الدرس 52 _ مقدمات علم الاصول 52
جواب الميرزا النائيني:
حاصل جواب الميرزا النائيني (رحمه الله) أنَّ (المقتل) مثلاً اسم زمان لم يوضع لخصوص الحصّة من الزمان التي حصل فيها القتل؛ أي العاشر من محرّم سنة 61 هجرية، وإنّما وضع لذات متكرّرة، وهي العاشر من محرّم من كلّ سنة هجرية. وعليه، فلا تنتفي الذات بانتفاء المبدأ، فيصدق (المقتل) على كلّ عاشوراء من كلّ سنة؛ حيث يكون إطلاق المقتل عليه إطلاقاً حقيقياً بناءً على كون المشتق موضوعاً للأعم.
وفيه: أنَّ هذا الكلام وإن لم يكن فيه بأس، إلا أنَّه يحتاج إلى مثبت، اللهم إلا أن يقال: إنَّ هذا هو المتبادر عرفاً.
جواب الآغا ضياء الدين:
ذهب جماعة من العلماء، منهم الآغا ضياء الدين العراقي والسيد البروجردي (رحمه الله)، إلى أنَّ الزمان وإن كان بالدقّة العقلية عبارة عن آناتٍ متعدّدة ومتصرّمة الوجود، إلا أنَّ العرف لا يجد بين هذه الآنات سكوناً متخلّلاً، وعليه فالزمان عرفاً كالخط الطويل، فالآن الأوّل ملتصق بالثاني، والثاني ملتصق بالثالث، وهكذا.
وممّا يؤيّده أنَّ كلّ العلماء، ومنهم صاحب الكفاية، ذهبوا مع اشتراطتهم وحدة موضوع القضية المتيقّنة والمشكوكة في الاستصحاب إلى جريان الاستصحاب بالنسبة إلى الزمان والزماني وما كان غير قارّ الذات كالحركة؛ لأنَّ الزمان بنظر العرف شيء واحد مستمر، وهذا من ذاك.
وعليه، إذا كان الزمان واحداً، وآناته متّصلة، لا ينتفي في الآن الثاني والثالث وما بعدهما إذا انتفى المبدأ في الآن الأوّل، ومع بقاء الزمان متصلاً، وهو الذات، تكون أسماء الزمان داخلة في محل النـزاع.
ثمَّ إنَّ هذا كله إذا لم تكن تلك القطعات المتعاقبة من الزمان المأخوذة موضوعاً للأكثر في لسان الدليل، معنوَنة بعنوان خاص؛ كالسنة والشهر واليوم ونحوها، وإلا فلا بدّ من لحاظ جهة الوحدانية في خصوص ما عُنون بعنوان خاص من القطعات، فتلاحظ جهة المقتليّة مثلاً في السنة أو الشهر أو اليوم بجعل مجموع الآنات التي فيما بين طلوع الشمس مثلاً وغروبها أمراً واحداً مستمراً، فتضاف المقتليّة إلى اليوم والشهر والسنة. ولا بأس بهذا الوجه، فهو قريب لما ذكره الميرزا النائيني (رحمه الله).
جواب السيد الخوئي:
حاصل ما ذهب إليه (رحمه الله)، أنَّ (مَقْتَل) على هيئة (مَفْعَل)، وهذه الهيئة موضوعة لمعنى كلّي ينطبق على فردين: اسم الزمان، وهو زمن القتل، واسم المكان، وهو محلّ حصوله، وإنَّما يكون تعيين أحدهما بالقرائن.
وبناءً عليه، إذا كانت هيئة (مَفْعَل) موضوعة للأعمّ من الزمان والمكان، فلا يلزم انتفاؤها بانتفاء أحد فرديها، وهو الزمان؛ لما تقدّم من أنَّه يمكن الوضع لمعنى كلّي؛ بحيث تكون بعض أفراده ممكنة وبعضها مستحيلة.
وفيه: هذا الجواب خارج عن محلّ الكلام؛ لأنَّ كلامنا في الموضوع لخصوص الزمان.
والخلاصة إلى هنا: إنَّ النـزاع يجري في أسماء الزمان، كما يجري في غيره من المشتقّات الجارية على الذات.
المبحث الثالث
خروج المصادر والأفعال عن حريم النـزاع
قال صاحب الكفاية (رحمه الله): «ثالثها: إنه من الواضح خروج الأفعال والمصادر المزيد فيها عن حريم النـزاع، لكونها غير جارية على الذوات، ضرورة أنَّ المصادر المزيد فيها كالمجردة في الدلالة على ما يتصف به الذوات ويقوم بها كما لا يخفى وإن الأفعال إنما تدل على قيام المبادئ بها قيام صدور أو حلول أو طلب فعلها أو تركها منها، على اختلافها».
تقدّم في بداية هذا الأمر الثالث عشر أنَّه ليس كلّ مشتق نحوي داخلاً في حريم النـزاع، وإنّما الداخل منها ما كان جارياً على الذات، فتخرج كلّ من المصادر والأفعال.
أمّا المصادر كـــــ (الإكرام)، فهي موضوعة للماهية المهملة المعرّاة عن جميع الخصوصيات، ولها مجرّد نسبة تصوّرية إلى ذات ما؛ إذ الإكرام مثلاً لا يحصل بلا مكرِم، وإلا فالمصدر مجافٍ للذات ومقابل لها، فلا يكشف عنها، ولا يتّحد معها بأيّ نوع من الاتحاد، ولا يشكّل عنواناً لها، ومن هنا خرجت المصادر سواء المجرّدة أم المزيدة عن محلّ البحث.
وكذا الأفعال، فهي لا تجري على الذات، وإنّما تدلّ على مبدأ فيه نسبة تصديقية إلى ذات ما؛ لأنَّ النسبة فيه تامّة، ولكنَّه لا يحكي عن الذات.
وإن قيل: إن كان الفعل لا يجري على الذات، فكيف يصحّ الإخبار به عن المبتدأ، وبالتالي حمله عليه في مثل (زيد أَكَلَ)؟
قلنا: إنَّ المحمول على الذات ليس هو الفعل نفسه، وإنَّما هو المبدأ المنسوب إلى الذات، فـــــ (زيد أكل) مؤوّل بـــــ (أَكْلٍ) منسوب إلى زيد؛ أي مبدأ منسوب إلى الذات، لا مبدأ متّحد معها، وإلا خرج عن كونه فعلاً.
أضف إلى ذلك أنَّ البحث في المقام إنَّما هو فيما يتصوّر فيه انقضاء المبدأ مع بقاء الذات، وهذا الأمر غير متصوّر في المصادر والأفعال؛ فإنَّ المصادر وكذا الأفعال لا يتصوّر فيهما الذات القابلة للتلبّس بالمبدأ تارةً، والخلو عنه أخرى.
إزاحة شبهة:
ثم قال صاحب الكفاية (رحمه الله): «إزاحة شبهة: قد اشتهر في ألسنة النحاة دلالة الفعل على الزمان، حتى أخذوا الاقتران بها في تعريفه. وهو اشتباه، ضرورة عدم دلالة الأمر ولا النهي عليه، بل على إنشاء طلب الفعل أو الترك، غاية الأمر نفس الإنشاء بهما في الحال، كما هو الحال في الإخبار بالماضي أو المستقبل أو بغيرهما، كما لا يخفى».
لمّا كان الكلام في الأفعال، وعلى قاعدة (الشيء بالشيء يذكر)، استطرد صاحب الكفاية في هذه المسألة عن مبحث المشتق، ليتطرّق إلى ما هو معروف بين النحاة من أنَّ الزمان جزء من الفعل وأحد مدلوليه، على حدّ تعبير ابن مالك؛ حيث قال في البيت السادس والثمانين بعد المائتين:
«المَصْدَرُ اسْمُ مَا سِوَى الزَّمَانِ مِنْ
مَدْلُولَيِ الْفِعْلِ كَأَمْنٍ مِنْ أَمِنْ»
إذاً، ما هو معروف بين النحاة أنَّ الفعل موضوع لمعنى مركّب من الحدث والزمان، وعليه فإنَّ الزمان داخل قيداً في ماهية الفعل.
هذا ما عليه مشهور النحاة،