الدرس 126_ التكسّب الحرام وأقسامه (121). خامسها: تعلَّق حقّ غير البائع به
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والأجير الخاصِّ ليس له العمل لغير المستأجر في زمان الإجارة، بخلاف المطلق. (انتهى كلامه) (3)
(3) الأجير الخاصُّ هو الذي يُسْتأجر مدَّةً معيَّنةً شخصيَّةً على وجه الاستغراق.
وعليه، فلا يجوز له العمل المملوك عليه بعقد الأجارة لغير المستأجر في المدَّة المعيَّنة إلاَّ بإذنه، بل ولا غيره مِنَ الأعمال إذا كان على وجهٍ ينافي العمل المستأجَرَ عليه.
أمَّا ما لا ينافيه فلا بأس به قطعاً، كما لا بأس بعمله في غير مدَّة الإجارة، كاللَّيل، حيث لا يكون داخلاً، فيجوز للخيَّاط مثلاً إذا كان أجيراً خاصّاً على الخياطة التَّعليم والتعلُّم والعقد، ونحو ذلك، ممّا لا ينافيها حالها، كما يجوز للأجير على البناء فِعْل البناءِ في اللَّيل لشخص آخر إذا لم يؤدِّ إلى ضَعْف في الأوَّل.
وهذا الذي ذكرناه لا خلاف فيه بين الأعلام وتدل عليه موثَّقة إسحاق بن عمَّار «قال: سألتُ أبا إبراهيم (عليه السلام) عَنِ الرَّجلِ يستأجرُ الرَّجل بأجرٍ معلومٍ، فيبعثُه في ضيعتِه، فيعطيه رجلٌ آخرُ دراهمَ، ويقول: اِشترِ بهذا كذا وكذا، وما ربحتَ بيني وبينك، فقال: إذا أَذِن له الذي استأجَرَه فَلَيْسَ بِهِ بأس»[1]f38، بناءً على كون المراد من الأجير هو الأجير الخاصِّ، كما لعلَّه الظَّاهر.
ومفهومه: ثبوت البأس إذا لم يأذن له الذي استأجره؛ هذا كلُّه إذا كان الأجير خاصّاً.
وأمَّا لو كان الأجير مطلقاً، كما لو استُؤجر لعملٍ مجردٍ عَنِ المدَّة الشَّخصيَّة، أو عَنِ استغراقها، أو عَنِ المباشرة، أو عن جميع القيود، أو بعضها، فيجوز له حينئذٍ العمل في الجملة لنفسه ولغيره، بإجارة أو تبرُّعاً، وتمام الكلام في مبحث الإجارة إن شاء الله تعالى .
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وللزَّوجة التَّصدُّق بالمأدوم من مال الزَّوج إلاَّ مع نهيه أو إضراره، وليس لغيرها ذلك، ولا لها تناول غير ذلك. والمأدوم ما يؤتدم به، كالملح واللَّحم. وفي تعدِّيته إلى الخبز والفاكهة نَظَرٌ. (انتهى كلامه) (1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه لا يجوز للمرأة التَّصدُّق بشيءٍ من مال زوجها إلاَّ المأدوم، قال العلاَّمة (رحمه الله) في المنتهى: «لا يجوز للمرأة أنْ تأخذ من مال زوجها شيئاً، قلَّ أم كثر إلَّا المأدوم إجماعاً؛ لأنّ الأصل عصمة مال الغير إلى أن قال : فإنها يجوز لها أن تأْخُذَ منه الشَّيءَ اليسيرَ، وتتصدَّقَ به، ما لم يؤدِّ الى الضَّرر بالزَّوج، أو لم يمنعها بصريح القول».
أقول: تدلُّ على ذلك موثَّقة ابن بكير «قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام): ما يحلُّ للمرأةِ أنْ تتصَدَّق مِنْ مالِ (بيتِ) زوجِها بغيرِ إذنِه؟ قال: المَأْدُومُ»[2]f39.
وأمَّا ما ورد في صحيحة عليِّ بن جعفر «أنَّه سألَ أخاه موسى بن جعفر (عليه السلام) عَنِ المرأةِ لها أن تُعطِي مِنْ بيتِ زوجِهَا بِغَيرِ إذْنِه؟ قَاْل: لَاْ، إلاَّ أنْ يحلِّلَها»[3]f40، فيحمل على ما تقدَّم من باب حَمْل المطلق على المقيَّد، فلا منافاة بينهما، أي لا يجوز أن تتصدَّق من مال زوجها بدون إذنه، إلاَّ المأدوم.
وبهذا يجاب عمَّا ورد أيضاً في وصيَّة النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله) لعلِّيٍّ (عليه السلام) «قال: يا علي! ليس على النِّساءِ جمعةٌ إلى أن قال: ولا تُعطِي مِنْ بيتِ زوجِها شيئاً بِغَيرِ إذْنِه»[4]f41.
مضافاً إلى ضعفها سنداً؛ لأنَّ في إسناد الصَّدوق (رحمه الله) إلى حمَّاد بن عَمْرو، وأَنَس بن محمَّد عن أبيه، عدَّة من المجاهيل، كما أنَّ حمَّاد بن عَمْرو مجهول، وأيضاً أنس وأبوه مجهولان.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والزَّوج يحرم عليه تناول شيءٍ من مالها، إلاَّ برضاها. (انتهى كلامه) (1)
(1) هذا هو المعروف بين الأعلام؛ إذ لا يحلُّ مال امرء مسلم إلاَّ بطيب نفسه.
ويستفاد أيضاً من بعض الرِّوايات الخاصَّة:
منها: موثَّقة سعيد بن يسار «قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): جُعِلْتُ فِدَاكَ، امْرَأَةٌ دَفَعَتْ إِلى زَوْجِهَا مَالاً مِنْ مَالِهَا لِيَعْمَلَ بِهِ، وَقَالَتْ لَهُ حِينَ دَفَعَته إِلَيْهِ: أَنْفِقْ مِنْهُ، فَإِنْ حَدَثَ بِكَ حَدَثٌ فَمَا أَنْفَقْتَ مِنْهُ حَلَالاً طَيِّباً، وإِنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ، فَمَا أَنْفَقْتَ مِنْهُ، فَهُوَ حَلَالٌ طَيِّبٌ فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ يَا سَعِيدُ الْمَسْأَلَةَ، فَلَمَّا ذَهَبْتُ أُعِيدُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ، عرض (اعْتَرَضَ) فِيهَا صَاحِبُهَا، وَكَانَ مَعِي حَاضِراً، فَأَعَادَ عَلَيْهِ مِثْلَ ذلِكَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَشَارَ بِإِصْبَعِهِ إِلى صَاحِبِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ: يَا هذَا، إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهَا قَدْ أَفْضَتْ بِذلِكَ إِلَيْكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهLفَحَلَالٌ طَيِّبٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: يَقُولُ الله جَلَّ اسْمُهُ فِي كِتَابِهِ: « فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا ﴾ ]النساء: 4[»[5]f42.
ومنها: موثَّقة سماعة «قَاْل: سَأْلتُه عَنْ قولِ اللهL: «فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا »، قَاْل: يعني بذلِكَ أمَوَالهنَّ التي فِيْ أَيْدِيهِنَّ ممَّا يَمْلِكُنَّ»[6]f43، ومضمرات سماعة مقبولة، كما عرفت في أكثر من مناسبة.