الدرس 60 _زكاة النقدين 6
وفي مفتاح الكرامة: «أمَّا كون الدِّرْهم ستَّة دوانىق، فقد صرَّح به في المقنعة والنِّهاىة والمبسوط والخلاف وما تأخَّر عنها، بل ظاهر الخلاف أنَّ علىه إجماع الأمَّة، وظاهر المنتهى في الفطرة الإجماع علىه، وفي المدارك: أنَّه نقله الخاصَّة والعامَّة، ونصَّ علىه جماعة من أهل اللُّغة، وفي المفاتىح: أنَّه وفاقيٌّ عند الخاصَّة والعامَّة، وفي الرِّىاض: أنَّه لم ىجد فىه خلافاً بىن الأصحاب، وأنَّه عزاه جماعة منهم إلى الخاصَّة العامَّة وعلمائهم، مؤذنون بكونه مُجمعاً علىه عندهم.
وأمَّا كون وزن الدَّانق ثماني حبَّات من أوسط حبِّ الشَّعىر، فقد صرَّح به المفىد وجمهور مَنْ تأخَّر عنه، وفي المفاتىح: أنَّه لا خلاف فىه منَّا.
وقال العلاَّمة المجلسيُّ على ما حُكِي عنه في رسالته في تحقىق الأوزان: أنَّه متَّفقٌ علىه بىنهم، وأنَّه صرَّح به علماء الفرىقَىْن، ومثله قال صاحب الحدائق. وفي المدارك: قطع به الأصحاب، وفي المنتهى: نسبته إلى علمائنا.
وأمَّا كون كلِّ عشرة دراهم سبعة مثاقىل، فظاهر الخلاف إجماع الأمَّة علىه، وفي رسالة المجلسيِّ: أنَّه ممَّا لا شكَّ فىه، وممَّا اتَّفقت علىه العامَّة والخاصَّة، وقال أىضاً: إنَّ ممَّا لا شكَّ فىه أنَّ المثقال الشَّرعيِّ ثلاثة أرباع الصَّىرفيّ، فالصَّىرفي مثقال وثلث من الشَّرعيِّ».
ثمَّ قال: «وأمَّا كون المثاقىل لم تختلف في جاهلىَّة ولا إسلام عمَّا هي علىه الآن، ففي الحدائق: أنَّه صرَّح به علماء الطرفىن، وقد نقل ذلك عن الرَّافعيِّ في شرح الوجىز، قلتُ: وهو الموجود في شرحه الآخر للىمني، وبه صرَّح المصنِّف في النِّهاىة، والشَّهىد في البىان، والمحقّق الثاني على ما حكي، وىستفاد ذلك من قولهم: الدِّرْهم ستَّة دوانىق والدَّانق ثمان حبَّات من أوسط حبّ الشَّعىر، فحىث علم الدِّرهم، وعلم نسبته إلى المثقال، علم المثقال»، انتهى كلام مفتاح الكرامة.
وفي الحدائق: «لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)، وغيرهم أيضاً أنَّ الدَّنانير لم يتغيَّر وزنها عمَّا هي عليه الآن في جاهليَّة ولا إسلام، صرَّح بذلك جملة من علماء الطَّرفين. قال شيخنا العلاَّمة (أجزل الله إكرامه) في النِّهاية: والدَّنانير لم يختلف المثقال منها في جاهليَّة ولا إسلام، وكذا نقل عن الرَّافعي في شرح الوجيز أنَّه قال: المثقال لم يختلف في جاهليَّة ولا إسلام. والدِّينار مثقال شرعيٌّ، فهما متَّحدان وزناً، فلذا يعبَّر في أخبار الزَّكاة تارةً بالدِّينار، وتارةً بالمثقال.
وأمَّا الدَّراهم فقد ذكر علماء الفريقَيْن أيضاً أنَّها كانت في زمن النَّبيّ (ص) سابقاً، كما كانت قبل زمانه بغليَّة، وكان وزن الدِّرْهم منها ثمانية دوانيق، وطبريَّة وزن الدِّرهم منها أربعة دوانيق، وهكذا بعده (ص) إلى زمن بني أميَّة، فجمعوا الدِّرهمَيْن وقسَّموهما نصفَيْن كلّ درهمٍ ستَّة دوانيق، واستقرَّ أمر الإسلام على ذلك.
قال شيخنا الشَّهيد في كتاب الذِّكرى نقلاً عن ابن دريد: أنَّ الدِّرْهم الوافي هو البغْليُّ بإسكان الغين منسوب إلى رأس البغل، ضربه الثَّاني في خلافته بسكَّة كسرويَّة، ووزنه ثمانية دوانيق، قال: والبغليَّة كانت تسمَّى قبل الإسلام بالكسرويَّة، فحدث لها هذا الاسم في الإسلام، والوزن بحاله، وجرت في المعاملة مع الطَّبريَّة، وهي أربعة دوانيق، فلمَّا كان زمن عبد الملك جمع بينهما واتَّخذ الدِّرهم منهما، واستقرَّ أمر الإسلام على ستة دوانيق»، انتهى كلام صاحب الحدائق (رحمه الله).
أقول: إنَّ الدِّينار بنفسه شيءٌ معيَّنٌ وزنه مضبوط لم يتغيَّر في جاهليَّة ولا إسلام إلى هذه الأعصار المتأخِّرة في كثير من بلاد المسلمين، وهو مثقالٌ شرعيٌّ، الَّذي هو ثلاثة أرباع المثقال الصَّيرفي، والمثقال الصَّيرفي في أربع وعشرون حمّصة بالحمّصة المتعارفة.
ومن هنا تعرف أنَّ ما اشتُهر بين المسلمين في ضبط مقدار الدِّينار بما عرفت، والدِّرْهم بنصف المثقال الصَّيرفي وخُمُسه هو مأخوذ من أسلافهم يداً بيد، خصوصاً بعد الالتفات إلى بقاء عين الدَّراهم الدَّنانير المتعارفة في تلك الأعصار إلى الأعصار المتأخِّرة.
وأمَّا ما ذكروه من تحديد الدِّرهم بستَّة دوانيق، والدَّانق بثمان حبَّات من أوسط حبِّ الشَّعير، فهو تحديدٌ تقريبيٌّ، وإلاَّ فهذا التَّحديد في الواقع فيه اختلاف كبير حتى بالنَّسبة إلى صنف واحد من الشَّعير في مكان خاصٍّ، فضلاً عن البلاد المختلفة في الأماكن المتعدِّدة.
ومن هنا قال في الحدائق بعد أن نقل عن علماء الفريقَيْن التَّصريح بأنَّ الدِّرهم ستَّة دوانيق، وأنَّ كلَّ دانقٍ ثمان حبات : «إلاَّ أنَّا قدِ اعتبرنا ذلك بالشَّعير الموجود في زماننا لأجل استعلام كميَّة صاع الفطرة بصنج البحرين، فوجدنا في ذلك نقصاناً فاحشاً عن الاعتبار بالمثاقيل الشرعيَّة، وهي الدَّنانير، والظَّاهر أنَّ حبَّات الشَّعير المتعارفة سابقاً كانت أعظم حجماً، وأثقل وزناً من الموجود في زماننا».
أقول: وممَّا يؤيِّد أنَّ تحديد الدَّانق بثمان حبَّات من أوسط حبِّ الشَّعير هو تحديد تقريبيٌّ: ما ورد من تحديد الدَّانق باثنتي عشرة حبَّة من أوسط حبِّ الشَّعير في رواية سليمان بن حفص المروزيّ «قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام): الغسل بصاعٍ من ماء، والوضوء بمُدٍّ من ماء، وصاع النَّبيّ (ص) خمسة أمداد، والمدُّ وزن مائتَيْن وثمانين درهماً، والدِّرهم وزن ستَّة دوانيق، والدَّانق وزن ستِّ حبَّات، والحبَّة وزن حبّتي شعير من أوسط الحبِّ، لا من صغاره ولا من كبائره»([1])، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، وبجهالة سليمان بن حفص المروزي.
([1]) الوسائل باب 50 من أبواب الوضوء ح3.