الدرس208 _مكان المصلي 1
(1) المكان عرفاً: هو موضع المصلّي الذي يستقرّ عليه حال تشاغله بأفعال الصّلاة من قيام وقعود وركوع وسجود، وغيرها.
ولكنّ المراد به في المقام: ما يعمّ الفضاء الذي يشغله المصلّي. وعرَّفه جماعة من الأعلام بتعاريف متعددة؛ وأشكل بعضهم على هذه التعاريف بإشكالات في غير محلّها.
والإنصاف: حيث إنَّ لفظ المكان لم يقع في لسانِ دليلٍ معتبر، فلا يهمّنا حينئذٍ شرح مفهومه عرفاً، أو لغةً، أو اصطلاحاً، إذ لا يترتّب على ذلك فائدة مهمّة، لأنّ الأحكام اللاحقة له والتي يقع البحث عنها في هذا المبحث كلّها معلّقة بحسب أدلّتها على موضوعات لا يتوقف معرفة شيء منها على صدق مفهوم المكان، هذا كلّه من حيث إباحة المكان.
وأمّا من حيث طهارته فكذلك، حيث لم يقع لفظ المكان في لسان دليل معتبر دلّ على اشتراط طهارة مكان المصلّي.
وعليه، فالمرجع في تحقيقه الأدلّة الدالّة على اعتبار الطهارة، وأنّ الموضوع فيها خصوص مسجد الجهة، أو موضع المساجد، أو موضع تمام بدن المصلّي، وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في ذلك.
إذا عرفت ذلك، فقد قال المصنِّف R في الذكرى: «لا خلاف في جواز الصّلاة في المكان المملوك، أو المأذون فيه صريحاً، أو فحوى...».
وفي المدارك: «أجمع العلماء كافّة على جواز الصّلاة في الأماكن كلّها إذا كانت مملوكةً، أو مأذوناً فيها...».
أقول: لا فرق في المملوك بين أن يكون مملوك المنفعة فقط، أو مع ملك العين، فيشمل مملوك العين والمنفعة، والمستأجر، والموصى بمنفعته، والمحبّس، والمسكون، أي حبس المنفعة والسّكنى.
ويدخل في المباح الأماكن التي ليست بالفعل ملكاً لأحد كالأراضي العامرة، أو العامرة التي انجلى عنها أهلها، فهي ملك للإمام N، وقد رخّص لشيعته في التصرف فيها بأنحاء التصرّفات، فضلاً عن الصّلاة التي لا شبهة في رضاه بها.
وبالجملة، فما يتعلّق بالإمام N من الأنفال، وما جرى مجراها ممّا يكون ملكاً له، أو أمره راجعاً إليه، فلا شبهة في جواز الصّلاة فيه، ورضاه بذلك.
وأمّا الدليل على جواز الصّلاة في كلّ الأماكن المملوكة، أو المباحة، أو المأذون فيها، فقد عرفت دعوى الإجماع عليه من المصنِّف R، وصاحب المدارك R، وغيرهما من الأعلام، فدعوى الإجماع إن لم تكن متواترة فهي مستفيضة جدّاً.
وفي الواقع يوجد تسالم بين الأعلام قديماً وحديثاً، بحيث خرجت المسألة عن كونها إجماعاً اصطلاحيّاً.
ويدلّ عليه أيضاً مضافاً إلى التسالم بينهم الأخبار المستفيضة الواردة في مقام الامتنان والدّالة على عموم مسجديّة الأرض:
منها: رواية أبان بن عثمان عمَّن ذكره عن أبي عبد الله N «قال: إنّ الله أعطى محمداً C شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى إلى أن قال: وجعل له الأرض مسجداً وطهوراً»[i]f471، ولكنّها ضعيفة بالإرسال.
ومنها: مرسلة الشيخ الصّدوق R في الفقيه «قال: قال النّبي C: أُعْطِيتُ خمساً لم يعطها أحدٌ قبلي: جُعِلت لي الأرضُ مسجداً وطهوراً، ونُصِرتُ بالرّعب، وأُحِلّ لي المغنم، وأُعْطِيتُ جوامع الكلم، وأُعْطيتُ الشفاعة»[ii]f472، وهي وإن كانت ضعيفة في الفقيه بالإرسال، ولكن رواها الشيخ الصّدوق R في المجالس بسند حسن، لأنَّ ابن أبان الموجود هو الحسين بن الحسن بن أبان، وهوممدوح جدّاً، بل وثَّقه جماعة كثيرة من المتأخِّرين، وتوثيق المتأخِّرين، وإن لم يكن حجَّةً، إلاَّ أنَّه يزيد في الاطمئنان.
وبالجملة، فالرواية حسنة.
ومنها: مرسلة البرْقي في المحاسن عن النوفلي بإسناده «قال: قال رسول الله C: الأرض كلُّها مسجد، إلاَّ الحمَّام، والقبر»[iii]f473، وهي ضعيفة بالإرسال.
ومنها: رواية عُبَيْد بن زرارة «قال: سمعتُ أبا عبد الله N يقول: الأرضُ كلُّها مَسْجدٌ، إلاَّ بئرَ غائطٍ، أو مقبرةٍ، أو حمّامٍ»[iv]f474، ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة القاسم بن محمّد، وجهالة سليمان مولى طربال.
ثمَّ الاستثناء في هاتين الروايتَيْن إنَّما هو على وجه الكراهة، بعد التسليم بصحّة السّند.
ومنها: مرسلة المحقّق R في المعتبر «قال: قال رسول الله C: جُعِلَتْ لي الأرضُ مسجداً، وترابُها طَهُوراً، أينما أدركتني الصَّلاةُ صلَّيتُ»[v]f475، وهي أيضاً ضعيفة بالإرسال.
(1) يقع الكلام في أربعة أمور:
الأوَّل: فيما إذا كان ملكاً لغيره، هل يشترط في جواز الصّلاة فيه الإذن من المالك، أم يكفي الرضا النفسي؟
الثاني: إذا قلنا بكفاية الرضا النفسي هل يكفي الرضا التقديري، أم يشترط الرّضا الفعلي؟
الثالث: هل يعتبر في إحراز رضاه العلمُ به حقيقةً، أو حكماً، كما إذا كان مستنداً إلى أمارة معتبرة، كظواهر الألفاظ، وخبر الواحد الثقة، أم يكفي الظنّ مطلقاً، أو في الجملة.
الرابع: في كيفيّة إحراز رضا المالك من الإذن، أو الفحوى، أو شاهد الحال.