الدرس 150 _اوصاف المستحقين للزكاة 25
ومن جملة الرِّوايات المستدلّ بها للقول الخامس: حسنة عبد الكريم بن عتبة الهاشميّ المتقدِّمة عن أبي عبد الله (عليه السلام)، حيث ورد في ذيلها «ليس في ذلك شيءٌ مؤقتٌ موظّف...»([1]).
ولكنَّ الإنصاف: أنَّها ليست ظاهرةً في المدَّعى؛ لإمكان حملها على عدم وجوب البسط على الأصناف الَّذي ادَّعاه عمرو بن عبيد المعتزليّ، حيث ذهب ومَنْ معه من العامَّة إلى القول بوجوب البسط على الأصناف.
وعليه، فإنَّ سياق الحسنة من أوَّلها إلى آخرها إنَّما هو في الرَّدّ عليه، وقد تقدَّمت هذه الحسنة، فلا حاجة لإعادتها.
ومنها: حسنة الحلبيّ المتقدِّمة أيضاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: قلتُ له: ما يُعطى المصدّق؟ قال: ما يرى الإمام ولا يقدّر له شيءٌ»([2]).
وفيه: أنَّ محلَّ النِّزاع في المقام إنَّما هو في الفقير والدَّفع إليه من حيث الفقر دون غيره من الأصناف، كما هو المفروض في عبارات الأعلام، ومورد هذه الحسنة إنَّما هو العاملون السَّاعون في جمع الصَّدقات.
أضف إلى ذلك: أنَّ إجراء هذا الخلاف بالدِّرهم والأقلّ والأكثر بالنِّسبة إلى عُمَّال الصَّدقات والمؤلَّفة والغارمين والرِّقاب ونحوهم ممَّا لا معنى له؛ لأنَّه من الظَّاهر المعلوم أنَّ هؤلاء ممَّا لا يقوم بحقوقهم واستحقاقهم الأضعاف المضاعفة ممَّا وقع الخلاف فيه.
والخلاصة إلى هنا: أنَّ القول الخامس هو الأقوى، والله العالم.
الأمر الثَّاني: يظهر من عبارة كثير من الأعلام أنَّ هذه التَّقديرات على نحو الوجوب، وهو ظاهر صحيحة أبي ولاَّد الحنَّاط، ورواية معاوية بن عمَّار وعبد الله بن بكير، ولكن ظاهر المصنِّف (رحمه الله) في البيان بل صريحه أنَّه على نحو الاستحباب، قال فيه: «والأقرب: أنَّ ذلك على سبيل النَّدب، ولو اجتمع جماعة وقصر الحاصل، فالبسط أفضل...».
كما أنَّ ظاهر العلاَّمة (رحمه الله) في جملة من كتبه بل صريحه أنَّه على نحو الاستحباب، حتَّى أنَّه قال في التَّذكرة بعد أن حكم بأنَّه يستحبّ أن لا يُعطى الفقير أقلّ ممَّا يجب في النِّصاب الأوَّل : «وما قلناه على سبيل الاستحباب لا الوجوب إجماعاً».
والإنصاف: أنَّ كلَّ مَنْ ذهب إلى القول بعدم التَّحديد وهو القول الخامس قال بالاستحباب، حملاً للأدلَّة المستدلّ بها على القول الخامس على الاستحباب جمعاً بين الأدلَّة، كما عرفت.
الأمر الثَّالث: ذهب كثير من الأعلام إلى التَّعدّي إلى غير النَّقدين، وذهب بعضهم إلى عدم التَّعدّي، قال في المسالك: «والتَّقدير بخمسة دراهم ونصف دينار يُؤذن بأنَّ ذلك مختصّ بزكاة النَّقدَيْن، فلا يتعدَّى الحكم الى غيرها وإن فرض فيها نصاب أوَّل وثان، وإلاَّ لزم وجوب إخراج القيمة أو استحبابه، ولا يقولون به، وقيل: يتعدّى، فلا يدفع للفقير أقلّ ممَّا في النِّصاب الأوَّل أو الثَّاني على حسبه، ويحتمل تقدير أقلّ ما يُعطى بمقدار زكاة النَّقدين عملاً بظاهر الخبر، فيُعتبر قيمة المخرج إن لم يكن من النَّقدَيْن بأحدهما، وهذا هو الأجود».
أقول: الأقوى: هو التَّعدّي، وإلاَّ كان ينبغي الاقتصار على ما يتعلَّق بنصاب الفضَّة فقط؛ لأنَّ الخمسة دراهم الواردة في الرواية إنَّما فُرضت في زكاة الفضَّة لا غير، ولم يرد فيما وصل إلينا في الرِّوايات ما يتعلَّق بنصاب الذَّهب.
وعليه، فكما أنَّ التّعدِّي إلى الذَّهب يحتاج إلى إلغاء خصوصيّة موضوعه كذلك التّعدِّي إلى الباقي يحتاج إلى إلغاء خصوصيّة موضوعه.
وبالجملة، فالتّعدِّي إلى الباقي يسهل بعد التّعدِّي إلى الذَّهب.
ثمَّ إنَّه بعد القول بالتّعدِّي يكون التَّقدير بلحاظ القيمة في النَّقدَيْن، أي لا يُعطى الفقير أقلّ من خمسة دراهم، سواء أكان الواجب أوَّلاً هي الخمسة دراهم أو كانت الخمسة قيمة للواجب منها، فإذا أراد إخراج زكاته بالدّرهم عن الأنعام أو الغلاَّت أو الذَّهب فأقلّه خمسة.
ولكنَّ الأحوط الأولى لحاظ ما يجب في النِّصاب الأوّل، أو الثَّاني، فلا يدفع إلى الفقير أقلّ من شاة من نصاب الإبل والغنم، ولا أقلّ من تبيع وتبيعة من نصاب البقر، ويُدفع مما له نصاب واحد وهو الغلات ما يجب أوَّلاً إذا بلغ النِّصاب، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو كان الوكيل في دفعها من أهل السِّهام، فالمرويّ: جواز أخذه منهم إلاَّ أن يعيّن له قوماً(1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه لو كان الوكيل في دفع الزَّكاة من أهل السِّهام فإنَّه يجوز له أن يأخذ كنصيب أحدهم ما لم يعلم التَّخصيص بغيره، كما لو قال له المالك: أعطِ الزَّكاة لجيرانك الفقراء أو لأصحابك، فإنَّ الوكيل غير مندرج فيهم.
وعليه، فلا يجوز له الأخذ لنفسه؛ لأنَّ المالك له الولاية على التَّطبيق على مَنْ شاء، ولا بدّ من اتِّباع نظره.
وأمَّا إذا لم يعيّن للزَّكاة مصرفاً خاصاً، وكان الوكيل من أهل السِّهام فيجوز له الأخذ على المشهور بين الأعلام، ومنهم الشَّيخ (رحمه الله) في النِّهاية، إلاَّ أنَّه قيده بقدر ما يُعطى غيره، وفي المبسوط منع من ذلك، وتبعه العلاَّمة (رحمه الله) في المختلف، ولكنَّه في المنتهى اختار الجواز بقدر ما يعطى غيره.
ومقتضى الإنصاف: جواز الأخذ بقدر ما يأخذ غيره.
وقدِ استدلّ للجواز بجملة من الرِّوايات:
منها: موثقة سعيد بن يسار «قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرَّجل يُعطى الزَّكاة، فيقسّمها في أصحابه، أيأخذ منها شيئاً؟ قال: نعم»([3]).
ومنها: حسنة الحسين بن عثمان عن أبي إبراهيم (عليه السلام) «في رجلٍ أُعطِي مالاً يُفرِّقه في مَنْ يحلّ له، أله أن يأخذ منه شيئاً لنفسه وإن لم يسمِّ له؟ قال: يأخذ منه لنفسه مثل ما يُعطي غيره»([4]).
ومنها: صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج «قال: سألتُ أبا الحسن (عليه السلام) عن الرَّجل يُعطي الرَّجل الدَّراهم يُقسّمها ويضعها في مواضعها وهو ممَّنْ تحلُّ له الصَّدقة، قال: لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يُعطي غيره، قال: ولا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسمّاة إلاَّ بإذنه»([5]).
([1]) الوسائل باب 28 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.
([2]) الوسائل باب 23 من أبواب المستحقين للزكاة ح3.
([3]) الوسائل باب 40 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.
([4]) الوسائل باب 40 من أبواب المستحقين للزكاة ح2.
([5]) الوسائل باب 40 من أبواب المستحقين للزكاة ح3.