الدرس 69 _ المقصد الأول في الاوامر 1
قال صاحب الكفاية: «المقصد الأول: في الأوامر. وفيه فصول: الأول: فيما يتعلّق بمادة الأمر من الجهات، وهي عديدة: الأولى: إنه قد ذكر للفظ الأمر معان متعددة، منها الطلب، كما يقال، أمره بكذا. ومنها الشأن، كما يقال: شغله أمر كذا. ومنها الفعل، كما في قوله تعالى : «وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيد ﴾([1]).ومنها الفعل العجيب، كما في قوله تعالى : « فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا ﴾([2]). ومنها الشيء، كما تقول: رأيت اليوم أمراً عجيباً. ومنها الحادثة، ومنها الغرض، كما تقول: جاء زيد لأمر كذا. ولا يخفى أنَّ عَدَّ بعضها من معانيه من اشتباه المصداق بالمفهوم... ولا يبعد دعوى كونه حقيقة في الطلب في الجملة والشيء. هذا بحسب العرف واللغة».
هذه الجهة الأولى من مقصد الأوامر التي بحثها صاحب الكفاية (رحمه الله)، وقد تناول فيها معاني لفظ الأمر. وفي الواقع إنَّه لا ينبغي النـزاع فيها، إلا أنَّه لا بدّ من التعرض إلى بعض الأمور المبحوثة في المقام؛ لنبيِّن ما هو الإنصاف.
أوّلاً: (الأوامر) جمع أمر، والأمر مصدر، والمصادر لا جمع لها، فكيف جُمِع هنا؟!
ثمّ لو فرضنا صحة جمع المصادر، غير أنَّ المعروف أنَّ الثلاثي لا يُجمع على وزن (فواعل)، إلا إذا زيدت بعد الفاء ألف، أو واو؛ مثل: (خاتم) جمعها (خواتم)، و(جوهر) جمعها (جواهر).
نعم، يمكن تصحيح هذا الجمع على أنَّه جمع (آمرة)؛ مثل (قواعد) جمع (قاعدة)، أو باعتباره جمعاً سماعياً؛ لوروده في كلام العرب، ومنه ما ورد في دعاء كميل بن زياد: «وخالفت بعض أوامرك». ومهما يكن، فليس هذا بالأمر العظيم.
ثانياً: ذكر المصنّف سبعة معانٍ للفظ الأمر، وهي: الطلب، والشأن، والفعل العجيب، والشيء، والحادثة، والغرض.
ولا يخفى أنَّ هناك معاني أخرى لم يذكرها (رحمه الله)؛ مثل القدرة في قوله تعالى : «مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ»([3])، كما أنَّ هناك العديد من الموارد التي استعمل فيها لفظ (الأمر).
ولكن الإنصاف: أنَّ عدّ جملة منها من معاني الأمر هو من اشتباه المصداق بالمفهوم؛ فقولك: (أمره بكذا)، لم يستعمل في مفهوم الطلب بل في مصداقه؛ لأنَّ الأمر الصادر من الآمر مصداق للطلب، كما لا يخفى.
وكذا الحال في قولك: (رأيت اليوم أمراً عجيباً)؛ فإنَّ الأمر بقرينة الرؤية الواقعة على الأمر الخارجي، قد استعمل في مصداق الشيء، لا في مفهومه.
وهكذا قوله سبحانه وتعالى : «فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا»([4])، فإنّه استعمل في مصداق الفعل العجيب، إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة. بل قد يقال: إنَّ بعض المعاني التي ذكرت من الفعل والشأن والحادثة، ونحوها، لم يستعمل فيها الأمر، لا من حيث المفهوم، ولا من حيث المصداق. وإنَّما استفيدت من القرائن الخارجية في الكلام على نحو تعدّد الدال والمدلول. وسيأتي إن شاء الله تعالى المزيد من التوضيح.
([1]) سورة هود، الآية: 97.
([2]) سورة هود، الآية: 66.
([3]) سورة الأعراف، الآية: 54.
([4]) سورة هود، الآية: 66.