الدرس 77 _زكاة الغلات الأربعة 15
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويضمُّ الزُّروع والثِّمار المتباعدة في النِّصاب، وإنِ اختلف في الاطِّلاع والإدراك(1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه إذا كان له نخيل أو زروع متباعدة يدرك بعضها قبل بعض أو يطلع بعضها قبل بعض كما في النَّخل؛ فإنَّه أوَّله طلع، ثمَّ خَلال، ثمَّ بَلَح، ثمَّ بُسر، ثمَّ رُطَب، ثمَّ تمر بمعنى أن يصير طلع في بعض النخل قبل البعض الآخر، فإنَّه يضمُّ الجميع، وكان حكمها حكم الثَّمرة في الموضع الواحد.
وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه؛ لإطلاق الأدلَّة وعمومها، بل في محكيّ التَّذكرة: وجوب ضمِّ بعض ثمر النَّخل والزَّرع إلى بعض، سواء طلع دفعةً، أو أدرك دفعةً، أو اختلف الأمران ممَّا أجمع عليه المسلمون...».
وقال العلاَّمة (رحمه الله) في المنتهى: «لو كان له نخلٌ يتفاوت إدراكه بالسُّرعة والبُطء بأن يكون في بلدَيْن مزاج أحدهما أسخن من الآخر، فتدرك الثَّمرة في الأسخن قبل إدراكها في الآخر فإنَّه يضمُّ الثَّمرتان إذا كانا لعام واحد، وإن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر، لأن اشتراك إدراك الثمار في الوقت الواحد متعذرٌ، وذلك يقضي إسقاط الزكاة غالباً ولا نعرف في هذا خلافاً...».
قال صاحب المدارك بعد نَقْله لكلام العلاَّمة (رحمه الله) في المنتهى: «ويُعْلم من ذلك أنَّ تسوية المصنِّف بين اطِّلاع الجميع دفعةً وإدراكه دفعةً واختلاف الأمرين، بيانٌ للواقع لا ردٌّ على مخالِف، كما ذكره جدِّي (قد) في بعض حواشيه».
أقول: لا إشكال في أصل الضَّمّ؛ للتَّسالم بينهم قديماً وحديثاً، مضافاً إلى إطلاق الأدلَّة الشامل لهذه الصُّورة بلا كلام.
وعليه، فإذا بلغ ما أدرك منها نصاباً أخذت الزَّكاة منه، ثمَّ تُؤخَذ من الباقي قلَّ أو كثر، وإن كان الذي أدرك أوَّلاً أو اطّلع أوَّلاً أقلّ من النِّصاب يُنتَظر به حتَّى يدرك الآخر، ويتعلَّق به الوجوب، فيكمل منه النِّصاب، ويُؤخَذ من المجموع، وهذا لا كلام فيه.
وإنَّما الكلام في أنَّه هل يُعتبر في الانضمام اجتماع النِّصاب في الملك في زمان واحد، أم يكفي ولو خرج السَّابق عن ملكه بتلف أو إتلاف قبل بلوغ اللاَّحق، فلو تفاوتت في الإدراك والاطّلاع بفاصل شهرٍ أو أقل أو أكثر، وكان الذي أدرك أوَّلاً أو اطّلع أوَّلاً دون النِّصاب فأخرجه عن ملكه ببيع أو هبة أو إتلاف، ونحو ذلك، فهل ينضمُّ إلى النِّتاج المتأخِّر ويتشكَّل منهما النِّصاب أم لا؟
فيه ثلاثة أقوال:
الأوَّل: ما ذهب إليه صاحب الجواهر (رحمه الله) ومال إليه السيد الحكيم (رحمه الله) في المستمسك، واختاره بعض الأعلام من اعتبار بقاء النَّاقص في ملكه، وعدم إخراجه عن ملكه ببيع أو إتلاف، ونحو ذلك، إلى أن يُدرك ما يكمل به النصاب في وجوب الزَّكاة.
قال في الجواهر: «نعم، يُعتبر بقاء النَّاقص عن النصاب على اجتماع شرائط الزَّكاة من المالكيَّة، ونحوها، إلى أن يدرك ما يكمله كذلك، كما هو واضح».
القول الثَّاني: ما ذهب إليه المحقِّق الهمداني (رحمه الله) من التَّفصيل بين ما لو خرج السَّابق عن مُلْكه باختياره أو بغير اختياره، فإن كان باختياره فإنَّه يضمُّ السَّابق إلى اللاَّحق، وإن كان بغير اختياره، كما لو سرق السَّابق أو غُصِب أو تلف بآفة سماويَّة، فإنَّه لا يضمُّ حينئذٍ.
قال المحقِّق الهمداني (رحمه الله) بعد أن ذَكَر دليل المشهور : «إنَّ مقتضى إطلاقهما أي النصوص والفتاوى أنَّه متى بلغ نماء زروعه وثمرة نخيله وكرومه بعد إخراج حصَّة السُّلطان وإندار مؤونتها خمسة أوسُق فما زاد يجب فيها الزَّكاة، سواء أدرك الجميع دفعةً أو تدريجاً في ملكه حتّى يكمل النِّصاب، أو باعه شيئاً فشيئاً، أو أكله كذلك، أو غير ذلك من التصرُّفات النَّاشئة عن اختياره الغير المنافية لصِدْق أنَّه بلغ ما حصل في يده في هذه السَّنة من نماء زرعه أو ثمرة نخيله خمسة أوسُق فما زاد إلى أن قال: نعم لو خرج عن ملكه قهراً على التَدريج بأن غُصِب شيئاً فشيئاً، أو تلف بآفة سماويَّة كذلك، اتَّجه القول بنفي الزَّكاة، لنقص ملكيَّته حال تعلُّق الوجوب...».
القول الثَّالث: ما ذهب إليه السَّيِّد أبو القاسم الخوئيّ (رحمه الله) وجماعة من طلابه الأحياء منهم والأموات، وهو الضَّمّ مطلقاً، سواء كان زوال ملكه السَّابق باختياره أو بغير اختياره.
وقد يستدلُّ لهذا القول: بأنَّ مقتضى إطلاق الرِّوايات أنَّه متى بلغ نماء زرعه وثمرة نخله وكرمه بعد إخراج حصَّة السُّلطان وإخراج المؤونة حدّ النِّصاب وجبتِ الزَّكاة، سواء بقيت على ملكه أم باعه شيئاً فشيئاً أو أكله كذلك، ومن المعلوم أنَّ كثيراً من الثِّمار يكون حصوله تدريجيًّا لا دفعياً.
وبالجملة، فإنَّ مقتضى الإطلاق وجوب الزَّكاة إذا بلغ النِّصاب، سواء بقيت على الملك أم لا.
وأمَّا دعوى انصراف الأدلَّة إلى إرادة الاجتماع في الملكيَّة في زمانٍ واحدٍ، فلا دليل عليها، فلو خرج البعض عن المُلك لصَدَقَ أنَّه بلغ ما حصل في يده في هذه السَّنة من نماء الزَّرع وثمرة النَّخل حدَّ النِّصاب.
ومنه يُعلَم أنَّ ما ذهب إليه المحقِّق الهمداني (رحمه الله) من التفصيل لا دليل عليه، بل مقتضى إطلاق الرِّوايات عدم الفرق بين خروج البعض عن الملك بسبب اختياريٍّ أو قهريٍّ.
وبعبارة أخرى: فإنَّ بعض النِّصاب، وإن خرج عن ملكه قبل تعلُّق الوجوب، إلاَّ أنَّه بحكم الباقي عنده في كونه مشمولاً لإطلاق الأدلَّة، بلا فرق بين كون الخروج عن الملك بالاختيار أم بغيره.
ولكنَّ الإنصاف: أنَّ مقتضى الرِّوايات، وإن كان كذلك، إلاَّ أنَّك عرفت سابقاً أنَّه يُشترط في وجوب الزَّكاة التمكُّن من التصرُّف، وإلاَّ فلا تجب، والفرض أنّه بخروج البعض عن ملكه لا يكون قادراً على التصرُّف في تمام النِّصاب، وهذا لا فرق فيه بين كون الخروج باختياره أم بغيره.
والنَّتيجة: أنَّ ما ذهب إليه صاحب الجواهر (رحمه الله) هو الصَّحيح عندنا.