الدرس 40 _زكاة الأنعام 12
الأمر الثَّاني: المعروف بين الأعلام أنَّه تجب الزَّكاة في النِّصاب المجتمع مِنَ المعز والضَّأن، وكذا مِنَ البقر والجواميس، وكذا مِنَ الإبل العِرَاب والبُخَاتي.
وفي الجواهر: «بلا خلاف، بل الإجماع بقسمَيْه عليه، لكون الجميع من جنس واحد هنا، ولتعليق الزَّكاة على اسم الإبل والبقر والغنم الشَّامل للجميع...».
أقول: لا إشكال فيما ذُكِر، وإنَّما الكلام بين الأعلام في أنَّ المالك هل هو مخيَّر في إخراج الفريضة من أيِّ الصِّنفَيْن شاء، سواء إختلفت القِيَم أم تساوت، كما هو ظاهر المتأخِّرين ومتأخِّري المتأخِّرين، أم أنَّه يجب التَّقسيط والأخذ من كلٍّ بقسطه، مع تفاوت القِيَم على معنى إخراج فريضة قيمتها مقسَّطة على الصِّنفَيْن على النِّسبة، كما هو خِيَرة العلاَّمة في جملة من كتبه، والمصنِّف هنا، والشَّهيد الثَّاني، والمحقِّق الكركي، وأبي العبَّاس، والصَّمَيري (رحمهم الله جميعاً)، ومحكيِّ المبسوط، وغيرهم ممَّن نُسِب إليهم هذا القول.
واستُدلَّ لهذا القول: بأنَّه مقتضى قاعدة الشَّركة، فلو كان عنده عشرون بقرةً، وعشرون جاموسةً، وقيمة المُسنَّة من أحدهما اثنا عشر، ومن الآخر خمسة عشر، أخرج مسنَّةً من أيِّ الصِّنفين شاء، قيمتها ثلاثة عشر ونصف التي هي مجموع نصفي القِيمتَيْن.
وفيه: أنَّ القاعدة المذكورة لا تقتضي ذلك، وإنَّما الَّذي يقتضي ذلك أن تكون الزَّكاة هي الجزء المشاع على الإشاعة الحقيقيَّة في جميع أفراد النِّصاب، بمعنى أنَّ تكون جزءاً من أربعين جزءاً من أربعين شاةً مِنَ النِّصاب الأوَّل في الغنم.
ولكن سيتضح لك إن شاء الله قريباً أنَّ الزَّكاة متعلِّقة بالعين على نحو الشَّركة في الماليَّة، لا على نحو الإشاعة الحقيقيَّة.
وعليه، فقضيَّة إطلاق المُسنَّة في نصاب البقر كفاية إخراج مسمَّاها من أيِ الصِّنفَيْن شاء، فإخراج مسمَّى الفريضة على ما يقتضيه إطلاق دليلها مجزئ على كلِّ تقدير، بل ليس النِّصاب المجتمع مِنَ الصِّنفَيْن إلاَّ كالنِّصاب مِنَ الصِّنف الواحد المختلفة أفراده بالجودة، فإنَّه لا إشكال في عدم التَّقسيط فيه؛ ضرورة غلبة الاختلاف جدّاً، فلوِ احتيج إلى تقويم كلِّ واحد من أفراد النِّصاب لزم الهَرْج والمَرْج، والمعلوم من سيرة الأئمَّة (عليهم السلام) عدمهما.
وكذا ما نحن فيه؛ ضرورة عدم الفرق بين اختلاف القيمة في النِّصف المتعدِّد بعد الاتِّحاد في الجنس الَّذي هو مورد خطاب الزَّكاة، وصِدْق اسم الفريضة على كلِّ واحد مِنَ الفردَيْن.
وقدِ اتِّضح ممَّا ذكرنا أنَّه يجزئ عن نِصَاب كلٍّ مِنَ الصِّنفَيْن فرد مِنَ الصِّنف الآخر، فيجزئ عن نِصَاب الضَّأن ثني مِنَ المعز، وعن نِصَاب المعز جَذْع مِنَ الضَّأن، وهكذا.
وأمَّا دعوى انصراف إطلاق الفريضة فيما إذا لم تكن من غير الجنس إلى واحدة من صنف النِّصاب الموجود عنده المتعلِّق به الزَّكاة، فإن كان جميع النِّصاب مِنَ الجاموس فتَبِيع منه، وإن كان الجميع مِنَ البقر فتَبِيع منه، وكذا إن كان الجميع مِنَ الضَّأن فواحدة منه، أو مِنَ المعز فكذلك، وهكذا بالنِّسبة إذا كان جميع النِّصاب مِنَ العِرَاب أو البُّخاتي، فعهدتها على مدَّعيها؛ إذ هذا الانصراف يزول بالتأمُّل، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والشَّنَق ما بين النُّصُب، ولا زكاة فيه. ولو تلف بعد الحَوْل لم يسقط مِنَ الفريضة شيء، وكذا الوَقَص في البقر، والعفو في الغنم(1)
(1) قدِ اصطلح الفقهاء على تسمية ما لا تتعلَّق به الفريضة مِنَ الإبل شَنَقاً، ومِنَ البقر وَقَصاً، ومِنَ الغنم عفواً، ومعناه في الكلِّ واحد، وهو إرادة غير النِّصاب منه.
وفي المدارك: «والمستفاد من كلام أهل اللُّغة أنَّ الشَّنَق بفتح الشِّين المعجمة والنُّون والوَقَص بفتح القاف : لفظان مترادفان، قال في القاموس: الشَّنَق محرَّكة ما بين الفريضتَيْن في الزَّكاة، ففي الغنم ما بين أربعين ومائة وعشرين، وقِسْ في غيرها، وقال أيضاً: الوَقَص بالتحريك : واحد الأوقاص في الصَّدقة، وهو ما بين الفريضتَيْن، ونحوه قال الجوهري في الصِّحاح، وقال ابن الأثير في النِّهاية: الشَّنَق بالتحريك : ما بين الفريضتين من كلِّ ما تجب فيه الزَّكاة».
وعليه، فالتِّسع مِنَ الإبل نِصَاب وشَنَق، فالنِّصاب خمس والشَّنَق أربع.
وقد ذهب الأعلام إلى أنَّه لو تلفتِ الأربع لم يسقط مِنَ الفريضة شيء، سواء أكان التَّلف قبل تعلُّق الوجوب أم بعده:
أمَّا الأوَّل: فواضح؛ لحصول النِّصاب الَّذي هو سبب الوجوب بدونها.
وكذا الثَّاني: إذ لا وجه لسقوط شيء مِنَ الفريضة بعد تحقُّق الوجوب ما دام محلّه باقياً.
وكذا التِّسعة والثَّلاثون مِنَ البقر فإنَّها نِصَاب، ووَقَص، فالفريضة في الثَّلاثين والزَّائد وَقَص حتَّى يبلغ الأربعين، وكذا مائة وعشرون مِنَ الغنم، فإنَّ نِصَابها أربعون والفريضة فيه وعفوها ما زاد حتَّى تبلغ مائة وإحدى وعشرون، وكذا ما بين النُّصُب التي ذكرنا بعضها.
وسنذكر إن شاء الله تعالى البعض الآخر، وإذا تلف الوَقَص والعفو لا ينقص مِنَ الفريضة شيء، سواء أكان التَّلف قبل تعلُّق الوجوب أم بعده؛ لِمَا عرفت في الشَّنَق.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وللبقر نِصَابان: ثلاثون، وفيه تَبِيع أو تَبِيعة دخل في الثَّانية. وأربعون، وفيه مُسنَّة دخلت في الثالثة(1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّ في البقر نصابَيْن:
ثلاثون، وفيه تَبِيع أو تَبِيعة على المشهور.
وأربعون وفيه مُسنَّة.
ولا يخفى عليك أنَّه ليس المراد أنَّ الثَّلاثين ينحصر في النِّصَاب الأوَّل، والأربعين في الثَّاني، بل إنَّ هذا نصابها دائماً، بمعنى أنَّ الأعداد متى تضاعفت وارتفعت، فإنَّه يعدّ النِّصاب بالثَّلاثين والأربعين.
وعليه، فلا حاجة إلى جعل النُّصُب فيها ثلاثاً: شخصيين، وهما الثَّلاثون والأربعون وكلِّياً، وهو كلُّ ثلاثين وكلُّ أربعين، كما عن بعضهم.
وقدِ اتَّفق الأعلام قديماً وحديثاً على عدم الزَّكاة في الأنقص مِنَ الثَّلاثين، وعلى عدمها أيضاً في الزَّائد على الثَّلاثين حتَّى تبلغ الأربعين.
ثمَّ إنه قدِ اختلف الأعلام في المُخرَج في النِّصاب الأوَّل، هل هو مخيَّر بين التَّبِيع والتَّبِيعة، أو أنَّه يتعيَّن أن يكون المُخرَج هو التَّبيع؟
المشهور بين الأعلام هو التَّخيير بينهما، قال العلاَّمة (رحمه الله) في المختلف: «المشهور أنَّ في ثلاثين مِنَ البقر تَبِيعاً أو تَبِيعة اختاره الشَّيخان، وابن الجنيد والسَّيد المرتضى وسلاَّر وباقي المتأخِّرين...»، وقال في المنتهى: «لا خلاف في إجزاء التبيعة عن الثلاثين؛ للأحاديث، ولأنها أفضل بالدرّ والنَّسل...»، وفي المدارك بعد قول المحقِّق في الشَّرائع: «في كلِّ ثلاثين مِنَ البقر تَبِيع أو تَبِيعة» : «هذا قول العلماء كافَّةً...».