الدرس 251 _ المقصد الثالث في العام والخاص 26
الدرس 251 _ المقصد الرابع في العام والخاص 26
الفصل الثاني: تعريف العام وأقسامه وصيغه / المبحث الثامن: اشتراط حجية العام بالفحص عن المخصص.
· الوجوه المذكورة في عدم جواز العمل بالعام قبل الفحص. (الوجه الثالث والرابع)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يجيب الميرزا النائيني R بأنّ هذا الإشكال إنّما يتمّ فيما لو انحلّ العلم الإجمالي فيما نحن فيه، إلا أنّه لم ينحلّ.
وبيانه مع توضيح منّا: إنّ المعلوم إجمالاً على قسمين:
القسم الأوّل: وهو فيما إذا كان المعلوم إجمالاً مرسلاً؛ أي بلا علامة وتعيُّن؛ كما هو حال أغلب موارد العلم الإجمالي. فهنا تارةً ينحلّ العلم الإجمالي بنفسه؛ كما لو دار أمر المعلوم إجمالاً بين الأقل والأكثر الاستقلاليين؛ حيث ينحلّ فيه العلم الإجمالي من قضية شرطية منفصلة مانعة الخلوّ إلى قضيتين حمليّتين، واحدة متيقَّنة وهي التي يكون موضوعها الأقلّ، وثانية مشكوكة وهي التي يكون موضوعها الأكثر؛ وذلك كما لو علمت أنّ لزيد في ذمتي إمّا خمسة دراهم أو أكثر، فإنّ هذه القضية الشرطية المنفصلة المانعة الخلوّ تنحلّ إلى قضية حملية متيقَّنة وهي (لزيد في ذمتي خمسة دراهم)، وقضية حملية مشكوكة وهي (لزيد في ذمتي أكثر من خمسة دراهم). ففي هذا المورد ينحلّ العلم الإجمالي، بل الصحيح أنّ هذا المورد ليس من موارد العلم الإجمالي أصلاً، وإنّما صورته صورة العلم الإجمالي؛ وذلك أنّ العلم الإجمالي لم يتعلّق من أوّل الأمر بالأقل والأكثر، وإنّما تعلّق العلم التفصيلي بالأقل، وتعلّق الشك البدوي بالأكثر، فيجري فيه الأصل.
وأخرى لا ينحلّ العلم الإجمالي بنفسه؛ كما لو دار أمر المعلوم إجمالاً بين المتباينين؛ حيث ينحلّ العلم الإجمالي من قضية شرطية منفصلة مانعة الخلوّ إلى قضيتين حمليتين مشكوكتين؛ وذلك كما لو علمت بجامع النجاسة وشككت أنّه إمّا الإناء الشرقي متنجس أو الإناء الغربي، فإنّ هذه القضية الشرطية المنفصلة تنحلّ إلى قضيتين حمليتين مشكوكتين هما: (الإناء الشرقي متنجس)، و(الإناء الغربي متنجس). ففي هذا المورد لا ينحلّ العلم الإجمالي بنفسه؛ لتعلّقه من أوّل الأمر بالطرفين، فيكونان منجَّزين، لا يصحّ الوضوء بهما مثلاً؛ للزومه المخالفة القطعية للعلم الإجمالي، ولا يصحّ الوضوء بأحدهما؛ للزومه الترجيح بلا مرجّح.
وكذا الحال بالنسبة إلى الأقل والأكثر الارتباطيين؛ كما بالنسبة لأجزاء الصلاة الارتباطية ثبوتاً وسقوطاً، فلو علمنا إجمالاً بوجوب إمّا تسعة أجزاء للصلاة أو عشرة، فلا ينحلّ العلم الإجمالي من جهة العلم التفصيلي بالقدر المتيقَّن، وهو الأقلّ؛ وذلك لتعلقه من أوّل الأمر بالطرفين.
نعم، ينحلّ العلم الإجمالي حكماً من جهة أخرى، وهو جريان أصل البراءة في المقيّد دون المطلق؛ إذ لمّا تعلّق العلم الإجمالي بالجامع بين المطلق والمقيد، دار الأمر بين وجوب التسعة مطلقاً أي التسعة لا بشرط الجزء العاشر أو مقيّداً به أي التسعة بشرط شيء ولا يمكن إجراء أصل البراءة في المطلق؛ لأنّه أصل امتناني، وجريانه في المطلق خلاف الامتنان؛ لأنّ الإطلاق سعة لا كلفة فيه، فيجري في خصوص المقيّد، وبالتالي ينحلّ العلم الإجمالي حكماً.
القسم الثاني: وهو فيما إذا كان المعلوم إجمالاً ذا علامة وتعيُّن؛ كما لو علمت أنّ لزيد ديناً مدوَّناً في الدفتر إمّا خمسة دراهم أو أكثر، فهنا بما أنّ العلم الإجمالي قد تعلق من أوّل الأمر بديني لزيد الموجود في الدفتر؛ بمعنى أنّه إن كان الموجود في الدفتر هو الخمسة تعلّق به العلم الإجمالي، وإن كان الموجود فيه هو الأكثر تعلق به أيضاً؛ أي تعلّق العلم الإجمالي بالأقل والأكثر، فيكونان منجَّزين.
وإن شئت فقل: إنّه عندنا علمان إجماليان: علم إجمالي بأنّي مديون لزيد بجميع ما في الدفتر، وعلم إجمالي آخر بأنّ دين زيد عشرة أو خمسة، والعلم الثاني غير مقتضٍ للاحتياط بالنسبة إلى العشرة، والعلم الإجمالي الأوّل مقتضٍ للاحتياط بالنسبة إليها؛ لتعلّق العلم بها على تقدير ثبوتها في الواقع، واللامقتضي لا يمكن أن يزاحم المقتضي.
وعليه، لا ينحلّ العلم الإجمالي بدفع القدر المتيقَّن وهو الأقل؛ أي الخمسة؛ إذ لا مؤمِّن من العقاب يوم القيامة فيما لو لم أؤدِّ الأكثر وكان هو المطلوب واقعاً، وبالتالي يجب الاحتياط بالفحص عمّا لزيد في ذمتي في الدفتر. وهذا بخلاف الأقل والأكثر الاستقلاليين؛ حيث تعلّق العلم بخصوص الأقل، لذلك تنجّز دون الأكثر.
إذا عرفت ذلك، يقول الميرزا: إنّ موردنا من قبيل القسم الثاني؛ لأنّ المعلوم إجمالاً هي المخصِّصات الموجودة في كتبنا المعتبرة، فيكون العلم الإجمالي قد تعلّق من أوّل الأمر بكلّ مخصِّص محتمل في هذه الكتب، فتتنجّز جميعها، ويكون نظير تعلّق العلم بأنّي مديون لزيد بما في الدفتر، ولا ينحلّ العلم الإجمالي بمجرّد العثور على القدر المتيقَّن من المخصِّصات؛ إذ لا مؤمِّن من العقاب يوم القيامة فيما لو لم نفحص عن مخصِّصات أخرى محتملة في هذه الكتب قبل العمل بالعمومات.
وعليه، فمع بقاء العلم الإجمالي على حاله، وانتفاء انحلاله بالعثور على قدر متيقَّن من المخصِّصات، يبقى وجوب الفحص ببقاء منشئه، وهو العلم الإجمالي بوجود مخصِّصات في الكتب المعتبرة.
والجواب: أوّلاً: إنّ تعبير الميرزا عن العلم الإجمالي بأنّه يتركّب من قضية متيقَّنة وأخرى مشكوكة في غير محلّه؛ لما عرفت أنّ هذا ليس من العلم الإجمالي، وإن كان على صورته، بل هو انحلال العلم الإجمالي.
ثانياً: لا فرق في انحلال العلم الإجمالي بنفسه بالنسبة إلى الأقلّ والأكثر الاستقلاليين بين أن يكون المعلوم إجمالاً ذا علامة وتعيُّن أو بدون علامة؛ لأنّه في الصورتين ينحلّ العلم الإجمالي إلى قضية حملية معلومة تفصيلاً موضوعها الأقل، وأخرى مشكوكة بدواً موضوعها الأكثر، فتجري في خصوصه البراءة. ولا يغير حال الأقل والأكثر الاستقلاليين ذوي العلامة تعلقُ العلم الإجمالي بكليهما بعدما عرفت أنّ هذا التعلق صوريّ؛ فإنّ هذا المورد أي الأقل والأكثر الاستقلاليين سواء كانا ذوي علامة أم لا ليس من العلم الإجمالي أصلاً، وإن كان على صورته، فتأمّل.
وعليه، ما ذهب إليه الميرزا النائيني من التفصيل بين ما لو كان المعلوم بالإجمال ذا علامة وتعيُّن وبين ما لم يكن كذلك، لم يكتب له التوفيق.
الوجه الرابع:
إذا عرفت ذلك، فبعد الفراغ من اعتبار أصالة العموم من باب الظن الخاص، لا من باب الظن المطلق كما عن القمي، ومن باب الظن النوعي لا من باب الظن الشخصي، وبعد اعتبارها لعموم المكلّفين، لا لخصوص المشافَهين كما عن القمي أيضاً، وبعد أن أثبت صاحب الكفاية عدم صوابية هذه الوجوه الثلاثة، فما هو الوجه الصحيح لوجوب الفحص عن المخصِّصات قبل العمل بالعمومات؟ مع الإشارة إلى أنّه ينبغي أن يكون محلّ الكلام هو ما لم يعلم بتخصيص العموم تفصيلاً، ولم يكن من أطراف ما علم تخصيصه إجمالاً.