الدرس 176 _زكاة الفِطرة 9
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: الثَّاني: لو أُوصي له بعبد، وقَبِلَ بعد الهلال، وجبت زكاته على القابل إذا كانت الوفاة قبل الهلال. وفي المبسوط: لا زكاة على أحد(1)
(1) المعروف بين الأعلام: أنَّه إذا أوصي له بعبد، وكان الثُّلث يسع ذلك، ثمَّ مات الموصي قبل الغروب، فإن قبل الموصى له الوصيّة قبل الغروب أيضاً وجبت فطرته على الموصى له بغير خلاف؛ لصيرورته حينئذٍ في ملكه.
نعم، لا بدّ من اعتبار العيلولة أيضاً، ولا يكفي مجرَّد الملكيّة.
وأمَّا إن قبل بعد الغروب فتسقط عن الموصى له؛ لأنَّ الملك حصل بعد حصول الغروب.
نعم، لو قلنا: إنَّ القبول كاشف عن الملك من حين الموت اتَّجه الوجوب حينئذٍ عليه مع صِدْق العيلولة.
وقيل: تجب الفطرة على الوارث، لأنَّ التَّركة إلى حين القبول هي ملك له، فتكون الفِطْرة عليه. وقيل: تسقط عن الوارث أيضاً، كما جزم به الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف والمبسوط، بناءً على بقاء المال الموصى به وصيّة نافذة على حكم مال الميّت.
ولكنَّ الإنصاف كما ذكرنا في محلِّه : أنَّه لا يُشترط القبول في الوصيّة التّمليكيَّة، خلافاً للمشهور، حيث ذهب إلى اعتبار القبول إمَّا لكون الوصيّة التّمليكيَّة عقداً، فيكون القبول جزءاً منه، وإمَّا لكونها إيقاعاً، فيكون القبول شرطاً على وجه الكشف أو النَّقل.
ولكنَّ الإنصاف: عدم جزئيّة القبول أو شرطيّته؛ وذلك لإطلاق نفوذ الوصيّة وصحّتها، فتكون من الإيقاعات غير المشروطة بشيء.
وعليه، فبما أنَّ موت الموصي كان قبل الغروب، فالموصى به يصبح ملكاً للموصى له قبل الغروب أيضاً، فيصدق أنَّه مَلكَ عبداً قبل الغروب، فتجب فطرته عليه مع صدق العيلولة، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: الثَّالث: لو وُهِب له عبدٌ فَقَبِلَه وتأخَّر القبض عن الهلال بُني على ملك الموهوب. والمشهور أنَّه بالقبض(1)
(1) المشهور بين الأعلام أنَّه لو وُهب له عبد قبل الهلال ، وقبلَ، ولم يقبض، لم تجب الزكاة على الموهوب له؛ لأنَّ القبض شرط في صحة الهبة.
وعليه، فلا ملك ولا عيلولة؛ فلذا لا تجب الزكاة عليه، بل تبقى الزَّكاة على الواهب مع حياته. ولو مات الواهب كانت على الورثة؛ لانتقال المال إليهم حينئذٍ، وبطلان الهبة؛ لعدم تحقُّق القبض.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو مات المتَّهب بعد القبول، وقبل القبض، فعلى اشتراط القبض تبطل الهبة وعلى عدمه يقبض الوارث(1)
(1) المعروف بين الأعلام: أنَّه لو قبل الموهوب له، ومات، ثمَّ قبض ورثة الموهوب له قبل الهلال، لم تجب عليهم الفطرة عن المملوك؛ لبطلان الهبة بالموت قبل القبض.
وذهب الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط: إلى أنَّه لو قبل الموهوب له ومات، ثمَّ قبض ورثته قبل الهلال وجبت عليهم؛ لعدم اعتبار القبض من الموهوب له في صحَّة الهبة، فلا تبطل الهبة حينئذٍ بالموت قبله.
ولكنَّك عرفت أنَّ القبض شرط في الصِّحّة، وما هو مقتضى الإنصاف، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: الرابع: فطرة العبد في خيار الثَّلاثة على المشتري. وفي الخلاف: على البائع؛ لأنَّه لو تلف كان منه(2)
(2) المعروف بين الأعلام: أنَّ فطرة العبد في المبيع بالخيار في الثَّلاثة على المشتري؛ لأنَّه ملك له، ولابدّ أيضاً أن يكون مع صِدْق العيلولة.
وذهب الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف: إلى أنَّها على البائع؛ لأنَّه لو تلف كان منه، أي أنَّ التَّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له.
ولكن لا يخفى عليك ضعفه؛ لأنَّ التَّلف في زمان الخيار، وإن كان منه، إلاَّ أنَّه فعلاً هو ملك للمشتري، فتجب عليه مع صدق العيلولة، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: الخامس: فطرة المشترك على ملاّكه بالنِّسبة. وقيل: لا فطرة فيه(3)
(3) قال صاحب المدارك (رحمه الله): «ما اختاره المصنِّف (رحمه الله) من أنّ العبد المشترك تجب فطرته على مواليه بالحصص، إلاَّ أن يختصّ أحدهم بإعالته، فتجب عليه خاصة، قول أكثر الأصحاب، وقال ابن بابويه: لا فطرة عليهم، إلاَّ أن يَكمل لكلِّ واحد منهم رأس تامّ...».
أقول: ما ذكره المحقِّق (رحمه الله) هو المعروف بين الأعلام، ويستدلّ له: بإطلاق الأدلّة؛ إذ لا فرق فيها بين اتِّحاد المعيل وتعدّده، ولا بين كون المُعال إنساناً أو بعض إنسان.
وقدِ استدلّ أيضاً: بمكاتبة محمَّد بن القاسم بن الفُضيل المتقدِّمة إلى أبي الحسن الرِّضا (عليه السلام) «يسأله عن المملوك يموت عنه مولاه، وهو عنه غائب في بلدة أُخرى، وفي يده مال لمولاه، ويحضر الفطر (وتحضره الفطرة) أيُزكِّي عن نفسه من مال مولاه، وقد صار لليتامى؟ قال: نعم»([1]).
والاستدلال بها مبنيّ على كون موت المولى قبل هلال شوال، ليكون المملوك مشتركاً بين الورثة.
وأمَّا بناءً على ما استظهره صاحب الوسائل (رحمه الله) من أنَّ موت المولى بعد الهلال، فتكون خارجةً عن محلّ الكلام، لكون المملوك حينئذٍ ملكاً لمولاه عند تعلُّق الوجوب.
ولكنّ الَّذي يهوِّن الخطب: أنَّ المكاتبة المشتملة على هذا الذَّيل ضعيفة السَّند، فراجع تفصيل ما ذكرناه حول السَّند عند قول المصنف: «البالغ العاقل»، وذكرنا أيضاً أنَّ هذا الكلام مخالِف للأصول بناءً على كون الموت قبل الغروب لأنَّ المال صار لليتيم، فكيف يجوز للمملوك التّصرُّف في مال اليتيم بدون إذن وليّ اليتيم؟!
أقول: إنَّ ما ذكره الأعلام هو المطابق للقاعدة، ولا يحتاج إلى دليل خاص؛ وذلك لأنَّ المملوك المشترك بين المالكَيْن، إنْ كان المُعيل له أحدهما دون الآخر، فالزَّكاة على المُعيل المُوسر دون الآخر؛ لما عرفت من اشتراط العيلولة في ذلك، كما أنَّه لو كان المعيل شخصاً أجنبيّاً فالزَّكاة عليه، لا على المالكَيْن.
والخلاصة: أنَّ المناط هو العيلولة.
وعليه، فإذا كان كلٌّ من المالكَيْن مشتركَيْن في العيلولة وجبت الزَّكاة عليهما؛ لما عرفت من إطلاق الأدلَّة؛ إذ لا فرق فيها بين اتِّحاد المعيل وتعدّده، ولا بين كون المُعال إنساناً أو بعض إنسان، فتُقسَّط الزَّكاة عليهما.
نعم، خالف في ذلك ابن بابويه (رحمه الله)، حيث ذهب إلى عدم الفطرة عليهما إلاَّ أن يَكْمُل لكلِّ واحدٍ منهما رأس تامّ.
([1]) الوسائل باب 4 من أبواب زكاة الفطرة ح3.