِ مِنَ الْمَأْمُونِ؟ فَكَأَنَّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ (عليه السلام): يَا هَذَا، أَيُّمَا أَفْضَلُ النَّبِيُّ أَوِ الْوَصِيُّ؟ فَقَالَ: لَا، بَلِ النَّبِيُّ، قَالَ: فَأَيُّمَا أَفْضَلُ مُسْلِمٌ أَوْ مُشْرِكٌ؟ قَالَ: لَا، بَلْ مُسْلِمٌ، قَالَ: فَإِنَّ الْعَزِيزَ عَزِيزَ مِصْرَ كَانَ مُشْرِكاً، وَكَانَ يُوسُفُ (عليه السلام) نَبِيّاً، وَإِنَّ الْمَأْمُونَ مُسْلِمٌ، وَأَنَا وَصِيٌّ، وَيُوسُفُ سَأَلَ الْعَزِيزَ أَنْ يُوَلِّيَهُ حِينَ قَالَ: «اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيم »، وأَنَا أُجْبِرتُ عَلَى ذَلِك (وَالْمَأْمُونُ أَجْبَرَنِي عَلَى مَا أَنَا فِيهِ)...»[1]f114، وهي ضعيفة بجهالة أكثر من شخص، وبالإرسال.
والثَّانية: رواية سعيد بن هبة الله الرَّاوندي في الخرائج والجرائح عن محمَّد بن زيد الرَّزامي عَنِ الرِّضا (عليه السلام)ا[2]f115، ودلالتها مثل الرِّواية الأُولى، فلا حاجة لذِكْرها، ولكنَّها أيضاً ضعيفة بالإرسال، وبجهالة محمَّد بن زيد الرَّزامي خادم الرِّضا (عليه السلام).
والخلاصة: أنَّ هذا الدَّليل الثَّاني ليس تامّاً كالدَّليل الأوَّل.
الدَّليل الثَّالث: أنَّ حرمة الولاية، إن كان من جهة نفسها، فيزاحمها ما هو أهمُّ من حرمة الولاية، وهو دَفْع المفاسد الذي هو أهمُّ من حرمة الولاية، ومن مفسدة كون الشَّخص من أعوان الظَّلمة.
وأمَّا إن كانت حرمتها لا لنفسها، بل لاستلزامها ظلم الغير، فلا ظُلْم هنا حتَّى تحرم، بل هو قائم بمصالح العباد.
وفيه: إن كان المراد من مصالح العباد هو حِفْظ النُّفوس والأعراض والأموال الخطيرة، فإنَّ هذه، وإن كانت مقدَّمةً على حرمة الولاية، إلاَّ أنَّ المدَّعى أعمُّ من هذه الأمور الثَّلاثة الخطيرة.
وأَمَّا إذا كان المراد من مصالح العباد هو القيام بقضاء حوائج النَّاس، وبَذْل الجُهْد في كَشْف كُرُباتهم، ونحو ذلك مِنَ الأمور المستحبَّة.
فيرد عليه: أنَّ المستحبَّ لا يُزاحِم المحرَّم.
وبالجملة، فإنَّ أدلَّة الأحكام الإلزاميَّة لا تُزاحِمها أدلَّة الأحكام التَّرخيصيَّة.
والخلاصة: أنَّ هذا الدَّليل الثَّالث ليس تامّاً أيضاً.
الدَّليل الرَّابع: الرِّوايات الكثيرة الدَّالَّة على الجواز لأجل القيام بمصالح العباد وللأمر بالمعروف والنَّهي عَنِ المنكر:
منها: حسنة زيد الشَّحَّام «قَاْل: سمعتُ الصَّادق جعفر بن محمّد (عليه السلام)، يقول: مَنْ تَولَّى أَمْراً مِنْ أُمُورِ النَّاس، فعَدَل وفَتَح بابه ورفع سِتْره ونظر في أمور النَّاس، كان حقّاً على الله عزّ وجلّûنْ يُؤمِنَ رَوْعَته يومَ القيامةِ، ويُدْخِلَه الجنَّة»[3]f116، وهي بإطلاقها تشمل التَّولِّي من قِبَل السُّلطان الجائر.
ومنها: صحيحة عليِّ بن يقطين «قال: قَاْل لي أبو الحَسَن مُوْسَى بن جَعْفَر (عليه السلام): إنَّ ﷲ تبارك وتعالى مَعَ السُّلطانِ أَوْلِيَاءَ يَدْفَعُ بِهِم عَنْ أَوْليائِه»[4]f117، وهي، وإن كانت ضعيفةً بطريق الكليني بالإرسال، إلاَّ أنها صحيحة بطريق الصَّدوق.
وأما الإشكال: بأنَّ الكَوْن مَعَ السُّلطان لا يدلُّ على الدُّخول في عمله، والولاية له.
فمدفوع: بأنَّ المنصرف من هذا التَّعبير هو كونه وليّاً من قِبَله، ولا أقلَّ من أنّ ذلك هو مقتضى الإطلاق.
ومنها: مرسلة الصدوق (رحمه الله) في الفقيه، فإنَّه بعد ما ذكر صحيحة بن يقطين «وَفِي خَبَرٍ آخَرَ: أُولَئِكَ عُتَقَاءُ الله مِنَ النَّارِ»[5]f118، وهي، وإن كانت ظاهرةً في المطلوب، إلا أنها ضعيفة بالإرسال.
ومنها: مرسلته الأخرى «قَاْل: وقَاْل الصَّادق (عليه السلام): كَفَّارةُ عَمَلِ السُّلطانِ قَضَاءُ حوائجِ الإخوانِ»[6]f119، وهي ضعيفة بالإرسال، مضافاً إلى ظهورها في أنَّ الدُّخول أوَّلاً غير جائز، إَّلا أنَّ الإحسان إلى الإخوان كفَّارة.