الدرس 1126 _كتاب الخمس 6
الأمر الثَّالث: هل يُستثنى من الغنائم الَّتي يتعلَّق بها الخُمُس صفايا الغنيمة: كالجارية الرُّوقة -أي الحسناء-، والمركَب الفاره، والسَّيف القاطع، والدِّرع، أم لا؟ وهل يُستثنى ما جعله الإمام (عليه السَّلام) من الغنيمة على فعل مصلحة من المصالح أم لا؟ وهل يُستثنى قطاع الملوك أم لا؟
المعروف بين الأعلام أنَّه يُستثنى أيضاً من الغنائم الَّتي يتعلَّق بها الخُمُس صفايا الغنيمة كالجارية الرُّوقة والمركب الفاره والسَّيف القاطع، ونحوها. وتدلُّ عليه عدَّة من الرِّوايات:
منها: صحيحة رِبعي بن عبد الله بن الجارود عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) قَاْل: ((كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه، وكان ذلك له، ثمَّ يقسّم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خُمُسه، ثمَّ يقسِّم أربعة أخماس بين النَّاس الَّذين قاتلوا عليه، ثمَّ قسَّم الخُمُس الَّذي أخذه خمسة أخماسٍ، يأخذ خُمُس الله عزَّوجلّ لنفسه، ثمَّ يقسِّم الأربعة أخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السَّبيل، يُعطي كلَّ واحدٍ منهم حقّاً، وكذلك الإمام أخذ كما أخذ الرَّسول (صلّى الله عليه وآله))) ([1]).
ومنها: معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) قَاْل: ((سألتُه عن صفو المال؟ قال: الإِمام يأخذ الجارية الرُّوقة، والمركب الفاره، والسَّيف القاطع، والدِّرع، قبل أن تُقسَّم الغنيمة، فهذا صفو المال)) ([2]). وهي معتبرة، فإنَّ أحمد بن هلال ثقةٌ عندنا.
ومنها: مرسلة حمَّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصَّالح (عليه السَّلام) -في حديث- قَاْل: ((وللإِمام صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال، صفوها: الجارية الفارهة، والدَّابّة الفارهة، والثَّوب والمتاع بما يحبّ أو يشتهي، فذلك له قبل القِسْمة، وقبل إخراج الخُمُس...)) ([3]). ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.
ومن جملة الأمور المستثناة من الغنائم الَّتي يتعلَّق بها الخُمُس ما جعله الإمام من الغنيمة على فعل مصلحة من المصالح، كما ذهب إلى ذلك جملة من الأعلام.
قال صاحب الجواهر (رحمه الله): (وهو قويٌّ أيضاً، بل لا يبعد عدم وجوبه على المجعول له من هذه الحيثيّة، وإن تعلَّق به من حيث الاكتساب مع اجتماع شرائطه...).
أقول: بعدما جعله الإمام للغانم أصبح ملكاً شخصيّاً له، فيخرج بذلك عن الغنيمة الَّتي هي موضوع قسمة الخُمُس، ويدخل في مطلق الفائدة المكتسبة، ويجب تخميسه من هذه الجهة إن لم يصرفه في مؤونة سنته، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
ومن جملة الأمور المستثناة من الغنائم الَّتي يتعلَّق بها الخُمُس قطائع الملوك، كما ذهب إليه كثير من الأعلام.
ويدلُّ عليه جملة من الرِّوايات:
منها: صحيحة داود بن فرقد قال: ((قال أبو عبد الله عليه السلام: قطائعُ الملوكِ كلُّها للإمام، وليس للنَّاس فيها شيءٌ)) ([4]).
ومنها: موثَّقة سُماعة بن مهران قَاْل: ((سألتُه عن الأنفال؟ فقال: كلُّ أرضٍ خربةٍ أو شيءٍ يكون للملوك فهو خالصٌ للإِمام، وليس للنَّاس فيها سهمٌ، قَاْل: ومنها البحرين لم يُوجف عليها بخيل ولا ركاب)) ([5]). وقد عرفت أنَّ مضمرات سماعة مقبولة، والله العالم.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: (إلَّا ما غنم بغير إذن الإمام، فله)
المعروف بين الأعلام أنَّ الغنيمة إذا كانت بغير إذن الإمام فهي له، وليس للمقاتلين شيءٌ. وقال العلَّامة (رحمه الله) في المنتهى: (كلُّ مَنْ غزا بغير إذن الإمام إذا غنم كانت غنيمته للإمام عندنا...). ونسب ذلك الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك إلى الأصحاب، وقال: (إنَّ به روايةً مرسلةً منجبرةً بعمل الأصحاب...).
وعن جماعة من الأعلام أنَّ الإمام (عليه السَّلام) له خُمُس الغنيمة، سواء أكان القتال بإذنه أم لا.
وعن صاحب الحدائق (رحمه الله) التَّفصيل بين ما إذا كان الحرب للدُّعاء إلى الإسلام فالغنيمة للإمام ولا خُمُس، وإن كان للقهر والغلبة وجب الخُمُس، قال: (أنَّ الظَّاهر من الأخبار، وكلام الأصحاب، أنَّ الَّذي يكون للإمام (عليه السلام) متى كان بغير إذنه إنَّما هو ما يُؤخذ على وجه الجهاد والتَّكليف بالإسلام، كما يقع من خلفاء الجَوْر وجهادهم الكفار على هذا الوجه، لا ما أُخِذ قهراً وغلبةً وغصباً، ونحو ذلك).
وفصَّل صاحب العروة (رحمه الله) بتفصيل آخر، حيث قال: (وأمَّا إذا كان الغزو بغير إذن الإمام (عليه السلام)، فإنَّ كان في زمان الحضور، وإمكان الاستيذان منه، فالغنيمة للإمام (عليه السلام)، وإن كان في زمن الغيبة فالأحوط إخراج خُمُسها من حيث الغنيمة، خصوصاً إذا كان للدُّعاء إلى الإسلام...)، هذه هي الأقوال في المسألة.
([1]) وسائل الشيعة: باب 1 من أبواب قسمة الخُمُس ح3.
([2]) وسائل الشيعة: باب 2 من أبواب الأنفال، ح15.
([3]) وسائل الشيعة: باب 2 من أبواب الأنفال، ح4.
([4]) وسائل الشيعة: باب 1 من أبواب الأنفال، ح6.
([5]) وسائل الشيعة: باب 2 من أبواب الأنفال، ح8.