الدرس 10 _ما يجب فيه الزكاة 6
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويجوز للوليِّ المَليِّ اقتراضُ مال الطِّفل، فلوِ اتَّجر به استُحبَّت الزَّكاة عليه(1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه يجوز للوليِّ المَليِّ الاقتراض من مال الطِّفل.
وعليه، فيكون الرِّبح للوليِّ؛ لأنَّ المال بالاقتراض انتقل إلى مُلْكه، وتستحبُّ الزَّكاة عليه؛ لأنَّه كغيره من أموال التِّجارة التي تستحبُّ فيها الزَّكاة.
ثمَّ إنَّ المراد بالمَليِّ الملاءة كونه قادراً على أداء ما اقترضه من مال الطِّفل لو تلف، وأدنى ما به يتحقَّق ذلك أن يكون له مال محفوظ عنده غير محتاج إلى صرفه في مؤونته، باقياً عنده ما دام مديوناً للطِّفل، محيطاً بمال الطِّفل إنْ تلف.
إذا عرفت ذلك، فيقع الكلام في أمرَيْن:
الأوَّل: هل يعتبر في الاستقراض من مال الطِّفل أن يكون فيه مصلحة للطِّفل، أم لا؟
الثَّاني: هل يعتبر في الاستقراض الملاءة، أي أنْ يكون الوليُّ واجداً لمقدار مِنَ المال يتمكَّن معه من وفاء دينه على تقدير تلف المال الذي استقرضه مِنَ الطِّفل؟
أمَّا الأمر الأوَّل: فقد ذكر الشَّيخ الأنصاري (رحمه الله): «أنَّ المعروف بين الأعلام أنَّه لا يشترط أن يكون فيه مصلحة للطِّفل...».
أقول: حكي عن الحِلِّي (رحمه الله) في السَّرائر أنَّه قال: «لا يجوز للوليِّ التَّصرُّف في مال الطِّفل، إلاَّ بما يكون فيه صلاح المال، ويعود نفعه إلى الطِّفل دون المتصرِّف فيه، وهذا الذي يقتضيه أصول المذهب».
وعن المبسوط قال: «ومَنْ يلي أمر الصَّغير والمجنون خمسة: الأب، والجدُّ، ووصيُّ الأب والجدِّ، والإمام (عليه السلام)، ومن يأمره الإمام ثم قال: في كلِّ هؤلاء الخمسة لا يصحُّ تصرُّفهم إلاَّ على وجه الاحتياط والحظِّ للصَّغير؛ لأنَّهم إنَّما نُصِّبوا لذلك، فإذا تصرَّف فيه على وجهٍ لا حظَّ فيه كان باطلاً؛ لأنَّه خلاف ما نصب إليه».
والإنصاف: أنَّه لا يشترط في جواز التَّصرف في مال الطِّفل أن تكون هناك مصلحة في التَّصرُّف، بل يكفي عدم المفسدة؛ وذلك لجملة مِنَ الرِّوايات دلَّت على جواز اقتراض الوليِّ من ماله، ولم تشترط فيه مراعاة المصلحة في التَّصرُّف:
منها: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجلٍ وَليَ مالَ يتيمٍ أَيَسْتقرضُ منه؟ فقال: إنَّ عليَّ بنَ الحسينِ (عليه السلام) قَدْ كانَ يستقرضُ مِنْ مالِ أيتامٍ كانوا في حِجْرِه فَلَاْ بَأْسَ بِذَلِك»([1]).
ونحوها روايته الأخرى([2])، إلاَّ أنَّها ضعيفة بعدم وثاقة معلَّى بن محمَّد، ومثلها رواية أبي الرَّبيع([3])، ولكنَّها ضعيفة بجهالة أبي الرَّبيع.
ومنها: رواية منصور الصَّيقل «قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) عَنْ مَالِ الْيَتِيمِ يُعْمَلُ بِهِ؟ قَالَ: فَقَالَ: إِذَا كَانَ عِنْدَكَ مَالٌ، وَضَمِنْتَهُ، فَلَكَ الرِّبْحُ، وَأَنْتَ ضَامِنٌ لِلْمَالِ؛ وَإِنْ كَانَ لَا مَالَ لَكَ، وَعَمِلْتَ بِهِ، فَالرِّبْحُ لِلْغُلَامِ، وَأَنْتَ ضَامِنٌ لِلْمَالِ»([4]).
والمراد من قوله (عليه السلام): «وَضَمِنْتَهُ»، أي اقترضته؛ والمراد من قوله «وَأَنْتَ ضَامِنٌ لِلْمَالِ»، أي يلزمك مثله أو قيمته معَ التَّلف.
ولكنَّ الرِّواية ضعيفة؛ لعدم وثاقة منصور الصَّيقل، وعدم كونه ممدوحاً مدحاً معتدّاً به.
والخلاصة إلى هنا: أنَّ مقتضى الصِّناعة العلميَّة جواز اقتراض الوليِّ من مال الطِّفل، وإن لم يكن في التَّصرُّف مصلحة له.
نعم، الأحوط استحباباً ترك الاقتراض إذا لم يكن فيه مراعاة مصلحة اليتيم، ولو بملاحظة وقوعه عوض ما يستحقه من الأجرة بالقيام بمصالحه، وحفظ أمواله.
وأمَّا الأمر الثَّاني: المعروف بين الأعلام بل لعلَّه متسالم عليه أنَّه يشترط في جواز الاقتراض من ماله أن يكون الوليُّ مَليّاً.
وأمَّا مع عدم الملاءة فلا يجوز؛ لأنَّه في معرض المخاطرة بماله، وإن كان الوليُّ حال الاقتراض واثقاً من نفسه بالأداء، وعازماً على الوفاء، ولو ببيع داره مثلاً، فإنَّ هذا لا يخرجه عن كونه من حيث هو تغريراً بالمال.
ويدل عليه مضافاً إلى ذلك جملة من الروايات: منها: رواية منصور الصيقل المتقدمة، وقد عرفت أنّها ضعيفة.
ومنها: رواية أسباط بن سالم «قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): كَانَ لِي أَخٌ هَلَكَ، فَأَوْصى إِلى أَخٍ أَكْبَرَ مِنِّي، وَأَدْخَلَنِي مَعَهُ فِي الْوَصِيَّةِ، وَتَرَكَ ابْناً لَهُ صَغِيراً وَلَهُ مَالٌ، أَفَيَضْرِبُ بِهِ أَخِي، فَمَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ سَلَّمَهُ لِلْيَتِيمِ، وَضَمِنَ لَهُ مَالَهُ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ لِأَخِيكَ مَالٌ يُحِيطُ بِمَالِ الْيَتِيمِ إِنْ تَلِفَ فَلَا بأس به، وإن لم يكن له مال فَلَا يَعْرُضْ لِمَالِ الْيَتِيمِ»([5])، وهي ضعيفة بعدم وثاقة أسباط بن سالم.
ومنها: حسنة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في مال اليتيم قَاْلَ: العاملُ بِهِ ضَاْمِنٌ، ولليتيمِ الرِّبحُ إِذَا لم يَكُنْ للعَامِلِ مَاْلٌ، وَقَاْلَ: إنْ عُطِبَ أدَّاْه»([6]).
ويفهم من قوله: «لليتيمِ الرِّبحُ إِذَا لم يَكُنْ للعَامِلِ مَاْلٌ»، أنَّ المراد من أنَّ العامل به ضامن، أي المقترض إذا كان ملياً، وإلاَّ كان القرض فاسداً، وكانت التِّجارة بمال اليتيم لليتيم، والرِّبح له، وليس للمقترض.
ومنها: رواية ربعي بن عبد الله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَالَ: فِي رَجُلٍ عِنْدَهُ مَالُ الْيَتِيمِ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ مُحْتَاجاً، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ، فَلَا يَمَسَّ مَالَهُ؛ وَإِنْ هُوَ اتَّجَرَ بِهِ، فَالرِّبْحُ لِلْيَتِيمِ وَهُوَ ضَامِنٌ»([7])، وهي ضعيفة؛ لأنَّ محمَّد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكُلَيْني ليس هو ابن بزيع، بل الظَّاهر أنَّه البندقي النَّيشابوري المجهول.
ومنها: رواية أسباط بن سالم الثانية «قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام)، فَقُلْتُ: أَخِي أَمَرَنِي أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ مَالِ اليَتِيم فِي حَجْرِهِ، يَتَّجِرُ بِهِ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ لِأَخِيكَ مَالٌ يُحِيطُ بِمَالِ الْيَتِيمِ إِنْ تَلِفَ، أَوْ أَصَابَهُ شَيْءٌ غَرِمَهُ لَهُ، وَإِلاَّ فَلَا يَتَعَرَّضْ لِمَالِ الْيَتِيمِ»([8])، وهي ضعيفة أيضاً بسهل بن زياد، وبعدم وثاقة أسباط بن سالم.
والخلاصة إلى هنا: أنَّه لا إشكال في اشتراط الملاءة في الاقتراض من مال الطِّفل.
نعم، لا يعتبر اليقين بوجود مال له لو تلف مال الطِّفل، بل يكفي الاطمئنان العادي بذلك.
بقي شيء في المقام، وهو ما ذكره صاحب المدارك (رحمه الله)، حيث قال: «واستثنى المتأخِّرون مِنَ الوليِّ الذي تعتبر ملاءته: الأب والجدِّ، فسوَّغوا لهما اقتراض مال الطِّفل مَعَ العُسْر واليسر، وهو مشكل»، وفي الحدائق : «واستثنى الأصحاب من غير خلاف يُعْرف مِنَ الوليِّ الذي يشترط في جواز تصرُّفه الملاءة أنْ لا يكون أباً أو جدّاً، فجوَّزوا لهما الاقتراض من مال الطِّفل مطلقاً...».
أقول: مقتضى الإنصاف هو عدم صحة هذا الكلام، إذ لا دليل على هذا الاستثناء في الرِّوايات، إلاَّ بعض الأمور التي لا ترقى إلى مستوى الدَّليل، فالإعراض عنها أَوْلى، والله العالم.
([1]) الوسائل باب 76 من أبواب ما يكتسب به ح1.
([2]) الوسائل باب 76 من أبواب ما يكتسب به ذيل ح1.
([3]) الوسائل باب 76 من أبواب ما يكتسب به ذيل ح1.
([4]) الوسائل باب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة ح7.
([5]) الوسائل باب 75 من أبواب ما يكتسب به ح1.
([6]) الوسائل باب 75 من أبواب ما يكتسب به ح2.
([7]) الوسائل باب 75 من أبواب ما يكتسب به ح3.
([8]) الوسائل باب 75 من أبواب ما يكتسب به ح4.