الدرس 143_التكسّب الحرام وأقسامه (138). سادسها: ما يجب على المكلّف فعله
الدرس 143 / الاثنين: 15-شباط-2021
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وكذا تحرم الأُجْرة على وظيفة الإمامة. (انتهى كلامه)
(1) المشهور بين الأعلام أنَّه يحرم أَخْذ الأُجْرة على الإمامة للصَّلاة، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، من غير فرق بين الواجبة كما في الجمعة والمندوبة...».
ولعلَّ الوجه في ذلك: هو أنَّ ما كان انتفاع الغير به موقوفاً على تحقُّقه على وجه الإخلاص، فلا يجوز الاستئجار عليه، لأنَّ شَرْط العمل المُسْتأجر عليه قابليَّة إيقاعه لأجل استحقاق المُسْتأجر له حتَّى يكون وفاءً بالعقد؛ وما كان من قبيل العبادة غير قابل لذلك.
وفيه ما ذكرناه في مبحث صلاة الجماعة : من أنّ الإمامة ليست أمراً عبادياً حتى يعتبر فيها قصد القربة.
نعم، نفس الصَّلاة هي أمر عباديٌّ.
وعليه، فمقتضى القاعدة أنَّه لا مانع من أَخْذ الأُجْرة على ذلك.
نعم، دلَّت بعض الرِّوايات على عدم جواز الأَخْذ، وأنَّ هذا الفِعْل يُؤتَى به مجاناً، كما في الأذان ونحوه، ففي رواية محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «قَاْل: لَاْ تصلِّ خَلْفَ مَنْ يبغي على الأذان والصَّلاة بالنَّاس أَجْراً، ولَاْ تَقَبْلْ شَهَادتَه»[1]f91، ولكنَّها ضعيفة؛ لأنَّ في إسناد الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) إلى محمَّد بن مسلم اثنين من أحفاد البرقي، وهما مجهولان أو مهملان.
وعليه، فالتَّعبير عنها بالصَّحيحة كما عن أغلب الأعلام في غير محلِّه.
وفي حسنة حمران الطَّويلة جدّاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) الواردة في فساد الدُّنيا واضمحلال الدِّين، حيث ورد فيها: «فإِذَا رَأَيْتَ الحَقَّ قَدْ مَاْتَ، وذهبَ أهلُه، ورَأَيْتَ الجَوْرَ قَدْ شَمَل البِلَادَ، ورَأَيْتَ القرآنَ قَدْ خَلُقَ، وأُحْدِثَ فِيْه مَاْ لَيْسَ فِيْه إلى أن قال: ورَأيْتَ الأَذَان بالأَجْر، والصَّلَاْةَ بالأَجْرِ...»[2]f92، بناءً على أنَّ المراد أَخْذُ الأُجْرةِ على الإمامة، كما هو الظَّاهر.
والخلاصة: أنَّ الأقوى ما عليه المشهور من عدم جواز أَخْذ الأُجْرة على الإمامة، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وإقامة الشَّهادة، وتحمُّلها، وإن قام غيره مقامه. (انتهى كلامه)
(1) يقع الكلام في أمرين:
الأوَّل: في وجوب تحمُّل الشَّهادة إذا دُعِي إليها، وفي وجوب أدائها.
الثَّاني: في جواز أَخْذ الأُجْرة على التَّحمُّل على الأداء.
أمَّا الأمر الأوَّل: فقد ذهب جماعة من الأعلام إلى وجوب التَّحمُّل إذا دُعِي إليها، وهو الأقرب عندنا مع عدم الضَّرر، وهو أيضاً واجب كفائيٌّ لا عيني.
ويدلُّ على الوجوب الكتاب المجيد والسُّنة النَّبويَّة الشريفة، ففي صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في قول الله عزّ وجلّ: «وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء ﴾ ]البقرة: 282[، قَاْل: قَبْلَ الشَّهادةِ، وقوله: « وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾ ]البقرة: 283[، قَاْل: بَعْد الشَّهادةِ»[3]f93، وكذا غيرها، وتفصيل الكلام في ذلك في باب الشَّهادات.
وأمَّا أداء الشَّهادة، فلا إشكال في وجوبه، وإنَّما الخلاف بين الأعلام في أنَّه واجب عينيٌّ أو كفائيٌّ.
والأقرب عندنا: أنَّه واجب كفائيٌّ.
وأيضاً يختصُّ وجوب أداء الشَّهادة عندنا بما إذا أشهد، ومع عدم الإشهاد فهو بالخيار إن شاء شهد، وإن شاء لم يشهد.
نعم، إذا كان أحد طرفي الدَّعوى ظالماً للآخر وجب أداء الشَّهادة لدَفْع الظُّلْم، وإن لم يكن إشهاد، وتفصيل الكلام من هذه الجهة يأتي في باب الشَّهادات إن شاء الله تعالى .
الأمر الثَّاني: وهو المقصود هنا، فالمعروف بين الأعلام أنَّ الشَّاهد لا يجوز له أَخْذ الأُجْرة على تحمُّلها، وكذا لا يجوز له على أدائها للوجوب عليه، وإن كان كفائيّاً.
وفي الجواهر: «كما أنَّ الظَّاهر عدم جوازه أيضاً على أداء الشَّهادة عينيّاً كان أو كفائيّاً أو مستحبّاً، أمَّا التَّحمُّل فقد أطلق جماعة أيضاً عدم الجواز عليه، معلِّلين ذلك بالوجوب، لكنَّ التَّعليل والمعلَّل لا يخلو من إشكال...».
وذكروا أيضاً أنَّه لو احتاج السَّعي لها إلى معونة في سفر جاز له أَخْذها؛ لأنَّ الواجب الإقامة، كما دلَّت عليه الآية الشَّريفة لا السَّعي لها.
أقول: مقتضى الإنصاف هو جواز أَخْذ الأُجْرة على الشَّهادة تحمُّلاً وأداءً.
أمَّا على القول: بكون الوجوب كفائيّاً فواضح؛ لخروج المسألة عن كون الأُجْرة على الواجب؛ لأن ما تعلَّق به الوجوب هو أداء أحد المكلَّفين، وما تعلَّقت به الإجارة هو مباشرة شخص معيَّن.
وعليه، فما أُخذت عليه الأُجْرة ليس بواجب وما كان واجباً لم تُؤْخَذ عليه الأُجْرة.
وأمَّا على القول بالوجوب العَيْنيّ، فتدخل المسألة في محلِّ النِّزاع، ولكنَّك عرفت سابقاً أنَّ مقتضى القاعدة جواز أَخْذ الأُجْرة عليه، فراجع.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو أَخَذ الأُجْرة على ما زاد على الواجب مِنَ الفِقه والقرآن جاز على كراهيَّة، ويتأكَّد مَعَ الشَّرط، ولا يحرم؛ لقول الصَّادق (عليه السلام): «لو أنَّ المعلِّم أعطاه رجل دية ولده كان مباحاً». فلوِ استأجره لقراءة ما يهدى إلى ميِّت أو حيٍّ، لم يحرم، وإن كان تركه أولى.
ولو دفع إليه بغير شرط فلا كراهيَّة، والرِّواية عَنِ النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله)، وعن عليٍّ (عليه السلام) يمنع الأُجْرة على تعليم القرآن، يُحْمَل على الواجب، أو على الكراهة.
وكذا الرِّواية عَنِ الباقر (عليه السلام): أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لعن مَنِ احتاج النَّاس إليه لِتفقُّههم (ليُفَقِّههم)، فسألهم الرَّشوة (انتهى كلامه)
(1) اِختلف الأعلام في جواز أَخْذ الأُجْرة على تعليم القرآن على أقوال:
الأوَّل وهو المشهور بينهم : أنَّه يُكرَه أَخْذ الأُجْرة على تعليم القرآن الكريم.
الثَّاني ما عن ظاهر الشَّيخ المفيد (رحمه الله) : أنَّه يجوز بلا كراهة.
الثَّالث ما عن أبي الصَّلاح (رحمه الله) : أنَّه يُحرَم.
الرَّابع ما عَنِ الشَّيخ (رحمه الله) في الاستبصار : أنَّه يُحرَم مَعَ الشَّرط، ويُكْرَه بدونه.
الخامس ما عن ابن إدريس (رحمه الله) : أنَّه يُكْرَه مَعَ الشَّرط، ولا بأس به بدونه، وكذا ما عَنِ الشَّيخ (رحمه الله) في النِّهاية، ونحوه ابن البراج (رحمه الله).