الدرس 175 _زكاة الفِطرة 8
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو أيسر الصَّغير، فلا زكاة، إلاَّ أن يعوله الأب تبرُّعاً. وأوجبها الشَّيخ على الأب(1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّ الولد الصَّغير إذا كان مُوسراً كانت نفقته في ماله، ولا تجب فطرته على أبيه؛ لأنَّه لم يعله، أي لم تكن المؤونة من الأب، كما أنَّه لا تجب الفِطْرة على نفس الصَّغير لاشتراط البلوغ في الوجوب.
وأوجبها الشَّيخ (رحمه الله) على الأب.
وفيه: أنَّه لا معنى لذلك، إلاّ إذا كان في عيلولته.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وتجب فطرة خادم الزَّوجة والولد والأب مع الزَّمانة(2)
(2) قال الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط: «ويلزم الرَّجل إخراج الفطرة عن خادم زوجته، كان ملكه أو ملكها أو مكترى لخدمتها؛ لأنَّه ليس يجب على المرأة الخدمة، وإنَّما يجب على الزَّوج أن يقوم بخدمتها أو يقيم من يخدمها إذا كانت امرأة لم تجرِ عادتها وعادة مثلها بالخدمة، وإن كانت عادتها وعادة مثلها الخدمة لا يجب عليه ذلك...».
أقول: كأنَّه يُشير (رحمه الله) إلى أنَّ لزوم النَّفقة عليه يُوجب الفِطْرة، وبما أنَّه يلزمه الخادم للزَّوجة لعدم وجوب الخدمة عليها، ويلزمه الخادم للأب والولد للحاجة إليه لمرضهما المزمن، أي لوجود عاهة فيهما، فيلزمه الفطرة حينئذٍ.
وقد عرفت أنَّ الإنصاف: أنَّ المناط في الوجوب هو العيلولة الفعلية، فكلُّ من كان كذلك فتجب الفطرة عنه، وإلاَّ فلا.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو غصب العبد، وعاله الغاصب، وجبت عليه، وإلاَّ فعلى المالك، إلاَّ أن تُجعل الزَّكاة تابعة للعيلولة(1)
(1) تقدَّم الكلام حول هذه المسألة عند قول المصنِّف (رحمه الله) سابقاً: «ولو أبقَ العبد فالوجوب باقٍ...»، فراجع.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وتجب عن المكاتب المشروط خلافاً لابن البرّاج لا عن المطلق، إلاَّ مع العيلولة. وفي مرفوعة محمَّد بن يحيى: تجب عن المكاتب، وما أغلق عليه بابه(2)
(2) ذكرنا هذه المسألة سابقاً عند قول المصنِّف (رحمه الله): «تجب زكاة الفطرة...على البالغ العاقل الحر...»، وبيَّنا مفصّلاً ما قيل في اشتراط الحريّة في التَّكليف، وما يتفرّع عليها، فراجع، والمراد بقوله: «وما أغلق عليه بابه» هو الكناية عن العيلولة.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: فروع خمسة: الأوَّل: لو مات المولى قبل الهلال، وعليه دَين مستوعب، فلا زكاة في رقيقه عند الشَّيخ؛ بناءً على أنَّ التَّركة لم تنتقل إلى الوارث(3)
(3) المعروف بين الأعلام: أنَّه لو مات المولى وعليه دَين، فإن كان الموت بعد الهلال وجبت عليه زكاة مملوكه في ماله؛ لأنَّها بعد حصول السَّبب وهو الهلاك دَين في الذِّمّة كغيرها من الدُّيون، فلا تقدّم عليه، ولا يقدّم عليها، بخلاف زكاة المال الباقية فيه بعد الموت، فإنَّها تقدّم على الدُّيون؛ باعتبار كونها في العين.
وعليه، فإن ضاقت التَّركة قُسِّمت على الدَّين والفِطْرة بالحصص على نحو الدُّيون، قال صاحب الجواهر (رحمه الله): «بلا خلاف ولا إشكال...».
أقول: هذا الكلام إنَّما يتمّ لو كانت الفِطْرة مثل زكاة المال حقّاً متعلّقاً بالعين، فتكون مشتركة بين المالك وأرباب الزَّكاة في حال وجود العين، وفي حال تلفها تكون دَيناً ثابتاً في الذِّمّة.
ولكنَّ الإنصاف: أنَّ التكليف بأداء زكاة الفِطرْة ليس حقاً متعلِّقاً بالعين كزكاة المال، بل هو تكليف محض لا يستتبع حكماً وضعيّاً، مثل باقي التَّكاليف كوجوب الصَّلاة، ونحوه.
وبالجملة، فلا يظهر من الرِّوايات أنَّ زكاة الفِطْرة حقّ ثابت في الذِّمّة، لتكون دَيناً في ذمَّته كباقي الدُّيون، بل هو تكليف محض يسقط مع العجز عنه، ولا دليل على قضائه.
وممَّا يؤكِّد ما ذكرناه: أنَّه إذا خرج الوقت ولم يؤدّها تسقط عنه، ويكون الإعطاء بعد الوقت من باب الصَّدقة المستحبّة، وآخر وقتها هو زوال الشَّمس، أو بعد صلاة العيد، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وإن كنَّا احتطنا في الإتيان بها بعد الصلاة بقصد الأعمّ من زكاة الفِطْرة والصَّدقة المستحبّة.
ويدلّ على أنَّها بعد الوقت تكون من باب الصَّدقة المستحبَّة صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث «قَاْل: وإعطاء الفِطْرة قبل الصَّلاة أفضل، وبعد الصَّلاة صدقة»([1])، والمراد بالصَّدقة هي الصَّدقة المستحبَّة، وإلاَّ فالصَّدقة الواجبة هي الفِطْرة.
والخلاصة: أنَّه لو كانت زكاة الفطرة حقّاً ثابتاً في الذِّمّة، فلا معنى لسقوطها بخروج الوقت.
والنَّتيجة إلى هنا: أنَّه لو مات بعد الهلال فلا يجب إخراج زكاة الفطرة من أصل التَّركة، لا عنه ولا عن مملوكه ولا عن غيره من العيال، بل المال كلّه يكون لأصحاب الدَّين. وقدِ اتَّضح ممَّا ذكرناه حكم ما لو مات قبل الهلال، فإنَّ المال يكون بتمامه أيضاً لأصحاب الدَّين.
وإن قلنا: بانتقال التَّركة إلى الوارث مع كون الدَّين مستوعباً للتركة، فالأقرب حينئذٍ: وجوب زكاة المملوك على الوارث مع صِدْق العيلولة، وإن مُنع من التّصرُّف بإخراجها من التركة قبل وفاء الدَّين.
([1]) الوسائل باب 12 من أبواب زكاة الفطرة ح1.