الدرس 156 _بقيّة أحكام الزكاة 6
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وللمالك ارتجاعها وإن كان باقياً على (صفة) الاستحقاق، فيُعطيها غيره، أو يعطيه غيرها، أو يعطي غيره غيرها(1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه لو بقي المستحقّ على الصِّفات، وحصلت شرائط الوجوب، جاز للمالك أن يحتسبها عليه، كما جاز له أن يستعيدها، ويعطي عوضها؛ لأنَّ مفروض الكلام كونها قرضاً ولم تتعيَّن زكاةً، فحينئذٍ يجوز له أن يعدل بها عمَّنْ دفعت إليه فيدفعها إلى غيره، وأن يدفع غيرها إليه، وأن يدفع غيرها إلى غيره.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو تمَّ بها النِّصاب سقط الوجوب، خلافاً للشَّيخ مع بقاء العين(2)
(2) المعروف بين الأعلام أنَّ النِّصاب إذا تمَّ بالقرض لم تجب الزَّكاة، سواء أكانت العين باقيةً عند المقترض أم كانت تالفةً؛ لأنَّ الصَّحيح كما عرفت سابقاً أنَّ القرض يملك بالقبض، وأنَّه لا زكاة في الدَّين، من غير فرق بين القرض وغيره، وبين بلوغه نصاباً بنفسه، وبين كونه مكمّلاً له.
ومن المعلوم أيضاً أنَّ تبديل النِّصاب في الأثناء بجنسه أو بغير جنسه مسقط للزَّكاة؛ لكون النصاب قد انثلم في الحَوْل ولم يصدق عليه أن الحَوْل قد حال على مال مخصوص بعينه.
وهذا خلافاً للشَّيخ (رحمه الله) في جميع ذلك، حيث ذهب إلى أنَّ القرض لا يملك بمجرَّد القبض، بل بالتصرف فيه، وذهب أيضاً إلى أنَّ الزَّكاة تجب في الدَّين، حيث ذكر: «إنَّ تبديل النِّصاب في أثناء الحول لا يسقط الزَّكاة، ومقتضى جميع ذلك أو بعضه أنَّ النِّصاب إذا تمَّ بالقرض وجبت الزَّكاة مع وجود العين، بل ومع تلفها إذا فرض كون مثلها أو قيمتها مكمّلة للنِّصاب كما في الدَّراهم والدَّنانير».
ولكنَّك عرفت سابقاً أنَّ ما ذهب إليه الشَّيخ (رحمه الله) في هذه الأمور ليس تامّاً، ولسنا بحاجة للإعادة فراجع.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا تُعاد الزِّيادة المنفصلة ولا المتَّصلة على الأقرب، بل له إعطاء القيمة يوم القبض. وقال الشَّيخ: تُؤخذ منه الزِّيادة؛ لأنَّه إنَّما أقرضها زكاة فلا تملك(1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه لو أعطاه قرضاً فزاد عنده زيادةً متَّصلةً أو منفصلةً، فالزِّيادة للمقترض لا للمالك، كما أنَّه لو نقص كان النَّقص على المقترض، والسَّر فيه أنَّ المقترض يملك العين المستقرضة بسبب القرض، فتكون الزِّيادة له، كما أنَّ النَّقيصة عليه.
وبالجملة، فقد حصلت الزِّيادة أو النَّقيصة في ملكه لا في ملك المالك؛ لأنَّها قد خرجت عن يده بمقتضى عقد القرض.
والخلاصة: أنَّ القرض يخرج عن ملك الدَّافع ويملكه المقترض بالقبض.
ومقتضى ذلك: أنَّه ليس للمقرض إلزام المقترض بإعادة العين مع الزِّيادة وعدمها، وإنَّما له المطالبة بعوضه مِثْلاً أو قيمة. وهذا ما ذهب إليه المشهور من الأعلام، خلافاً للشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط؛ حيث ذهب إلى عدم حصول الملك بمجرَّد القبض، بل يحصل بالتّصرُّف فيه.
وعليه، فالزِّيادة مع عدم التّصرُّف ملك المقرض؛ لأنَّها نماء ملكه، وليست ملكاً للمقترض. وكذا الكلام في النُّقصان، ولكنَّه خلاف الإنصاف، كما سيأتي في محلِّه إن شاء الله تعالى .
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو كان القرض مثليّاً فمثله، فإن تعذَّر فقيمته يوم التّعذُّر(1)
(1) كما هو مقرّر في محلِّه.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو اقترضها غنيّاً أو فاسقاً فصار عند الوجوب أهلاً جاز الاحتساب(2)
(2) لأنَّ المناط هو حصول الصفات عند الوجوب، فإن لم يكن مستحقاً حين القرض، كما لو كان غنياً، ثمَّ صار فقيراً عند حلول الحول، فيجوز الاحتساب عليه من الزكاة لكونه أهلاً لها. وكذلك الحال لو كان فاسقاً عند الاقتراض، وقبل حلول الحول ثمَّ صار عادلاً عند حلول الحول بناءً على اشتراط العدالة في المستحق فيجوز الاحتساب حينئذٍ.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو تسلَّف السَّاعي بإذن المستحقّ وهلكت فمن مال المستحقّ، بخلاف ما إذا كان المالك هو الآذن فإنَّها من ماله. ولو أذنا، قال الشَّيخ: تكون منهما(1)
(1) هذه المسألة ذكرها الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط مفصِّلاً، قال: «فإن أسلف السَّاعي الزَّكاة أي استقرضها لم يخلُ من أربعة أقسام: إمَّا أن يكون بمسألة الدَّافع، أو بمسألة المدفوع إليه، أو بمسألتهما، أو من غير مسألة من واحد منهما.
فإن كان بغير مسألة منهما، مثل أن رأى في أهل الصَّدقة حاجة وفاقة وإضاقة فاستسلف لهم، نُظر، فإن حال الحول والدَّافع والمدفوع إليه من أهل الزَّكاة فقد وقعت موقعها.
وإن جاء وقت الوجوب وقد تغيَّرت الحال لم يخلُ من أحد أمرَيْن: إمَّا أن يكون تغيّرها بعد الدَّفع أو قبله.
فإن كان بعد الدَّفع مثل أن افتقر الدَّافع أو مات أو استغنى المدفوع إليه أو ارتدّ، فمتى تغيّر حالهما أو حال أحدهما لم تقع الزَّكاة (في) موقعها، فإذا ثبت ذلك فإنَّ الإمام يردّها. ثمَّ نظر، فإن كان لتغيُّر حال الدافع أو تغيُّرهما ردّها عليه؛ لأنّها لم تجب عليه، وإن كان لتغيُّر حال المدفوع إليه فإنَّه يدفعها إلى غيره من أهل الصَّدقة.
وإن تغيّرت الحال قبل الدَّفع إليهم وهلكت في يد السَّاعي بغير تفريط، فإن عليه ضمانها، وكذلك إن كان بتفريط؛ لأنَّه أخذ من غير مسألة من الفريقَيْن وكان أخذه مضموناً.
وإن كان بإذن أهل السَّهمان أي أهل السّهام دون ربّ المال: فإن حال الحول والحال ما تغيّرت وقعت موقعها.
وإن كانت الحال منه متغيّرة: فإن كان بعد الدَّفع فالحكم على ما مضى حرفاً بحرف. وإن كان قبل الدَّفع وهلك في يد السَّاعي كان من ضمان أهل السَّهمان لأنَّهم صرَّحوا له بالإذن.
وإن كان بإذن صاحب المال دون أهل السَّهمان: فإن لم يتغيَّر الحال فقد وقعت موقعها.
وإن تغيّرت الحال: فإمَّا أن يكون بعد الدَّفع أو قبله، فإن كان بعد الدَّفع فالحكم على ما مضى في القسم الأوَّل. وإن كان قبل الدَّفع وهلك في يد السَّاعي فهو من ضمان ربّ المال، والسَّاعي أمين لأنَّه ائتمنه.
وإن كان بإذن من الفريقَيْن: فإن لم يتغيّر الحال فقد وقعت موقعها.
وإن تغيَّرت فإمَّا أن يكون بعد الدَّفع أو قبله: فإن كان بعد الدَّفع فالحكم على ما مضى. وإن كان قبل الدَّفع وهلكت فالأولى أن يكون بينهما؛ لأنَّ كلَّ فرقة لها إذن في ذلك، ولا ترجيح لأحدهما على صاحبه...».
وإنما نقلناه بطوله لما فيه من الفائدة، وإن كان بعضه لا يخلو من مناقشة.
وبالجملة، فإنَّ ما ذكره المصنف (رحمه الله) من التفصيل في الضمان تبعاً للشيخ (رحمه الله) في محله.