الدرس 29 _زكاة الأنعام 1
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: يشترط في زكاة الأنعام شروط: أحدها: الحول(1)
(1) المعروف بين الأعلام قديماً وحديثاً أنَّه يعتبر في زكاة الأنعام والنَّقدَيْن ممَّا تجب فيه الزَّكاة: الحَوْل.
وفي المدارك: «هذا قول العلماء كافةً، حكاه في المنتهى...»، وفي الجواهر: «إجماعاً بقسمَيْه، بل عند أهل العلم كافَّةً، إلاَّ ما حُكِي عن ابني عباس ومسعود في محكي المنتهى، بل لا خلاف بين العلماء فيه، وفي اعتباره في زكاة التِّجارة في محكي التَّذكرة، بل في شرح المفاتيح أنَّه ضروري، والنُّصوص فيه، إن لم تكن متواترةً، فهي في غاية الاستفاضة...».
أقول: هناك تسالم بين الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار، على اعتبار الحَوْل في زكاة الأنعام والنَّقدَيْن، بحيث خرجت المسألة عَنِ الإجماع المصطلح عليه، وأصبحت من ضروريَّات الفِقه.
ومع ذلك، تدلُّ عليه الأخبار الكثيرة، والتي منها صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) «قالا: لَيْسَ عَلَى الْعَوَامِلِ من الإبل والبقر شَيْءٌ إلى أن قال: وَكُلُّ مَا لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الحَوْل عِنْدَ رَبِّهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فيه، فَإِذَا حَالَ عَلَيْهِ الحَوْل وَجَبَتْ عَلَيْه»([1]).
ومنها: مرسلة محمَّد بن سماعة عن رجل عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قَالَ: لَا يُزَكَّى مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، إِلاَّ مَا حَالَ عَلَيْهِ الحَوْل، وَمَا لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الحَوْل فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ»([2])، وهي ضعيفة بالإرسال.
وأمَّا اعتبار الحَوْل في النَّقدَيْن، فالرِّوايات الدالة عليه كثيرة أيضاً، سيأتي الكلام عنها إن شاء الله تعالى عند الكلام في النَّقدَيْن، والتي منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «أنَّه قال: الزَّكَاةُ عَلَى المَاْلِ الصَّامِتِ الَّذِي يَحُوْلُ عَلَيْه الحَوْل، وَلَمْ يُحَرِّكْه»([3]).
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه يكفي في الحَوْل الدُّخول في الشَّهر الثَّاني عشر، فإذا مضى أحد عشر شهراً هِلاليّاً، ثمَّ هَلَّ الثَّاني عشر، فعند هِلاله تجب الزَّكاة، ولو لم تكمل أيام الشَّهر الثَّاني عشر.
وفي المدارك: «هذا مذهب علمائنا أجمع، قاله في المعتبر»، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه». وقال العلاَّمة (رحمه الله) في التَّذكرة: «وحولان، الحَوْل: هو مضي أحد عشر شهراً كاملةً على المال، فإذا دخل الثَّاني عشر وجبتِ الزكاة؛ وإن لم تكمل أيامه، بل تجب بدخول الثَّاني عشر عند علمائنا أجمع».
وقال الشهيد الثاني (رحمه الله) في المسالك: «اعلم أن الحول لغة اثنا عشر شهراً، ولكن أجمع أصحابنا على تعلق الوجوب بدخول الثاني عشر، وقد أطلقوا على الأحد عشر اسم الحول أيضاً بناءً على ذلك. وورد عن الباقر والصادق (عليهما السلام): «إذا دخل الثاني عشر فقد حال عليه الحول ووجبت الزكاة». فصارت الأحد عشر حولاً شرعياً».
أقول: أيضاً هذه المسألة ممَّا تسالم عليه الأعلام، ولا تضر مخالفة الكاشاني (رحمه الله)، كما سيأتي.
وتدلُّ أيضاً على كفاية الدُّخول في الشَّهر الثَّاني عشر في تحقُّق الوجوب حسنة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «... قَالَ زُرَارَةُ : وَقُلْتُ لَهُ: رَجُلٌ كَانَتْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ، فَوَهَبَهَا لِبَعْضِ إِخْوَانِهِ أَوْ وُلْدِهِ أَوْ أَهْلِهِ فِرَاراً بِهَا مِنَ الزَّكَاةِ، فَعَلَ ذلِكَ قَبْلَ حَلِّهَا بِشَهْرٍ؟ فَقَالَ: إِذَا دَخَلَ الشَّهْرُ الثَّانِيَ عَشَرَ، فَقَدْ حَالَ عليه (عَلَيْهَا) الحَوْل، وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ...»([1])، والرِّواية حسنة.
وأمَّا التوقُّف في حُجِّيَّة هذه الرِّواية من جهة اشتمالها على إبراهيم بن هاشم، وأنَّ فيه كلاماً، كما عَنِ الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك، فليس بتامٍّ؛ لأنَّ إبراهيم بن هاشم ممدوح جدّاً، بل هو ثقة لوقوعه في تفسير عليِّ بن إبراهيم، وقد ذكرنا في علم الرجال أنَّ مشايخ عليِّ بن إبراهيم المباشرِين الواقعِين في التَّفسير هم ثقات.
أضف إلى ذلك: أنَّ الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) قد صرَّح في مسألة عدِّ السِّخال من حين النِّتاج، بأنَّ هذا الطَّريق صحيح، وأنَّ العمل به متعيِّن، فلا معنى للتوقُّف هنا، مَعَ اتِّحاد السَّند.
ثمَّ إننا قد أشرنا سابقاً إلى أنَّه لم يخالف أحد مِنَ الفقهاء في المسألة، إلاَّ ما حُكِي عَنِ المحدِّث الكاشاني (رحمه الله) في الوافي من إنكاره دلالة حسنة زرارة المتقدِّمة على الوجوب بدخول الشَّهر الثَّاني عشر، وحَمَل الحسنة على حرمة الفرار مِنَ التَّكليف بالزَّكاة بعد دخول الشَّهر الثَّاني عشر، حيث قال على ما نقله عنه صاحب الحدائق (رحمه الله) : «لعلَّ المراد بوجوب الزَّكاة، وحَوْل الحَوْل برؤية هلال الثَّاني عشر الوجوب، والحَوْل لمريد الفرار بمعنى أنَّه لا يجوز الفرار حينئذٍ؛ لاستقرار الزَّكاة في المال بذلك، كيف والحَوْل معناه معروف، والأخبار بإطلاقه مستفيضة، ولو حملناه على معنى استقرار الزَّكاة فلا يجوز تقييد ما ثبت بالضَّرورة مِنَ الدِّين بمثل هذا الخبر الواحد الذي فيه ما فيه، وإنَّما يستقيم بوجوه من التَّكلُّف»، انتهى كلام الكاشاني (رحمه الله).
قال صاحب الحدائق (رحمه الله) بعد نقله لكلام الكاشاني (رحمه الله) : «وهو جَيِّد، لولا اتِّفاق الأصحاب قديماً وحديثاً على العمل بمضمونه في الزَّكاة مطلقاً، لا بخصوص هذا الفرد الذي ذَكَره».
ثمَّ قال صاحب الحدائق (رحمه الله): «وممَّا يؤيِّد ما ذكره (طاب ثراه) صحيحة عبد الله بن سنان «قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) لَمَّا نزلت آية الزكاة « خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ﴾ ]التوبة: 103[، (وأنزلت) في شهر رمضان، فأمر رسول الله (ص) مناديه، فنادى في النَّاس أنَّ الله تعالى فرض عليكم الزَّكاة كما فرض عليكم الصَّلاة، ففرض الله عليهم مِنَ الذَّهب والفِضَّة، وفرض عليهم الصَّدقة مِنَ الإبل والبقر والغنم، ومن الِحنْطة والشَّعير والتَّمر والزَّبيب، ونادى فيهم بذلك في شهر رمضان، وعفا لهم عن ما سوى ذلك. قال: ثمَّ لم يتعرَّض (يعرض) لشيء من أموالهم حتَّى حال عليهم الحَوْل من قابل، فصاموا وأفطروا، فأمر مناديه فنادى في المسلمين: أيُّها المسلمون زكُّوا أموالكم تقبل صلاتكم (صلواتكم)، ثمَّ وجَّه عُمَّال الصَّدقة، وعُمَّال الطُّسُوق([2])».
قال صاحب الحدائق (رحمه الله): «وهو ظاهر كما ترى في اعتبار حول الإثني عشر شهراً».
أقول: أمَّا ما ذَكَره المحدِّث الكاشاني (رحمه الله)، فليس تامّاً؛ لأنَّه إن أراد بما ثبت بالضَّرورة مِنَ الدِّين اعتبار الحَوْل بمعناه الحقيقي الذي هو عبارة عَنِ اثني عشر شهراً تامّاً، فهذا ممَّا لم يثبت بالضَّرورة، كيف، وقد ذهب الكلُّ ما عداه إلى خلافه؟!
وإن أراد بما ثبت بالضَّرورة مِنَ الدِّين اعتبار الحَوْل بالمعنى الشَّامل لدخول الشَّهر الثاني عشر، فهذا لا ينافي حسنة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدِّمة؛ لأنَّها شارحة له، ومبيِّنة للمراد مِنَ الحَوْل.
أضف إلى ذلك: أنَّ كلام الكاشاني (رحمه الله) غير واضح؛ لأنَّ حرمة التَّفويت مترتِّبة على وجوب الزَّكاة، كما لا يخفى.
وأمَّا تأييد صاحب الحدائق لكلام الكاشاني (رحمهما الله) بصحيحة عبد الله بن سنان، وأنَّها ظاهرة في اعتبار دخول الشهر الثاني عشر في الحول.
فيرد عليه: أنَّه لا ظهور لها في ذلك؛ إذ مِنَ الجائز تحقُّق الوجوب مِنِ ابتداء الشَّهر الثَّاني عشر، ولكن كان تأخير الأمر بدفعها إلى ما بعد شهر رمضان المبارك لحكمة عنده (ص).
وعليه، فلا تكون هذه الصَّحيحة مؤكِّدة لكلامه (رحمه الله).
والخلاصة إلى هنا: أنَّه لا إشكال في أصل الوجوب بدخول الشَّهر الثَّاني عشر.
([1]) الوسائل باب 12 من أبواب الذهب والفضة ح2.
([2]) الوسائل باب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ح1.
والطُّسُوق: جمع طَسْق، وهو الضَّريبة تُوضَع على الخَرَاج.
([1]) الوسائل باب 8 من أبواب زكاة الأنعام ح1.
([2]) الوسائل باب 8 من أبواب زكاة الأنعام ح2.
([3]) الوسائل باب 15 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح4.