الدرس 132 _اوصاف المستحقين للزكاة 7

 

أقول: يدلّ على ذلك ­ مضافاً إلى التَّسالم بين الأعلام قديماً وحديثاً، بحيث أصبحت المسألة من المسلَّمات ­ جملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) «خمسة لا يُعطَون من الزكاة شيئاً: الأب، والأم، والولد، والمملوك، والمرأة؛ وذلك أنهم عياله لازمون له»^([1]).

ومنها: موثَّقة إسحاق بن عمَّار عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) ­ في حديث ­«قال: قلتُ: فمَنِ الَّذي يلزمني من ذوي قرابتي حتَّى لا أحتسب الزَّكاة عليهم؟ قال: أبوك وأُمُّك، قلتُ: أبي وأُمي؟ قال: الوالدان والولد»^([2])، وظاهرها المفروغيَّة من ذلك عند الرَّاوي، وما ذلك إلاَّ لوضوحه.

ومنها: رواية زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال في الزَّكاة: يُعطى منها الأخُ والأُختُ والعمُّ والعمَّةُ والخالُ والخالةُ، ولا يُعطى الجدُّ ولا الجدّة»^([3])، ولكنَّها ضعيفة بأبي جميلة.

ومنها: مرفوعة العدَّة إلى أبي عبد الله (عليه السلام) «أنَّه قال: خمسة لا يُعطون من الزَّكاة: الولد والولدان والمرأة والمملوك؛ لأنَّه يُجبر على النَّفقة عليهم»^([4])، وهي ضعيفة بالرَّفع.

ومنها: موثقة أبي خديجة المتقدِّمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: لا تُعطِ من الزَّكاة أحداً ممَّنْ تعول...»^([5]).

وهناك روايتان معارضتان للرِّوايات المتقدِّمة:

الأُولى: مكاتبة عمران بن إسماعيل القمِّيّ «قال: كتبتُ إلى أبي الحسن الثَّالث (عليه السلام): إنَّ لي ولداً رجالاً ونساءً، أفيجوز أن أُعطيهم مِنَ الزَّكاة شيئاً؟ فكتب (عليه السلام): إنَّ ذلك جائز لك»^([6]).

الثَّانية: مرسلة محمَّد بن جزّك «قال: سألتُ الصَّادق (عليه السلام): أدفع عُشر مالي إلى ولد ابنتي؟ قال: نعم، لا بأس»^([7]).

وفيهما ­ مضافاً إلى ضعف سندهما؛ الأُولى: بجهالة عمران بن إسماعيل بن عمران القمِّي، والثَّانية: بالإرسال ­: أنّ الأعلام قد أعرضوا عنهما.

مع احتمال أن يكون المراد من قوله في مكاتبة عمران: «إن لي رجالاً ونساءً» الأقارب الذين يصلح إطلاق الولد عليهم مجازاً، كما عن المنتهى، كما أنَّه يُحتمل أن يكون المراد من قوله: «أفيجوز أن أُعطيهم من الزكاة...» الزَّكاة المندوبة، كما أنَّه يُحتمل عدم تمكُّن الوالد من الإنفاق عليهم، إلى غير ذلك من الاحتمالات.

الأمر الثَّاني: المعروف بين الأعلام أنَّه لا يجوز للمالك أن يدفع زكاته لمَنْ تجب عليه نفقتهم ­ وهم الأب والأم والولد والزَّوجة والمملوك ­ للتَّوسعة عليهم، أي يدفع لهم غير المأكل والمشرب والملبس والمسكن.

وبالمقابل، فقد ذهب بعض الأعلام ­ منهم المحقِّق والشَّهيد الثَّانيان(رحمهما الله) ­ إلى الجواز، وأنَّ الممنوع فقط هو خصوص النَّفقة الواجبة.

وقد يستدلُّ للقائل بالجواز بعدَّة أدلَّةٍ:

منها: إطلاقات الكتاب المجيد والسُّنّة النَّبويّة الشَّريفة، فإنَّ مقتضى الإطلاق هو جواز إعطاء كلِّ فقيرٍ، وهؤلاء فقراء؛ إذ لا يخرجون بمجرَّد النَّفقة عليهم بالنَّفقة اللاَّزمة عن عنوان الفقر.

وفيه: أنَّ هذا الإطلاق مقيَّد بما دلّ على المنع من إعطاء واجبي النَّفقة.

إن قلت: إنَّ أدلَّة المنع من إعطاء واجب النَّفقة مختصَّة بالدَّفع للقوت اللاَّزم، فلا تشمل الدَّفع للتَّوسعة.

قلتُ: نعم، هذا يتمّ لو كان الدَّليل على المنع مختصّاً بمرفوعة العدَّة المتقدِّمة، حيث ورد في ذيلها: «لأنَّه يُجبر على النَّفقة عليهم»، حيث إنَّها ظاهرة في النَّفقة الواجبة التي يُجبر على دفعها عند الامتناع، ولكنَّها ضعيفة كما عرفت.

وأمَّا لو كان الدَّليل على المنع هو موثَّقة إسحاق بن عمَّار، فلا يرد هذا الكلام حينئذٍ؛ لخلوّها من التَّعليل، وكذا لو كان الدَّليل على المنع هو صحيحة عبد الرَّحمان بن الحجّاج المتقدِّمة، فإنَّ التَّعليل فيها: «وذلك أنَّهم عياله لازمون له» ظاهرٌ في عموم المنع؛ إذ يُستفاد منه أنَّ المناط في المنع هو كونهم عياله، وأنَّه ملزم بالقيام بشؤونهم، وهذا يشمل جميع موارد الإنفاق، حتَّى المبنيّ على التَّوسعة، بل إعطاؤه الزَّكاة لهم للتَّوسعة لا يعدّ عند العرف إيتاءً للزَّكاة؛ ضرورة رجوع التَّوسعة على عياله إليه، لأنَّ الإنسان همُّه في كسبه وتعبه عياله.

ومن جملة الأدلَّة المستدلّ بها للجواز: موثَّقة سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: سألته عنِ الرَّجل يكون له ألف درهم يعمل بها، وقد وجب عليه فيها الزَّكاة، ويكون فضله الذي يكسب بماله كفاف عياله لطعامهم وكُسْوتهم، ولا يسعه لأُدمهم، وإنَّما هو ما يقوتهم في الطَّعام والكُسْوة، قال: فَلْينظر إلى زكاة ماله ذلك فَلْيخرج منها شيئاً قلَّ أو كثر فيعطيه بعض مَنْ تحلُّ له الزَّكاة، وليعد بما بقي من الزَّكاة على عياله فَلْيشترِ بذلك إدامهم وما يصلحهم من طعامهم...»^([8]).

 

---

([1]) الوسائل باب 13 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.

([2]) الوسائل باب 13 من أبواب المستحقين للزكاة ح2.

([3]) الوسائل باب 13 من أبواب المستحقين للزكاة ح3.

([4]) الوسائل باب 13 من أبواب المستحقين للزكاة ح4.

([5]) الوسائل باب 14 من أبواب المستحقين للزكاة ح6.

([6]) الوسائل باب 14 من أبواب المستحقين للزكاة ح3.

([7]) الوسائل باب 14 من أبواب المستحقين للزكاة ح4.

([8]) الوسائل باب 14 من أبواب المستحقين للزكاة ح2.

 

الموضوع السابق

الموضوع التالي