الدرس 249 _ المقصد الثالث في العام والخاص 24
الدرس 249 _ المقصد الرابع في العام والخاص 24
الفصل الثاني: تعريف العام وأقسامه وصيغه / المبحث السادس: صحة التمسك بالعموم مع عدم الشكّ في التخصيص.
· في كيفية تعقّل صحة الصوم في السفر والاحرام قبل الميقات مع قيام الدليل على بطلانهما قبل النذر؛ وقد أجاب الاعلام عن هذا الاشكال بثلاثة أجوبة. (الجواب الثالث)
الفصل الثاني: تعريف العام وأقسامه وصيغه / المبحث السابع: دوران الامر بين التخصص والتخصيص.
· ما ذهب اليه الشيخ الأعظم من تقديم التخصص على التخصيص، وايرادنا عليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجواب الثالث: قال صاحب الكفاية R: «هذا لو لم نقل بتخصيص عموم دليل اعتبار الرجحان في متعلق النذر بهذا الدليل، وإلا أمكن أن يقال بكفاية الرجحان الطارئ عليهما من قبل النذر في عباديتهما».
حاصل هذا الجواب: لمّا لم يكن شرط تعلّق النذر بالراجح الشرعي قاعدة عقلية، فلا ضير من اعتبار ما دلّ على صحة الصوم في السفر والإحرام قبل الميقات فيما إذا وقعا متعلقين للنذر بمثابة تخصيص له؛ فيقال: (كل مرجوح لا يصح أن يكون متعلقاً للنذر إلا الصوم في السفر والإحرام قبل الميقات).
ولعلّ هذا الجواب هو أفضل من سابقَيه؛ إذ لم يعوزنا إلى دعوى وجود مقتضٍ للرجحان سابقٍ للنذر منعه مانع من تأثير أثره كما في الجواب الأوّل، أو مقارنٍ له كما في الجواب الثاني.
إن قلتَ: لو سلَّمنا بصحة تعلّق النذر بهذين المرجوحين تخصيصاً، إلا أنّ ذلك لا ينفي ضرورة راجحيتهما وعباديتهما حين الامتثال، فمن أين نشأت هذه العبادية؟!
قلتُ: نشأت من طروء عنوان عبادي عليهما سواء مقارناً للنذر أو متأخّراً عنه؛ إذ لا يشترط في انعقاد النذر أن يكون متعلّقه مقدوراً حين إجراء الصيغة، بل يكفي أن يكون مقدرواً زمن الوفاء به.
والإنصاف: أنّ عدم تعقل كيفية تعلّق النذر بالصوم في السفر والإحرام قبل الميقات ثبوتاً رغم مرجوحيتهما، لا يضرّ بصحتهما بعد ورود الدليل على الصحة. وبالتالي لا ملزم لاجتراح الأجوبة الموجِّهة لهذا التعلق.
المبحث السابع دوران الأمر بين التخصُّص والتخصيص
قال صاحب الكفاية R: «بقي شيء، وهو أنّه هل يجوز التمسك بأصالة عدم التخصيص في إحراز عدم كون ما شك في أنّه من مصاديق العام، مع العلم بعدم كونه محكوماً بحكمه، مصداقاً له؟ مثل ما إذا علم أن زيدا يحرم إكرامه، وشك في أنّه عالم، فيحكم عليه بأصالة عدم تخصيص (أكرم العلماء) أنّه ليس بعالم؛ بحيث يحكم عليه بسائر ما لغير العالم من الأحكام».
حاصل هذه المسألة: إنّه لو ورد العام (أكرم كلّ عالم)، ثمّ ورد (لا تكرم زيداً)، فشككنا هل زيد غير عالم، وبالتالي خروجه من تحت الإكرام تخصُّصاً؛ حيث يبقى العام على عمومه، أم أنّه عالم، وخروجه من تحت الإكرام تخصيصاً للعام؟
ذهب جماعة من الأعلام ومنهم الشيخ الأنصاري R إلى تقديم التخصُّص من خلال التمسك بأصالة العموم وعدم التخصيص لإثبات جهالة زيد؛ فإنّ أصالة العموم من الأمارات، ومثبتات الأمارة حجّة، ومنها عكس نقيضها؛ فإنّ عموم (كلّ عالم يجب إكرامه)، يثبت عكس نقيضه، وهو (كلّ ما لا يجب إكرامه فليس بعالم).
ومن هنا استدل بعض الأعلام على كفر المخالفين بما ورد في الزيارة الجامعة: «ومن أراد الله بدأ بكم، ومن وحَّده قَبِلَ عنكم»؛ فإنّ عكس نقيض قوله: «من وحَّده قَبِلَ عنكم»، هو (من لم يقبل عنكم لم يوحِّده)، وقد أجبنا عن هذا الاستدلال في كتاب الطهارة، فراجع.
وهنا، بما أنّ زيداً لا يجب إكرامه، فلا يكون عالماً، وبالتالي يكون خروجه من تحت العام تخصُّصا لا تخصيصاً.
وفيه: لا يمكن تقديم التخصُّص تمسكاً بأصالة العموم؛ لأنّ أصالة العموم مستفادة من الأوضاع اللغوية، ومرجعها إلى الظهورات، ودليل حجّيتها سيرة العقلاء، وهو دليل لبّي، فيقتصر فيه على القدر المتيقَّن، وهو حال إحراز العنوان؛ إذ لم يعلم استقرار سيرتهم على العمل بكلّ اللوازم؛ فلو ورد (أكرم كلّ عالم)، وأحرزنا عالمية زيد، ولكن شككنا في مراد المولى، وأنّه هل يريد إكرام حصّة خاصة من العلماء ليس زيداً من أفرادها، أم يريد إكرامهم جميعا؟ فهنا نتمسك بأصالة العموم. أما في صورة الشك في عالمية زيد؛ أي الشك في كيفية الإرادة مع العلم بالمراد، وأن خروج زيد لجهالته أم لا؟ فلا يمكن التمسك بالعموم وبالتالي نفي العالمية عن زيد.
وبالجملة، فإنّ ما قيل من أنّ مثبتات الأمارات حجّة في مدلولها الالتزامي، ليس على إطلاقه، بل يختلف باختلاف مقدار دلالة دليل الحجية؛ فإذا كان مطلقاً اقتضى حجية اللازم مطلقاً، فيدلّ العموم حينئذٍ بالالتزام على أنّ كلّ ما لا يكون محكوماً بحكمه ليس من أفراده، وأمّا إن كان دليل الحجية مهملاً، اقتصر على القدر المتيقَّن من دلالته؛ حيث إنّ دليل حجية الظهور بناءً العقلاء الذي هو من الأدلة اللبّية، فكان اللازم الاقتصار على المتيقَّن من دلالته، ولم يثبت بناء العقلاء على حجية الظهور بالإضافة إلى عكس نقيض القضية، فلا يحكم بحجّيته فيه، بل يرجع إلى أصالة عدم الحجية.
والخلاصة: إنّه لا يمكن تقديم أصالة عدم التخصيص؛ لتوقّف التخصيص على إحراز عالمية زيد، والفرض أنّها غير محرزة لا بالوجدان ولا بالتعبد.
وعليه، يكون التمسك بعموم (أكرم كلّ عالم) لإثباتها من التمسك بالعام في الشبهات المصداقية بالنسبة لعنوان العام، وهو باطل باتفاق الأعلام. والله العالم.