الدرس 130 _اوصاف المستحقين للزكاة 5
الدَّليل الثَّاني: ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله) وقد تقدَّم من ظهور الأدلَّة خصوصاً السّنّة في ترتُّب الملك على القبض بالنِّسبة إلى هذا السَّهم.
وفيه: أنَّ الأدلَّة ليست ظاهرةً في خصوص ذلك، بل كما يجوز تمليك الفقير بالقبض الصَّحيح، كذلك يجوز الصَّرف على الفقير من دون التَّمليك، كما يظهر من صحيحة يونس المتقدِّمة، حيث ورد فيها: «فأشتري لهم منها ثياباً وطعاماً، وأرى أنَّ ذلك خير لهم، قال: فقال: لا بأس».
الدَّليل الثَّالث: أنَّ الصَّرف من الزَّكاة على الفقير دون تمليك، وإن كان صحيحاً، إلاَّ أنَّه لا يصحّ في الصَّغير إلاَّ بإذن الوليّ.
وفيه: أنَّ عدم جواز التّصرُّف في الطّفل بغير إذن وليّه غيرُ ثابتٍ على نحو الإطلاق، بل يختصّ ذلك بما للوليّ ولاية عليه من التّصرُّفات الاعتبارية فيه وفي ماله، كالعقود والإيقاعات، ونحو ذلك، ولا يشمل التّصرُّفات الخارجيّة، كالإحسان إلى الطّفل بالإطعام وسقي الماء والإكساء التي هي برّ وإحسان؛ لعموم « مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ﴾ ]التوبة: 91[، حيث إنّ الآية الشَّريفة عامَّة تشمل ما نحن فيه.
وعليه، فلا دليل على استئذان الوليّ في هذه الأمور.
والخلاصة: أنَّ ما دلّ على سلب أفعال الصَّبيّ وأقواله إنَّما هو في عقوده وإيقاعاته ونظائرها ممَّا فيه إلزام والتزام بشيءٍ على وجه يترتَّب على مخالفته مؤاخذة، لا مطلق أعماله وأقواله، ولذا قلنا: بشرعيَّة عباداته، وكذا تجوز معاملاته التي لا إلزام والتزام فيها، بل مجرّد اكتساب، كحيازة المباحات وتناول الصَّدقات، ونحوها.
ولذا لا يجوز سرقة ما حازه الصَّبيّ من المباحات الأصليّة وغيرها ممَّا يجوز حيازتها بقصد الاكتساب، وكذا ما يتناوله من الصَّدقات .
والنَّتيجة في نهاية المطاف: أنَّه يجوز الصَّرف من سهم الفقراء على الصَّبيّ من غير حاجة إلى الاستئذان من الوليّ، كإشباعه وسقيه الماء، ونحو ذلك، والله العالم بحقائق أحكامه.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وفي اشتراط العدالة أقوال، ثالثها: اشتراط مجانبة الكبائر. وفي السَّاعي يُعتبر إجماعاً(1)
(1) هل تُعتبر العدالة في الفقير والمسكين المستحقَّيْن للزَّكاة أم لا؟
هناك أربعة أقوال:
الأوَّل: هو اعتبار العدالة، ذهب إليه الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، والسّيِّد المرتضى (رحمه الله) في الانتصار، وابن حمزة (رحمه الله) في الوسيلة، وابن البرَّاج (رحمه الله) في المهذب، بل جماعة كثيرة من القدماء.
وذكر الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف: «الظَّاهر من أصحابنا أنَّ زكاة الأموال لا تُعطى إلاَّ العدول من أهل الولاية دون الفُسَّاق منهم، وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وقالوا: إذا أعطى الفُسَّاق برِئت ذمَّته، وبه قال قوم من أصحابنا...».
القول الثَّاني: أنَّه يُعتبر الاجتناب عن الكبائر خاصَّة، حُكي ذلك عن ابن الجنيد (رحمه الله).
القول الثَّالث: ما ذهب إليه ابنا بابويه والفاضلان(رحمهم الله)وجمهور المتأخِّرين ومتأخِّري المتأخِّرين من عدم اعتبار شيءٍ من ذلك.
القول الرَّابع: ما ذهب إليه صاحب العروة (رحمه الله)، وجماعة من الأعلام، وهو أن لا يكون ممَّنْ يكون الدَّفع إليه إعانةً على الإثم، وإغراءً بالقبيح، فلا يجوز إعطاؤها لمَنْ يصرفها في المعاصي، خصوصاً إذا كان تركه ردعاً له عنها.
إذا عرفت ذلك، فنقول: قدِ استدلّ لمَنْ اشترط العدالة بالإجماعَيْن، أي إجماع السّيِّد المرتضى (رحمه الله)، وإجماع الغنية.
وفيه: ما عرفته من حال الإجماع المنقول بخبر الواحد، فلا حاجة للإعادة، لاسيَّما مع معروفيَّة الخلاف من كثير من الأعلام.
وقدِ استدلّ السّيِّد المرتضى (رحمه الله) أيضاً بالاحتياط، وبكلِّ ظاهرٍ من سنة أو قرآن كريم تضمَّن المنع من معونة الفاسق.
وفيه: أنَّ الاحتياط ليس بدليل شرعيّ في مقابل إطلاق الكتاب المجيد والسُّنّة النَّبويّة المستفاد منهما عدم الاشتراط.
وأمَّا الظَّواهر المتضمِّنة للنَّهي عن معونة الفاسق أو الظالم.
ففيها أوَّلاً: أنَّ لا دليل على حرمة معونة الفاسق، أي الإعانة على الإثم، إلاَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد.
وفيه: ما عرفت.
وأمَّا الآية الشَّريفة «وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ ]المائدة: 2[، فإنَّها تدلّ على حرمة التَّعاون القائم بين شخصَيْن أو أكثر، أي فيما لو اشتركا أو اشتركوا في الإثم، ولا تدلُّ على حرمة الإعانة القائمة بطرف واحد من دون مباشرة المعين لفعل الإثم.
نعم، احتطنا وجوباً بالحرمة.
وثانياً: لو سلّمنا بذلك، فهي لا تدلّ إلاَّ على المنع عن معونته في فسقه، لا مطلقاً.
نعم، إعانة الظَّالم في ظلمه حرام للدَّليل الخاصّ، كما تقرّر في كتاب المكاسب([1]).
والخلاصة: أنَّ قول من ذهب إلى اشتراط العدالة في الفقير والمسكين ليس تامّاً.
وأمَّا القول الثَّاني وهو اعتبار الاجتناب عن خصوص الكبائر في الفقير المستحق : فقد يستدلّ له بثلاث روايات:
الأُولى: معتبرة أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: لا تُعطِ من الزَّكاة أحداً ممَّنْ تعول إلى أن قال: وإن لم يكن له عيال وكان وحده فَلْيُقسِّمها في قومٍ ليس بهم بأس، أعفَّاء عن المسألة، لا يسألون أحداً شيئاً»([2]).
وقد عرفت أنَّ طريق الشَّيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضَّال فيه ابن الزُّبير القرشيّ، وهو من المعاريف، كما أنَّ المراد من أبي خديجة هو سالم بن مكرم الجمّال الثِّقة.
وبالجملة، فلا إشكال في الرواية من حيث السَّند.
ولكنها لا تدلّ على المطلوب؛ لأنَّ قوله (عليه السلام): «ليس بهم بأس»، إن لم يكن مجملاً، فالمراد منه ما ذكره (عليه السلام) بعد ذلك، حيث قال: «أعفَّاء عن المسألة»، أي المراد من «ليس بهم بأس» هو كونهم لا يسألون النَّاس.
الرِّواية الثَّانية: رواية محمَّد بن سنان عن الرِّضا (عليه السلام) «أنَّه كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله : إنَّ علَّة الزَّكاة من أجل قوت الفقراء إلى أن قال: مع ما في ذلك من أداء شكر نعم الله (عز وجل)، والطَّمع في الزِّيادة، مع ما فيه من الزِّيارة والرَّأفة والرَّحمة لأهل الضَّعف، والعطف على أهل المسكنة، والحثّ لهم على المواساة، وتقوية الفقراء والمعونة (لهم) على أمر الدِّين»([3])، وهي مضافاً لضعفها سنداً بمحمد بن سنان، وبالقاسم بن الربيع الصحَّاف، وعلي بن عباس الواقعَيْن في إسناد الصَّدوق إليه فيما كتبه (عليه السلام) من جواب مسائله، هي أيضاً ضعيفة الدَّلالة؛ إذ لا يُفهم منها اعتبار اجتنابه عن الكبائر.
([1]) راجع مسالك النفوس إلى مدارك الدروس، كتاب المكاسب ج1، ص130133.
([2]) الوسائل باب 14 من أبواب المستحقين للزكاة ح6.
([3]) الوسائل باب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب ح7.