الدرس 151 _اوصاف المستحقين للزكاة 26
وأمَّا مَنْ ذهب إلى المنع، فقد يستدلّ له ببعض الأدلَّة، أهمّها صحيحة عبد الرَّحمان الحجَّاج «قال: سألته عن رجل أعطاه رجل مالاً ليُقسِّمه في محاويج أو في مساكين، وهو محتاج، أيأخذ منه لنفسه ولا يعلمه؟ قال: لا يأخذ منه شيئاً حتَّى يأذن له صاحبه»([1]).
قال صاحب الحدائق (رحمه الله) في مباحث المكاسب: «وقد أسندها العلاّمة (رحمه الله) في التَّحرير إلى الصَّادق (عليه السلام)، كما نقله في المسالك، قال: وهو شهادة الاتصال، ولعله (رحمه الله) اطَّلع على المسؤول من محلٍّ آخر غير المشهور في كتب المحدِّثين، انتهى».
وبالجملة، فلا إشكال من حيث السَّند، وقد جمع الأعلام بين هذه الصَّحيحة وبين غيرها ممَّا تقدَّم بوجوه كثيرة أهمَّها حمل هذه الصَّحيحة على الكراهة.
ومَنْ أراد المزيد من التَّوضيح حول هذه المسألة، فَلْيُراجع ما ذكرناه في مبحث المكاسب عند قول المصنِّف (رحمه الله): «وفي جواز أخذها لنفسه رواية صحيحة، وعليها الأكثر...»([2]).
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويُكره إعادة الزَّكاة إلى ماله(1)
(1) في المدارك: «هذا الحكم مجمعٌ عليه بين الأصحاب، بل قال في المنتهى: إنَّه لا خلاف فيه بين العلماء، واستدلّ عليه بأنَّها طهارة للمال، فيكون شراء طهوره...».
وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، كما في المنتهى الاعتراف به، بل في المدارك: الإجماع عليه، وهو الحجة. مضافاً إلى أنَّه طهور لماله؛ لأنَّه وسخ فالرَّاجع فيه الراجع بقيئه...».
أقول: قدِ استدلّ على الكراهة مضافاً إلى التسالم بين الأعلام ببعض الرِّوايات:
منها: صحيحة منصور بن حازم «قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا تصدَّق الرَّجل بصدقه لم يحلّ له أن يشتريها ولا يستوهبها ولا يستردّها إلاَّ في ميراث»([3]).
ومنها: حسنته عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: إذا تصدَّقت بصدقةٍ لم ترجع إليك، ولم تشترِها، إلاَّ أن تورث»([4]).
والنَّهي الوارد في الرِّوايتَيْن محمولٌ على الكراهة للتَّسالم بينهم على جواز شرائها، بل قد يُقال: إنَّ المالك أحقُّ من غيره إذا أراده، وذلك لرواية محمَّد بن خالد «أنَّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصدقة إلى أن قال: فإذا أخرجها فَلْيقسِّمها فيمَنْ يريد، فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحقُّ بها، وإن لم يردها فَلْيبعها»([5])، وهي واضحة الدَّلالة، إلاَّ أنَّها ضعيفة بالإرسال، وإن عبَّر عنها بعض الأعلام بالصَّحيحة؛ وذلك لأنَّ محمَّد بن خالد الرَّاوي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ليس هو محمَّد بن خالد البرقيّ؛ لأنَّه لم يدرك الصَّادق (عليه السلام)، وإنَّما هو من أصحاب الإمام الكاظم والرِّضا والجواد (عليهم السَّلام جميعاً).
وعليه، فإمَّا أنّ هناك سقط، فتكون الرِّواية مرسلةً، أو يكون المراد من محمَّد بن خالد هو محمَّد بن خالد القسريّ الَّذي هو من أصحاب الصَّادق (عليه السلام)، ولكنَّه لم يوثق.
وعليه، فتكون الرِّواية ضعيفةً به.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو عادت بملك قهريّ، كالإرث، فلا بأس(1)
(1) أي لا كراهة، كما يُستفاد من صحيحة منصور بن حازم وحسنته المتقدِّمتَيْن، وكذا غيرهما من الرِّوايات.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وكذا لو اضطرَّ إليها(2)
(2) إذا حصل للمالك ضرر بشراء غيره جاز شراؤها وزالت الكراهة بالاتِّفاق، والله العالم.
كان الانتهاء منه عصر يوم الخميس في اليوم الثَّامن من شهر رجب المرجَّب سنة 1443هـ الموافق لليوم العاشر من شهر شباط سنة 2022 للميلاد؛ وذلك في ضاحية بيروت الجنوبيّة.
([1]) الوسائل باب 84 من أبواب ما يكتسب به ح3.
([2]) مسالك النفوس إلى مدارك الدروس، كتاب المكاسب ج2، ص55.
([3]) الوسائل باب 12 من أبواب الوقوف والصدقات ح1.
([4]) الوسائل باب 12 من أبواب الوقوف والصدقات ح5.
([5]) الوسائل باب 14 من أبواب زكاة الأنعام ح3.