الدرس 1143 _كتاب الخمس 23
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: ويجبر خسران التِّجارة والصِّناعة والزِّراعة بالرِّبح في الحَوْل الواحد.
أقول: تارةً: يكون الرِّبح والخُسران في تجارة واحدة، كما لو خسر في بعض رأس المال، وربح في الباقي، كما لو فُرِض أنَّه باع بعض أعيان التِّجارة الواحدة بأنقص من رأس المال، ثمَّ تغيَّر السِّعر، فباعه بأضعافه.
وأخرى: يكون الرِّبح والخسارة في تجارتَيْن، سواء كانتا من نوع واحد، كما لو كانتا من الطَّعام، أو من نوعَيْن، كتجارة الطَّعام، وتجارة القماش.
وثالثةً: يكون الرِّبح والخسران في عملين مختلفين، كما لو كان تاجراً ومزارعاً، فربح في أحدهما، وخسر في الأخر.
ثمَّ على التَّقادير الثَّلاثة: تارةً: يكون ذلك في عام واحد، وأخرى: في أكثر من عام.
ثمَّ على جميع التَّقادير: تارةً: يكون الرِّبح قبل الخسارة، وأخرى: بعدها.
ثمَّ إننا لسنا بحاجة للتّعرُّض لجميع هذه الصُّور؛ إذ كثير منها يُعلم ممَّا سنذكره إن شاء اﷲ تعالى .
إذا عرفت ذلك، فنقول: قال صاحب الجواهر (رحمه اﷲ): (بل قد يقوى ما هو الأحوط من عدم جَبْر خسارةِ أو تلفِ مالِ تجارةٍ بربحِ أخرى، خصوصاً إذا فُرِض تعقُّب الرِّبح للخسارة؛ ضرورة مراعاة مؤن الحَوْل من حين حصوله، فلا يخرج منه الخسارة السَّابقة، بل ولا التِّجارة الواحدة في الوقتَيْن، إذ هي في الحقيقة كالتِّجارتَيْن، سيّما أيضاً لو كان الرِّبح في الوقت الثَّاني، بل ولا هي في وقت واحد أيضاً إذا فُرِض التَّلف بسرقة ونحوها، لا بتغيُّر السِّعر ونحوه ممَّا يحصل به الخُسران في التِّجارة. نعم، قد يقوى الجَبْر لخسران بعض مال التِّجارة بربح الآخر في الحول الواحد، كما لو فُرِض أنَّه بِيع بعض أعيان التِّجارة الواحدة بأنقص من رأس المال، ثمَّ تغيّر السِّعر فباعه بأضعافه؛ لعدم صِدْق الرِّبح والغنيمة عرفاً بدون ملاحظة خروجه...)([1]).
وذهب جماعة كثيرة إلى أنَّ الخُسران يُجبر بالرِّبح إذا كان في تجارة واحدة، سواء أكان الرِّبح قبل الخسارة، أم كان بعدها، وسواء أكان ذلك في عام واحد، أم لا؛ وذلك لا لأنَّ التَّدارك والجبر معدودٌ من المؤونة، بل لعدم صِدْق الاستفادة والرِّبح في تجارة واحدة.
هذا، وقد ذهب جملة من الأعلام إلى أنَّه لو كان له تجارتان من نوع واحدة، أو من نوعَيْن، فربح في إحداهما وخسر في الأخرى، فإنّ الخسارة تُجبَر بالرِّبح، سواء أتقدَّم الرِّبح على الخسارة أم لا؛ وذلك لأنَّه إذا ربح في تجارة فلا يصدق عليه عرفاً أنَّه استفاد إذا كان قد خسر في أخرى.
كما أنَّه ذهب جملة من الأعلام إلى عدم الجبر لو كان العمل مختلفاً، كما لو كان له تجارة وزراعة فخسر في تجارته، فلا تُجبر الخسارة من الرِّبح في الزِّراعة؛ وذلك لصدق الاستفادة على الزِّراعة، وعدم كون التَّدارك من المؤنة.
ولكنَّ الإنصاف بحيث يُجاب به عن كلِّ ما تقدَّم: هو أنَّك قد عرفت أنَّ مبدأ السَّنة هو ظهور الرِّبح لا الشُّروع في التّكسُّب، كما أنَّك عرفت أنَّ موضوع الخُمُس هو الرِّبح الَّذي لم يُصرف في المؤونة.
وعليه، فالخسارة قبل ظهور الرِّبح لا تُجبر بالرِّبح اللاَّحق؛ لأنَّ المستثنى من عدم الخُمُس هو صرف الرِّبح في المؤونة، ولم يُصرف فيها، كما أنَّ الخسارة السَّابقة لا تُوجب عدم صِدْق الرِّبح في المتأخِّر.
ولا فرق في ما ذكرناه بين التِّجارتَيْن من نوع واحد، أو من نوعَيْن، وبين التِّجارة الواحدة. كما أنّه لا فرق بين كون العمل متَّحداً أو مختلفاً، كما لو كان له تجارةٌ وزراعة. كما أنّه لا فرق بين أن يكون ذلك في عامَيْن، أو أكثر، أو في عام واحد.
نعم، عندنا صورة واحدة يصحّ فيها الجبر، وهي فيما لو كان الرِّبح سابقاً، والخسارة لاحقة في عام واحد؛ وذلك لعدم صدق الرِّبح فيما لو كانت الخسارة لاحقة. ولا فرق في ذلك بين التِّجارتَيْن أو التِّجارة الواحدة. ولا فرق في التِّجارتَيْن بين كونهما من نوعٍ واحد أو أنواع مختلفة. كما أنَّه لا فرق بين كون العمل متّحداً أو مختلفاً، واﷲ العالم بحقائق أحكامه.
([1]) الجواهر: ج16، ص61.