الدرس 125_ التكسّب الحرام وأقسامه (120). خامسها: تعلَّق حقّ غير البائع به
ومنها: رواية عبد الله بن الفضل عن أبيه في حديث «إنَّ الرَّشيد أمَرَ بإحضارِ مُوْسَى بن جَعْفر (عليه السلام) يَوْماً إلى أن قال: فقال موسى بن جعفر (عليه السلام): والله لولا أنِّي أرَى مَنْ أُزوِّجُه بها مِنْ عزَّابِ بني أبي طَالبٍ لئلاَّ ينقطعَ نَسْلَه مَاْ قبِلتُها أَبَداً»[1]f33.
وفيه أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بجهالة محمَّد بن الحسَن المدنيِّ، وعبد الله بن الفَضْل.
وثانياً: أنَّه يحتمل أن تكون كراهيَّة الأخذ من باب استلزامه المنَّة، فلا تدلُّ على كراهة قبول الهديَّة شرعاً.
وعليه، فلولا هذه الجهة التي ذكرها الإمام (عليه السلام) لكان الردُّ أَولى.
والذي يهوِّن الخطب: أنَّ الرِّواية ضعيفة.
وأمَّا ما في بعض الرِّوايات من أنَّ الحسن والحسين (عليهما السلام) كانا يأخذان جوائز معاوية، كما في معتبرة الحسين بن علوان عن جعفر بن محمَّد عن أبيه (عليه السلام) «أنَّ الحسن والحسين (عليهما السلام) كانا يغمزان معاوية ويقعان فيه، ويقبلان جوائزه»[2]f34، فمحمول على أنَّ ما يأخذانه هو من حقوقهم بالأصالة، ولا إشكال في ذلك.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا يجب ردُّ المقاسمة وشبهها على المالك. (انتهى كلامه) (1)
(1) لما عرفت من أنَّ المقاسمة هي مُلْك للمسلمين، فإذا أخذها الظَّالم فقد خرجت من يده، ولا موجب لردِّها عليه.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا يعتبر رضاه. (انتهى كلامه) (2)
(2) لأنَّه لا يشترط في أخذها رضاه؛ لأنَّها ليست ملكاً له، بل هي للمسلمين.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا يمنع تظلُّمه مِنَ الشِّراء. (انتهى كلامه) (3)
(3) كما هو المعروف بين الأعلام، ففي مرسلة محمَّد بن أبي حمزة عن رجل «قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): اشتري الطَّعام، فيجيئني مَنْ يتظلَّم، ويقول: ظلمني، فقال: اِشْترِه»[3]f35، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، وقد ذكرنا سابقاً ما له نفع في المقام، فراجع.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وكذا لو علم أنَّ العامل يظلم، إلاَّ أن يعلم الظُّلم بعينه. (انتهى كلامه) (4)
(4) كما تقدَّم سابقاً، ومن جملة الرِّوايات الواردة في ذلك صحيحة معاوية بن وهب «قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): أَشْتري مِنَ العاملِ الشَّيءَ، وأَنَا أَعْلمُ أنَّه يظلمُ؟ فقال: اِشْترِ مِنْه»[4]f36، وقد بيَّنا سابقاً المراد منها، وأنَّه لو كان يعلم الظُّلم بعينه لوجب ردُّه إلى صاحبه، فراجع.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: نعم، يكره معاملة الظَّلمة، فلا (ولا) تحرم؛ لقول الصَّادق (عليه السلام): «كلُّ شيءٍ فيه حرام وحلال فهو حلال حتَّى تعرف الحرام بعينه». (انتهى كلامه) (1)
(1) ذكرنا هذه المسألة بالتَّفصيل عند قول المصنِّف (رحمه الله) سابقاً: «وإعانة الظَّالم في الظُّلم، لا في غيره من مهامه»، فراجع، كما أنَّه اتَّضح حكمها ممَّا ذكرناه عند الكلام عن شراء المقاسمة والخراج والزَّكاة مِنَ الظَّالم.
وأمَّا الرِّواية التي أشار إليها المصنِّف (رحمه الله) فهي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: كلُّ شيءٍ فيه حلال وحرام، فهو لك حلال أبداً، حتَّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه»[5]f37، وقدِ اتَّضح حكمها عند الكلام عَنِ الصُّوَر الأربع المتقدِّمة، فراجع.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا فرق بين قبض الجائر إيَّاها أو وكيله، وبين عدم القبض.
فلو أحاله بها وقبل الثَّلاثة، أو وكَّله في قبضها، أو باعها وهي في يد المالك أو في ذمَّته، جاز التَّناول، ويحرم على المالك المنع. (انتهى كلامه) (2)
(2) قوله: «وقبل الثَّلاثة»، أي المحيل والمُحَال والمُحَال عليه، وقد ذكرنا هذه سابقاً في الأمر الخامس مِنَ الأمور العشرة المتقدِّمة، عند قول المصنِّف: «ويجوز شراء ما يأخذ الجائر باسم الخراج والزَّكاة والمقاسمة، وإن لم يكن مستحقّاً له»، فراجع.
ثمَّ إنَّ قوله: «ويحرم على المالك المنع»، أي يحرم على المالك الذي هو المُحال عليه مَنْع المُحال؛ لأنَّه صار مُلْكه، وكذا يحرم على المالك منع المشتري؛ لأنَّه بعد أنْ اشترى مِنَ الظَّالم، ووكَّله الظَّالم في قبضه مِنَ المالك، فيحرم عليه منع المشتري؛ لأنَّه صار مُلْكه، وكذا لو باعها الظَّالم، وهي في يد المالك، فعلى المالك أن يدفعها إلى المشتري؛ لأنَّها صارت مُلْكه.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: كما يجوز الشراء يجوز سائر المعاوضات، والهبة والصَّدقة والوقف. (انتهى كلامه) (1)
(1) وقد تقدَّم كلُّ ذلك عند الكلام عن شراء المقاسمة والخراج والزَّكاة، فراجع.
نعم، قوله: «والوقف»، لا يناسب ذِكْره في جملة التَّصرٌّفات، فيما يأخذه مِنَ الجائر، وإنْ أراد وقْفَ الأرض المأخوذة منه إذا نقلها السُّلطان إليه لبعض مصالح المسلمين، فلا يخلو من إشكال.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا يحلُّ تناولها بغير ذلك. (انتهى كلامه) (2)
(2) لعلَّ المراد من ذلك ما تقدَّم في كلام بعض الأعلام من إرادة تناولها بغير إذن أحد حتَّى الفقيه النَّائب عَنِ السُّلطان العارف، وقد ذكرنا سابقاً أنَّ هذا مسلَّم فتوى ونصّاً؛ لأنَّ الخراج لا يسقط عن مستعملي أراضي المسلمين، والله العالم.