الدرس 131 _اوصاف المستحقين للزكاة 6
الرِّواية الثَّالثة: رواية داود الصَّرميّ «قال: سألتُه عن شارب الخمر يُعطى مِنَ الزَّكاة شيئاً؟ قال: لا»([1]).
وفيه أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بالإضمار، وجهالة داود الصَّرميّ، ووجوده في كامل الزِّيارات لا ينفع؛ لعدم كونه من مشايخه المباشرين.
وثانياً: أنَّ الاستدلال بها متوقِّف على عدم القول بالفصل بين شرب الخمر وغيره من الكبائر، وهو غير ثابت، مع أنَّ الظَّاهر من إطلاق شارب الخمر في الرِّواية هو المدمن على شربها، لا مطلق مَن شربها.
نعم، لا يبعد التّعدِّي إلى مَنْ هو أشدّ إثماً وأعظم فِسقاً من شارب الخمر، كتارك الصَّلاة والصَّوم، وذلك للأولويَّة القطعيَّة.
والخلاصة: أنَّ هذا القول أيضاً كالقول السابق ليس تامّاً.
وأمَّا القول الرَّابع وهو الَّذي ذهب إليه صاحب العروة (رحمه الله) ووافقه عليه بعض الأعلام، وهو أن لا يكون الدَّفع إليه إعانةً على الإثم وإغراءً بالقبيح : فقد تقدَّم الجواب عنه، وأنَّ الإعانة على الإثم لا دليل على حرمتها. نعم، يحرم التَّعاون.
وأمَّا بالنِّسبة للإغراء بالقبيح، فهو، وإن كان محرَّماً، إلاَّ أنَّه يشكل صِدق الإغراء بلا تحريض على المعصية، ولا بعث إليها، كما يقتضيه مفهوم الإغراء.
ومن المعلوم أنَّ من يدفع الزَّكاة تقرُّباً إلى الله تعالى، لا يُحرّض الآخذ على المعصية، ولا يبعثه إليها.
نعم، إذا كان عدم الدَّفع إليه رادعاً له عن المعصية وجب ترك الدَّفع؛ لوجوب النَّهي عن المنكر، والردع عنه الحاصل بالحيلولة بين المنكر وفاعله، دون فرق بين الحدوث والبقاء.
وعليه، فيتعيَّن القول الثَّالث وهو عدم اعتبار العدالة ولا الاجتناب عن الكبائر، وذلك للعمومات الكثيرة الواردة في مقام البيان، والتي أصلها آية الصَّدقة « إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ ﴾ ]التوبة: 60[ الآية ، وهي شاملة للعادل وغيره، وكذا قول الإمام الباقر والإمام الصَّادق (عليهما السلام) في حسنة الفضلاء، حيث ورد في ذيلها: «لا بدّ أن يؤدّيها؛ لأنَّه وضع الزَّكاة في غير موضعها، وإنَّما موضعها أهل الولاية»([2])، وهي متناولة للعادل وغيره.
ويدلُّ على ذلك أيضاً صحيحة أحمد بن حمزة «قال: قلتُ لأبي الحسن (عليه السلام): رجلٌ من مواليك له قرابة كلّهم يقول بك، وله زكاة، أيجوز له أن يُعطِيهم جميع زكاته؟ قال: نعم»([3])، فإنَّ تَرْك الاستفصال في جواب السُّؤال مع قيام الاحتمال يُفيد العموم، أي يشمل العدل وغيره.
وقدِ استدلّ أيضاً برواية بشر بن بشار «قال: قلتُ للرَّجل يعني: أبا الحسن (عليه السلام) : ما حدُّ المؤمن الَّذي يُعطى الزَّكاة؟ قال: يُعطى المؤمن ثلاثة آلاف، ثمَّ قال: أو عشرة آلاف، ويُعطى الفاجر بقدر؛ لأنَّ المؤمنَ يُنفقها في طاعة الله، والفاجرَ في معصية الله تعالى»([4])، وهي نصٌّ في عدم اعتبار العدالة، حيث دلَّت على عدم كون الفِسْق من حيث هو مانعاً عن الاستحقاق، وظاهرها حرمة إعطاء الزِّيادة على ما يحتاج إليه في حوائجه اللاَّزمة لا لأجل كونه فاسقاً من حيث هو، بل لأجل أنَّه يصرفها في المعصية، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال وبجهالة بشر بن بشَّار.
ويؤيِّد ما ذكرناه: الرِّوايات الواردة في حكمة تشريع الزكاة، حيث إنَّها وُضِعت لسدّ خَلَّة الفقراء والمساكين وأبناء السَّبيل وغيرهم من ذوي الحاجات، ومن المعلوم أنَّه لو كانت العدالة شرطاً في المستحقّ لتعذَّر غالباً على أبناء السَّبيل إثباتها، مع أنَّ الغالب فيهم، بل في مطلق الفقراء والمساكين عدم اتِّصافهم بالعدالة.
والحاصل: أنَّه لو كانت العدالة شرطاً في الاستحقاق للزم منه حرمان جل أبناء السَّبيل ومعظم الفقراء عن ذلك، وهو منافٍ لأدلَّة تشريع الزَّكاة.
ولكن مع ذلك كلّه، فالاحتياط الَّذي هو ساحل بحر الهلكة لا ينبغي تركه، وبالأخصّ عدم إعطاء الزَّكاة لتارك الصَّلاة أو شارب الخمر أو المتجاهر بالفِسْق، فإنَّ الاحتياط في عدم إعطاء هؤلاء أشدّ من غيره، والله العالم؛ هذا كلّه بالنِّسبة للفقير والمسكين.
وأمَّا غيرهما من الأصناف، فلا ريب في عدم اعتبار العدالة في المؤلَّفة قلوبهم، وأمَّا ابن السَّبيل والغارم فلا دليل على اعتبارها فيهما، كما لا دليل على اعتبارها في الرِّقاب وفي سبيل الله.
وأمَّا العاملون عليها، ففي الإرشاد والمهذب البارع والرَّوضة وغيرها الإجماع على اعتبارها فيهم، ونقله المصنف هنا، قال صاحب الجواهر (رحمه الله): «وهو الحُجَّة بعد اعتضاده بالتَّتبع، وبما في العمالة من تضمُّن الاستئمان، وقد سمعت ما في الصَّحيح من أنَّه لا يُوكل بها إلاَّ ناصحاً شفيقاً أميناً... ولا أمانة لغير العدل».
وفيه: ما ذكرناه في الأمر الثَّالث عند الكلام عن أصناف المستحقِّين عند قول الماتن هناك: «والعاملون، هم السُّعاة...»، من الاكتفاء بالأمانة والوثاقة والشَّفقة، وعدم اعتبار العدالة في العاملين، فراجع ما ذكرناه، فإنَّه مهمّ.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا تُعطى واجب النَّفقة، كالزَّوجة والولد. وفي رواية عمران القمِّيّ: يجوز للولد. وفي رواية أخرى: يُعطى ولد البنت. وتُحملان على المندوبة(1)
(1) يقع الكلام في ثلاثة أمور:
الأوَّل: يشترط في المستحقّ أن لا يكون ممَّنْ تجب نفقته على المزكّي، فلا يجوز إعطاء زكاته له من باب الإنفاق، أي إعطاؤه للنَّفقة اللازمة من المأكل والمشرب والمسكن والملبس.
الثَّاني: هل يجوز إعطاء زكاته له من باب التَّوسعة، أي يُعطيهم من الزَّكاة لغير المأكل والمشرب والملبس والمسكن، أم لا؟
الثَّالث: هل يجوز للمزكِّي أن يدفع زكاته إليه إذا كان عنده مَنْ تجب نفقته عليه، لا على المزكّي، كالزَّوجة للوالد، أو الولد والمملوك لهما، ونحو ذلك، يدفعها إليه لينفقها عليهم؟
أمَّا الأمر الأوَّل: المعروف بين الأعلام أنَّه يُشترط في المستحقّ أن لا يكون ممَّنْ تجب نفقته على المزكِّي: كالأبوَيْن وإن علوا، والأولاد وإن نزلوا، من الذُّكور أو من الإناث، والزَّوجة الدَّائمة، والمملوك، فلا يجوز إعطاء زكاته إياهم للإنفاق أي النَّفقة اللازمة مع قدرة المنفق وبذله.
وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه مع القدرة عليها والبذل لها، كما اعترف به في السَّرائر، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، فضلاً عن محكيِّه في التَّذكرة والتَّحرير وفوائد الشَّرائع والمدارك، بل في المحكيّ عن المنتهى أنَّه قول مَنْ يُحفظ عنه العلم....».
وفي المدارك: «أجمع الأصحاب على أنَّه يُشترط في مستحقّ الزَّكاة لفقره أن لا يكون ممَّنْ تجب نفقته على المالك...».
([1]) الوسائل باب 17 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.
([2]) الوسائل باب 3 من أبواب المستحقين للزكاة ح2.
([3]) الوسائل باب 15 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.
([4]) علل الشرائع باب 98 ح1 ص472.