الدرس 157 _بقيّة أحكام الزكاة 7
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولوِ اختلفا في كونها زكاة أو قرضاً تبع اللَّفظ(1)
(1) فإن أعطاه مقيّداً بأن يقول: هذه زكاتي عجّلتها لك، فإنَّ هذا يكون قرضاً، وله أن يستردّها.
وإن أعطاه مطلقاً بأن يقول: هذه زكاتي، ولم يقل: عجّلتها لك، لم يكن له المطالبة؛ لأنَّ قوله: (هذه زكاتي) يظهر منه أنها كانت واجبة عليه، ولا يقبل قوله بعد ذلك أنَّه عجّلها له.
وعليه، فليس له الرُّجوع مع الإطلاق.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: فإنِ اختلفا فيه حلف المالك واستعادها(1)
(1) إذا اختلفا في اللَّفظ؛ بأن ادَّعى المالك أنَّه عجّلها له قبل وجوبها حتَّى يكون قرضاً، وأنكر القابض، فالظَّاهر أنَّ البيّنة على المدَّعي، وهو المالك، فإذا فقد البينة فله إحلاف المدَّعى عليه، وهو القابض، أي يقول له الدَّافع وهو المالك : اِحلف إنَّك لا تعلم أنِّي إنَّما عجّلت زكاتي قبل وجوبها. فإذا حلف، فتكون حينئذٍ زكاةً، ولا شيء للمالك على المدَّعى عليه.
وأمَّا ما ذكره المصنِّف (رحمه الله): من أنَّ المالك يحلف ويستعيدها، فهو في غير محلِّه؛ لأنَّ المالك مدّعٍ.
اللَّهمّ إلاَّ أن يردَّ المدَّعى عليه اليمين على المدَّعي، فيحلف المالك حينئذٍ.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو قال: هذه صدقة، ثمَّ قال: أردت القرض، فالأقرب: عدم السّماع(2)
(2) لأنَّ الإنكار بعد الإقرار لا يُسمع إلاَّ بالبينة.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: فإنِ ادَّعى علم القابض أحلفه(3)
(3) باعتبار أنَّ القاعدة تقتضي البيّنة على المدَّعي، فإن لم يكن بيّنة فله إحلاف المنكر، فيقول له: اِحلف إنَّك لا تعلم أنَّه قرض.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: فإن نكل حلف المالك واستعادها(4)
(4) إذا ردّ اليمين على المالك فحلف فيستعيدها، وإذا نكل المنكر بمعنى أنَّه لم يحلف ولم يردَّ الحلف فالحاكم يردُّ الحلف على المدَّعي، فإن حلف حكم له.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويجب دفع الَّزكاة إلى الإمام أو نائبه مع الطَّلب، وإلاَّ استُحبَّ، وفي الغيبة إلى الفقيه المأمون، وخصوصاً الأموال الظَّاهرة. وأوجب المفيد، والحلبيّ حملها إلى الإمام، فنائبه، فالفقيه ابتداءً(1)
(1) يقع الكلام في أربعة أمور:
الأوَّل: هل يجب حمل الزَّكاة إلى الإمام (عليه السلام) مع ظهوره، ومع غيبته إلى الفقيه المأمون ابتداءً، وإن لم يطلبها الإمام (عليه السلام) أو الفقيه المأمون، أم يجوز للمالك تفريق ما وجب عليه بنفسه وممَّنْ يوكله؟
الثَّاني: على فرض عدم وجوب الحمل ابتداءً؛ هل يستحبّ نقل الزَّكاة إلى الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة، وهل يتأكَّد الاستحباب في الأموال الظَّاهرة كالمواشي والغلاَّت دون الباطنة كالدَّنانير والدَّراهم وأموال التّجارات؟
الثَّالث: إذا طلبها الفقيه على وجه الإيجاب وجب على مقلّديه الدَّفع إليه. وهل يمكن للفقيه أن يطلبها على وجه الحكم دون الفتوى؟ وإذا أمكنه ذلك فهل يجب الدَّفع إليه على مقلّديه ومقلّدي غيره؟
الرَّابع: ما المراد من الفقيه المأمون؟
إذا عرفت ذلك، فنقول:
أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام لاسيَّما المتأخِّرين ومتأخِّري المتأخِّرين أنَّه يجوز للمالك تفريق ما وجب عليه بنفسه وبمن يوكّله.
وفي الجواهر: «إذ لا خلاف بيننا بل بين المسلمين كافَّة في قبول هذا الفعل للنِّيابة، التي استفاضت بها النُّصوص أو تواترت، بل جملة منها دالَّة على الحكم الآخر، وهو تفريق المالك نفسه، مضافاً إلى إطلاق الأدلَّة والنُّصوص الأخر التي بملاحظتها جميعاً يشرف الفقيه على القطع بذلك، خصوصاً نصوص الأمر بإيصالها إلى المستحقِّين، ونصوص نقل الزَّكاة إلى بلد آخر، ونصوص شراء العبيد، وغير ذلك، وإلى السِّيرة القطعيّة، بل لعلَّ الحكم المزبور وسابقه من الضَّروريات بين العلماء».
وبالمقابل، حُكي عن الشَّيخ المفيد وأبي الصَّلاح وابن البراج (رحمهما الله) وجوب حملها ابتداءً إلى الإمام (عليه السلام) مع حضوره، وإلى الفقيه الجامع للشَّرائط مع غيبته، بل ألحق التَّقيّ (رحمه الله) الخمس وكلّ حقّ وجب إنفاقه بها أيضاً.
والإنصاف: هو ما ذهب إليه المشهور من الأعلام للرِّوايات الكثيرة المستفاد منها تولّي المالك نفسه أو وكيله، والتي منها: الرِّوايات الدَّالّة على الأمر بإيصال الزَّكاة إلى المستحقِّين، والرِّوايات الدَّالّة على نقل الزَّكاة من بلد إلى آخر مع عدم وجود المستحقّ، والرِّوايات الدَّالّة على التَّوكيل في تفريق الزَّكاة، وأنَّه يجوز للوكيل أن يأخذ لنفسه حصَّة من ذلك إذا كان فقيراً، والرِّوايات الدَّالّة على شراء العبيد منها.
والخلاصة: أنَّ الرِّوايات الدَّالّة على جواز تولّي المالك التَّفريق بنفسه أو بمَنْ يُوكله، والواردة في الأبواب المتفرّقة، هي فوق التَّواتر، بل مضمونها كالضَّروريّ بين الشِّيعة.
وأمَّا مَنْ ذهب إلى وجوب حملها ابتداءً إلى الإمام (عليه السلام) مع حضوره، ومع غيبته إلى الفقيه المأمون، فقد يستدلّ له بقوله تعالى: « خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ﴾ ]التوبة: 103[ الآية ، وقالوا: إنَّ وجوب الأخذ يستلزم وجوب الدَّفع.
وفيه: أنَّه لا نزاع في وجوب الدَّفع مع طلبه (عليه السلام)، وإنَّما الكلام في وجوب الحمل ابتداءً.
والإنصاف: أنَّ الآية الشَّريفة تُحمل على الاستحباب جمعاً بينها وبين الرِّوايات المتواترة الدَّالّة على جواز تولّي المالك لذلك بنفسه ووكيله.
ثمَّ إنَّه لو سلِّم بذلك، إلاَّ أنَّه يختصّ بالنَّبيّ (ص) وأمير المؤمنين (عليه السلام) لبسط يدهما وتمكّنهما من أخذ الزَّكاة وجمعها وتفريقها بين المؤمنين، وصرفها في مصالح المسلمين.