الدرس 25 _ما يشترط في وجوب الزكاة 14
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وكذا لو تلف قبل الإسلام(1)
ذكر المصنِّف (رحمه الله) هنا، وكذا في البيان، والعلامة (رحمه الله) في التذكرة، أنَّه إذا تلفتِ العَيْن قبل الإسلام، فلا يجب عليه الضَّمان، وإن أهمل؛ وذلك لعدم صحَّة الأداء منه، وبالتالي فهو غير متمكِّن مِنَ الأداء، فالتَّلف معه غير مقتضٍ للضَّمان.
ولكن قال صاحب المدارك (رحمه الله): «هذا الحكم مشكل أيضاً؛ لعدم وضوح مأخذه، وقال الشَّارح (قد): إنَّ الحكم بعدم الضَّمان مَعَ التَّلف لا تظهر فائدته مع إسلامه؛ لما عرفت من أنَّها تسقط عنه، وإن بقي المال، بل إنَّما تظهر فائدة التَّلف فيما لو أراد الإمام أو السَّاعي أَخْذ الزَّكاة منه قهراً، فإنَّه يشترط فيه بقاء النِّصاب، فلو وجده قد أتلفه لم يضمنه الزَّكاة، وإن كان بتفريطه. ولم أقف على دليل يدلُّ على اعتبار هذا الشَّرط» انتهى كلام صاحب المدارك (رحمه الله).
والإنصاف: أنَّ التَّمكُّن مِنَ الأداء شرط للضَّمان بالتَّلف، لا بالإتلاف، فإنَّ الضَّمان بالإتلاف ليس مشروطاً بالتَّمكُّن مِنَ الأداء، إذ لا دليل عليه.
بل قد يقال: إنَّ الكافر متمكِّن مِنَ الأداء بالإسلام قبل وقت التَّعلُّق.
اللَّهمَّ إلاَّ أن يقال: إنَّ التَّمكٌّن المستند إلى ما قبل التَّعلُّق لا ينفع في الضَّمان المشروط فيه التَّمكّن بعد التَّعلٌّق وتحقُّق جميع الشَّرائط.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: أو بعده ولم يحل الحَوْل(1)
(1) مِنَ المعلوم أنَّه بعد الإسلام لا بدَّ مِنِ استئناف حَوْل جديد، فإذا تلفت قبل أن يحول الحول فلا ضمان عليه.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا تسقط الزَّكاة بالموت بعد الحَوْل(2)
(2) إذا مات المالك بعد الحَوْل فلا تسقط عَنِ الميت.
وعليه فينتقل إلى الورثة مِنَ التَّركة غير مقدار الزَّكاة؛ لأنَّ مقدار الزَّكاة ليس للمالك حتَّى ينتقل إلى ورثته، بل لو مات وعليه دَيْن، وكان الموت بعد تعلُّق الوجوب، فيجب إخراج الزَّكاة مِنَ العين، سواء أكان الدَّين مستغرقاً للتركة أم لا، فلا يجب التَّحاصّ مع الغرماء؛ لأنَّ الزَّكاة متعلِّقة بالعين.
وبالجملة، فإنَّ مقدار الزَّكاة لم يكن جُزْءاً مِنَ الترَّكة من أوَّل الأمر، فتُخْرج الزَّكاة أوَّلاً، ثمَّ يؤدَّى الدَّين.
والخلاصة: أنَّه لا مزاحمة بين الزَّكاة وبين الدَّين ليجب التَّحاصّ بين الفقراء والغرماء، فإنَّ الزَّكاة متعلِّقة بالعين الخارجيَّة، والدَّين موطنه الذمَّة، فلم يردا في موضوع واحد؛ ليُزاحم أحدهما الآخر.
نعم، لو تلفتِ الزَّكاة حال حياة المالك بالتَّفريط منه، فإنَّها تنتقل إلى الذِّمَّة، وتكون حينئذٍ كسائر الدُّيون المحكومة بالتَّحاصِّ بين الغرماء.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وفي سقوطها بأسباب الفِرَار قولان، أشبههما السُّقوط(1)
(1) لا إشكال بين الأعلام أنَّه لو اختلَّ أحد شروط وجوب الزَّكاة في أثناء الحَوْل بطل الحَوْل وسقطتِ الزَّكاة، كما لو نقصت عَنِ النِّصاب فأتمَّها، أو عاوضها بغير جنسها، أو بجنسها ونوعها، كغنم سائمة ستَّة أشهر مثلاً، بغنم كذلك، أو مثلها ممَّا هو مساويها في الحقيقة، كالضَّأن بالضَّأن، ونحو ذلك.
وبالجملة، فإنَّ هذا لا إشكال فيه بين الأعلام، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى قريباً، وإنَّما الكلام هنا فيما إذا فعل ذلك قبل تمام الحَوْل بقصد الفرار مِنَ الزَّكاة، فقيل: بوجوب الزَّكاة عليه بعد تمام الحَوْل.
والظَّاهر أنَّه المشهور بين المتقدِّمِين، ونقله العلاَّمة (رحمه الله) في المختلف عَنِ الصَّدوق (رحمه الله)، ونقله أيضاً عَنِ الشَّيخ (رحمه الله) في الجُمَل، والخِلاف والمبسوط، وعَنِ السّيِّد المرتضى (رحمه الله) في الجُمَل.
وفي المقابل نقل العلاَّمة (رحمه الله) في المختلف القول: بعدم وجوب الزَّكاة، عَنِ الشَّيخ المفيد (رحمه الله)، وعنِ الشَّيخ (رحمه الله) في النِّهاية، وابن إدريس (رحمه الله)، واختاره العلاَّمة (رحمه الله) نفسه، وهو المشهور بين المتأخِّرين، ومتأخِّري المتأخِّرين إلى يومنا هذا.