الدرس269 _ما يصح السجود عليه 14
وبهذه الحسنة يرفع اليد عن ظاهر صحيحة عبد الله بن سنان «قال: سألتُ أبا عبد الله N عن موضع جبهة السّاجد، أيكون أرفع من مقامه؟ فقال: لا، وَلْيكن مستوياً»[i]f71، فتحمل حينئذٍ على الاستحباب، أو الاستواء العرفي المقابل للارتفاع المعتد به الذي هو أزيد من لبنة، بل لا يبعد أن يُدّعى أنّ المتبادر من الأمر بالاستواء ليس إلاّ الاستواء العرفي الذي لا ينافيه الارتفاع اليسير الذي هو مقدار لبنة فما دون، لتعسّر إحراز الاستواء الحقيقي.
ولكن لا يخفى إن تمّ هذا، فإنّما يتمّ في الارتفاع التدريجي، لا الدفعي.
وبهذه الحسنة أيضاً يحمل صحيح أبي بصير على الارتفاع دون اللَبِنة «قال: سألتُ أبا عبد الله N عن الرّجلِ يرفعُ موضعَ جبهتِه في المسجد، فقال: إنّي أحبّ أن أضع وجهي في موضع قدمي وكرهه»[ii]f72.
ثمَّ إنّ حسنة عبد الله بن سنان المتقدّمة كما تدلّ على جواز الارتفاع بقدر لَبِنة كذلك تدلّ على المنع عمّا زاد عليها.
هذا، وقد استدلّ بعضهم على المنع عن العلوّ بأزيد من لَبِنة بمنع اسم السّجود عرفاً على السّجود على المرتفع بأكثر من لَبِنة.
وفيه: ما لا يخفى، إذ لا إشكال في صدق اسم السّجود على السّجود على المرتفع بأكثر من لَبِنة بشيءٍ يسير، ومنع ذلك مكابرة، لا سيّما في التدريجي، والله العالم بحقائق أحكامه.
(1) في المدارك: «وألحق الشّهيد R بالارتفاعِ: الانخفاضَ، وهو حسن...»، وفي الحدائق: «ظاهرُ كلامِ المتقدّمين في هذه المسألة جواز المساواةِ، وانخفاض موضع السّجود مطلقاً، وارتفاعه بقدر اللَبِنة، وألحق الشَّهيدان بالارتفاع الانخفاض فقيَّداه بقدر اللَبِنة، ومنعا من الزّيادة على ذلك»، وفي المحكيّ عن التذكرة «لو كان أخفض جاز إجماعاً...»، كما أنّ المحكي عن الأردبيلي وبعض مَنْ تأخّر عنه جواز انخفاض موضع السّجود مطلقاً، بل نسب إلى الأكثر، بل إلى ظاهر من تقدّم على المصنّف R، لاقتصارهم على التعرض للارتفاع.
اللهمَّ إلاّ أن يُقال: إنّه يمكن أن يكون المقصود هو التفاوت بين الموقف ومحل السجود، فيكون ذكر العلو في عبارات الأكثر من باب المثال على التفاوت.
ومهما يكن، فيدلّ على ما ذكره المصنّف R من عدم جواز الانخفاض بما يزيد عن اللبنة موثّقة عمّار عن أبي عبد الله N «سألتُه عن المريض أيحلّ له أن يقوم على فراشه ويسجد على الأرض؟ فقال N: إذا كان الفراش غليظاً قدر آجرة، أو أقلّ، استقام له أن يقوم عليه، ويسجد على الأرض، وإن كان أكثر من ذلك فلا»[iii]f73، والآجُرّة هي اللبنة، ولا فرق بينهما، إلاّ من حيث الطبخ وعدمه.
ولا تعارضها رواية محمّد بن عبد الله عن الرّضا N في حديث «أنّه سأله عمّن يصلِّي وحده فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه، فقال: إذا كان وحده فلا بأس»[iv]f74.
وفيها أوَّلاً: أنّها ضعيفة، فإنّ محمد بن عبد الله الواقع في السَّند مشترك بين جماعة أكثرهم مجهول الحال.
وأمَّا القول: بأنَّ الرَّاوي عن محمَّد بن عبد الله هو صفوان بن يحيى، وقد قال الشّيخ الطوسي في العدّة في حقّه وحقّ ابن أبي عمير والبزنطي: «أنّهم لا يرون ولا يرسلون إلاّ عن ثقة».
ففيه: ما ذكرناه في علم الرّجال من أنّ هذه الدعوة لم تثبت، وهي اجتهاد من الشيخ R نفسه، ولا حجّة فيها على الآخرين.
وثانياً: مع قطع النظر عن ضعف السند : فهي مطلقة في قدر اللَبِنة، وأزيد كما هو ظاهر المتقدّمين، إلاّ أنّه يجب تقييدها بالموثّقة المذكورة.
هذا، وذكر صاحب الجواهر R: «عدم ظهور فائدة يعتد بها للتقييد بالوحدة»، وفي مصباح الفقيه: «مع أنّ ما فيه من التفصيل بين المنفرد وغيره ممَّا لم ينقل القول به عن أحد، فالأَولى ردّ علمه إلى أهله».
أقول: لعلّ التقييد في الرّواية بالوحدة لأجل الفرار عن كون مسجد المأموم أخفض من مسجد الإمام، ويشهد لذلك صدر الرّواية.
هذا، وقد ذهب صاحب الذخيرة R إلى أنّ الموثّقة غير ناهضة بالتحريم.
وقد ردّ عليه صاحب الحدائق R، بل أغلظ له القول، حيث قال: «فهو من جملة تشكيكاته الواهية المبنية على أصوله المخترعة التي هي لبيت العنكبوت وإنّه لأوهن البيوت مضاهية، فإنّي لا أعرف لعدم ثبوت التحريم وجهاً إلاّ ما صرّح به في غير موضع من كتابه، ونقلناه عنه في غير موضع ممّا تقدّم من دعواه عدم دلالة الأمر في أخبارنا على الوجوب، وكذا النهي غير دالّ على التحريم، وقد عرفت بطلان ذلك في غير مقام ممّا تقدّم، وأنّه موجوب لخروج قائله من الدّين من حيث لا يشعر».
أقول: يحتمل أنّ نفيه للتحريم لا لأجل ذلك، بل لأنّ الاستقامة أعمّ من الجواز، لإطلاقها على المندوب أيضاً، ونفيها حينئذٍ قد يكون لنفي المندوب، لا الجواز، فلا تدلّ على المنع حتّى تفيد التحريم، إلاّ أنّه لا يخفى أنّ هذا الاحتمال، وإن كان يفيد في عدم انحصار الوجه فيما ذكره صاحب الحدائق R إلاَّ أنّه ضعيف في نفسه، لأنّ عدم الاستقامة ظاهر في المنع عرفاً، والله العالم.