الدرس 147 _اوصاف المستحقين للزكاة 22
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والقرابة(3)
(3) كما في موثقة إسحاق بن عمَّار عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) «قال: قلتُ له: لي قرابة أُنفق على بعضهم، وأُفضِّل بعضهم (على بعض) فيأتيني إبّان الزَّكاة، أفأعطيهم منها؟ قال: مستحقّون لها؟ قلتُ: نعم، قال: هم أفضل من غيرهم، أعطهم»([1])، والرَّاوي عن إسحاق بن عمَّار ثقة، فهو عبد الملك بن عتبة، لا عبد الله بن عتبة.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وإعطاء زكاة الخُّفّ والظِّلف المتجمِّل، وباقي الزَّكوات المدقع(1)
(1) وذلك لرواية عبد الله بن سنان «قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنَّ صدقة الخفّ والظُّلف تدفع إلى المتجمِّلين من المسلمين، فأمَّا صدقة الذَّهب والفضَّة وما كيل بالقفيز ممَّا أخرجت الأرض فللفقراء المدقعين.
قال ابن سنان: قلتُ: وكيف صار هذا هكذا؟ فقال: لأنَّ هؤلاء متجمّلون يستحيون من النَّاس فيدفع إليهم أجمل الأمرَيْن عند النَّاس، وكلٌّ صدقةٍ»([2])، ولكنَّها ضعيفة بمحمَّد بن سليمان الدَّيلميّ.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والتّوصُّل بها إلى مَنْ يستحيي من قبولها هدية(2)
(2) المعروف بين الأعلام أنَّه مَنْ يستحيي من قبول الزَّكاة جاز صرفها إليه على وجه الصِّلة والهدية ظاهراً، والزكاة واقعاً، بل الظَّاهر أنَّه مستحبّ، بل عن التذكرة: أنَّه لا خلاف فيه يعرف.
أقول: يدلُّ على ذلك حسنة أبي بصير «قال: قلتُ لأبي جعفر (عليه السلام): الرَّجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذ من الزَّكاة، فأعطيه من الزَّكاة ولا أُسمّي له أنَّها من الزَّكاة؟ فقال: أعطه ولا تسمّ له ولا تذلّ المؤمن»([3])، وهي، وإن كانت ضعيفةً بطريق الكلينيّ والشَّيخ (رحمهما الله) بسهل بن زياد، إلاَّ أنَّها حسنة بطريق الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) .
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وروى محمَّد بن مسلم: «إن لم يقبلها على وجه الزَّكاة فلا تُعطه(1)
(1) قد يُقال: إنَّ ما ذكره الأعلام من استحباب إعطائه بعنوان الصِّلة والهدية ظاهراً والزَّكاة واقعاً قد ينافيه ما ورد في حسنة محمَّد بن مسلم «قال: قلتُ لأبي جعفر (عليه السلام): الرَّجل يكون محتاجاً، فيبعث إليه بالصَّدقة، فلا يقبلها على وجه الصَّدقة يأخذه من ذلك ذمام واستحياء وانقباض، فنعطيها إيّاه على غير ذلك الوجه وهي منَّا صدقة؟ فقال: لا، إذا كانت زكاة فله أن يقبلها، فإن لم يقبلها على وجه الزَّكاة فلا تُعطها إيّاه...»([4]).
ولكنَّ الإنصاف: أنَّ هذه الحسنة لم يعمل بظاهرها أحد من الأعلام.
ومن هنا لا بدّ من حملها على بعض المحامل وإن كان المصنِّف (رحمه الله) ذكرها ولم يُؤَوِّلها، ما يظهر منه التّوقُّف في الحكم وقد حملها صاحب المدارك (رحمه الله) على الكراهة.
وقال صاحب الحدائق (رحمه الله): «والأظهر عندي في تأويله هو حمل قوله (عليه السلام) في الجواب: (لا) على الإضراب عن الكلام السَّابق، لا على نفي إعطائها إياه على غير ذلك الوجه، كما وقع في سؤال السَّائل. ويكون ما بعد (لا) بيان ما هو الأولى في هذا المقام، فبيَّن أنَّها إذا كانت زكاة فله أن يقبلها ولا ينبغي أن يستحي من قبولها، وهي حقّ فرضه الله تعالى، ثمَّ قال: فإن لم يقبلها على هذا الوجه فلا تلزمه بها وتعطيها إياه على وجه الزَّكاة، ويُفهم منه جواز الإعطاء لا على الوجه المذكور، فجواب السُّؤال إنَّما عُلم من المفهوم، وإلاَّ فمنطوق الخبر إنَّما سيق في الكلام على ذلك المستحقّ، وأنَّه ينبغي له كذا ولا ينبغي له كذا».
والإنصاف: حمل هذه الحسنة على عدم الاجتزاء بقبض المستحقّ إذا اشترط المستحقّ كون الَّذي قبضه لا على وجه الزَّكاة، بل على وجه الصِّلة أو الهبة، وأنَّ الَّذي قبضه إن كان زكاة فهو لا يقبله، وهذا بخلاف الحسنة الأولى حسنة أبي بصير فإنَّ أقصى ما تدلّ عليه هو إيصال الزكاة له من دون تسميتها له دون أن يكون قد اشترط في قبضها عدم كونها زكاةً.
وما ذكره صاحب المدارك (رحمه الله) من الحمل على الكراهة، وإن كان هو مقتضى الصِّناعة العلميّة، إلاَّ أنَّ ما ذكرناه هو الأفضل، للاتِّفاق على استحباب دفعها على وجه الصِّلة ظاهراً والزَّكاة واقعاً.
وأمَّا ما ذكره صاحب الحدائق (رحمه الله) فهو خلاف الظاهر، كما لا يخفى.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وإذا نوى بما أخرجه من ماله إعطاء رجل معيّن، فالأفضل إيصاله إليه. ولو عدل به إلى غيره جاز(1)
(1) كما يُستفاد من رواية عليّ بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم (عليه السلام) «قال: قلتُ له: الرَّجل يُعطي الألف درهم من الزَّكاة يُقسِّمها فيحدِّث نفسه أن يعطي الرَّجل منها، ثمَّ يبدو له ويعزله فيُعطي غيره، قال: لا بأس به»([5])، ولكنَّها ضعيفة بعليِّ بن أبي حمزة، وبجهالة إسماعيل بن مرار.
ويُستفاد ذلك أيضاً من مرسلة الحسين بن عثمان عمَّنْ ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) أو عن أبي الحسن (عليه السلام) «في الرَّجل يأخذ الشَّيء للرَّجل، ثمَّ يبدو له فيجعله لغيره، قال: لا بأس»([6])، وهي ضعيفة أيضاً بالإرسال.
ولكنَّ الإنصاف: أنَّ الجواز على القاعدة، ويقتضيه أيضاً نفي التَّوظيف في كيفيّة القسمة، كما يقتضيه إطلاق ما دلّ على جواز النَّقل مع وجود المستحقّ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
([1]) الوسائل باب 15 من أبواب المستحقين للزكاة ح2.
([2]) الوسائل باب 26 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.
([3]) الوسائل باب 58 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.
([4]) الوسائل باب 58 من أبواب المستحقين للزكاة ح2.
([5]) الوسائل باب 27 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.
([6]) الوسائل باب 27 من أبواب المستحقين للزكاة ح2.