الدرس 148 _اوصاف المستحقين للزكاة 23
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويُكره جعل الزَّكاة وقايةً للمال، بل ينبغي أن تُدفع إلى مَنْ لا يعتاد الإهداء إليه وبرّه من غيرها(1)
(1) ففي موثَّقة أبي بصير «قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): الرَّجل يكون له الزَّكاة، وله قرابة محتاجون غير عارفين، أيعطيهم من الزَّكاة؟ فقال: لا، ولا كرامة، لا يجعل الزَّكاة وقايةً لماله، يعطيهم من غير الزَّكاة إن أراد»([1]).
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وروى الوابشيّ: جواز شراء الأب من الزَّكاة(2)
(2) هذه الرِّواية ذكرناها سابقاً عند قول المصنِّف (رحمه الله): «والرِّقاب: وهم المكاتبون...»، وقد رواها الوابشيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: سأله بعض أصحابنا عن رجل اشترى أباه من الزَّكاة، زكاة ماله. قال: اشترى خير رقبة، لا بأس بذلك»([2])، ولكنَّها ضعيفة بجهالة أبي محمد الوابشيّ.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وروى عبيد بن زرارة: جواز الإعتاق مطلقاً مع عدم المستحقّ، فإن مات ولا وارث له، فلأهل الزَّكاة ميراثه؛ لأنَّه اشتُري بمالهم(1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّ المملوك الَّذي يشترى من الزَّكاة لكونه في شدَّة أو مطلقاً على الخلاف المتقدِّم إذا مات ولا وارث له عدا الإمام (عليه السلام) وأرباب الزكاة، فإنَّه يرثه أرباب الزكاة.
وفي المدارك: «والقول: بأنَّ ميراثه لأرباب الزكاة مذهب الأكثر، بل قال المصنِّف (رحمه الله) في المعتبر: إنَّ عليه علماءنا، وهو يُؤذن بدعوى الإجماع عليه...»، وفي الجواهر: «على المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً شهرة عظيمة، بل في المعتبر وعن المنتهى نسبته إلى المحقِّقين تارةً، وإلى علمائنا أخرى، مشعراً بالإجماع عليه، بل ربَّما ظهر ذلك من الانتصار أيضاً...»، وقال المصنِّف (رحمه الله) في البيان: «ولا نعلم فيه مخالفاً إلاَّ احتمالاً للمحقِّق من أنَّه يرثه الإمام...».
أقول: أمَّا القول: بأنَّ ميراثه للإمام (عليه السلام) فهو مجهول القائل من القدماء، واختاره من المتأخِّرين العلاَّمة (رحمه الله) في القواعد وولده في الشَّرح.
ولكنَّ الإنصاف: أنَّ القول الأوَّل المعروف بين الأعلام هو الصَّحيح.
ويدلّ عليه روايتان:
الأُولى: صحيحة أيوب بن الحرّ أخي أديم بن الحرّ «قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه، أشتريه من الزَّكاة وأُعتقه؟ قال: فقال: اشتره وأعتقه، قلتُ: فإن هو مات وترك مالاً؟ قال: فقال: ميراثه لأهل الزَّكاة لأنَّه اشتُري بسهمهم»([3]).
الثَّانية: موثَّقة عبيد بن زرارة «قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد موضعاً يدفع ذلك إليه، فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده، فاشتراه بتلك الألف الدراهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه، هل يجوز ذلك؟ قال: نعم، لا بأس بذلك، قلتُ: فإنَّه لمّا أن أُعتق وصار حرّاً اتّجر واحترف فأصاب مالاً، ثمّ مات وليس له وارث، فمَنْ يرثه إذا لم يكن له وارث؟ قال: يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقّون الزَّكاة، لأنَّه إنّمَا أُشتري بمالهم»([4]).
قال صاحب المدارك (رحمه الله): «وهذه الرواية مع قصورها من حيث السَّند لا تدلّ على أنَّ إرثه لأرباب الزَّكاة مطلقاً، بل إنَّما تدلّ على اختصاص الفقراء بذلك».
وفيه: أنَّ الرِّواية ضعيفة على مبناه، حيث إنه لا يعمل بالموثَّقات، وإلاَّ فهي موثقة، وهي حُجَّة عندنا وعند الأكثر.
وأمَّا إشكاله من حيث الدَّلالة، فهو غير وارد؛ لأنَّ المراد من الفقراء أرباب الزَّكاة لكونهم المعظم في مصرفها، ولأنَّهم الأصل في مشروعيّتها، كما أشارت نصوص المشروعيّة، ومن هنا كان الولاء لهم في العبد المشترى من الزَّكاة.
وقد صح التَّعبير عن أرباب الزَّكاة بالفقراء لكونهم المعظم في مصرفها بالجملة، ولعدم وجوب البسط على الأصناف الثَّمانية، فكانوا هم أرباب الزَّكاة.
وعليه، فلا منافاة بين الرِّوايتَيْن.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وفيه إيماء إلى أنَّه لو اشتري من سهم الرِّقاب لم يطّرد الحكم؛ لأنَّه اشتري بنصيبه لا بمال غيره، فيرثه الإمام(1)
(1) وفيه: أنَّ ظاهر الموثَّقة وقوع الشِّراء بجميع الزَّكاة لا بسهم مخصوص منها.
مضافاً لما عرفت من عدم وجوب البسط على الأصناف الثَّمانية، فلم يكن سهم مخصوص للرِّقاب، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وروى أبو بصير: جواز التّوسعة بالزَّكاة على عياله.
وروى سماعة ذلك بعد أن يدفع منها شيئاً إلى المستحقّ. كلّ ذلك مع الحاجة(2)
(2) فصّلنا الكلام في هذه المسألة في الأمر الثاني من شرح قول المصنِّف (رحمه الله) سابقاً: «ولا يُعطى واجب النَّفقة...»، حيث قلنا: يقع الكلام في ثلاثة أمور.
وذكرنا الرِّوايات الدَّالة على الجواز، والتي منها موثَّقة سماعة التي أشار إليها المصنِّف (رحمه الله) هنا.
أمّا رواية أبي بصير([5]) فلم يذكرها هناك، وهي ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة البطائنيّ، وكانت النَّتيجة هناك أنَّه لا يجوز إعطاء زكاته عيالَه للتَّوسعة عليهم، فراجع، فإنَّه مهمّ.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وروى عليّ بن يقطين فيمَن مات وعليه زكاة وولده محاويج: يدفعون إلى غيرهم منها شيئاً ويعودون بالباقي على أنفسهم(1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه إذا كان الورثة محتاجين جاز احتساب زكاة مورثهم عليهم وإن كانوا ممَّنْ تجب نفقتهم على المورث؛ لانقطاع وجوب النفقة عنه بالموت.
نعم، يستحبّ دفع شيءٍ منها لغيرهم؛ وذلك لصحيحة عليّ بن يقطين «قال: قلتُ لأبي الحسن الأوّل (عليه السلام): رجلٌ مات وعليه زكاة وأوصى أن تقضى عنه الزَّكاة، وولده محاويج إن دفعوها أضرّ ذلك بهم ضرراً شديداً، فقال: يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم، ويخرجون منها شيئاً فيدفع إلى غيرهم»([6])، وهي حسنة بطريق الكلينيّ (رحمه الله) وصحيحة بطريق الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله).
([1]) الوسائل باب 16 من أبواب المستحقين للزكاة ح2.
([2]) الوسائل باب 19 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.
([3]) الوسائل باب 43 من أبواب المستحقين للزكاة ح3.
([4]) الوسائل باب 43 من أبواب المستحقين للزكاة ح2.
([5]) الوسائل باب 8 من أبواب المستحقين للزكاة ح4.
([6]) الوسائل باب 14 من أبواب المستحقين للزكاة ح5.