الدرس28 _اوقات الفرائض والنوافل 8
العلامة الثالثة: لمعرفة الزوال: وهي معرفته بالدائرة الهندسيَّة، وهذه العلامة عامَّة أيضاً يميَّز الزوال بها في كل مكان، وهي أظهر من سائر العلامات، فإنّه يُعرَف بها أوّل الوقت على سبيل التحقيق.
وكيفيتها: أن تساويَ موضعاً من الأرض بحيث يكون خالياً من الارتفاع والانخفاض وتديرَ عليه دائرةً، بأي بُعد شئت، وتنصب على مركزها مقياساً مخروطاً محدَّد الرأس، يكون طوله قدر رُبْعِ الدائرة تقريباً نصباً مستقيماً، بحيث يحدث عن جوانبه زوايا قوائم، ويعرف ذلك بأن يقدّر ما بين رأس المقياس ومحيط الدائرة، من ثلاثة مواضع، فإن تساوت الأبعاد فهو عمود، ثمَّ تنتظر وصول رأس الظِلّ إلى محيط الدائرة يريد الدخول فيها، فتعلّم عليه علامةً، ثمّ تنتظر خروجه بعد الزوال عن محيط الدائرة، فتعلّم عليه عند إرادته الخروج من المحيط علامةً، ثمَّ تصل ما بين العلامتَيْن بخط مستقيم وتنصِّف ذلك الخطّ، ثم تصل ما بين مركز الدائرة ومنتصف ذلك الخط بخط، فهو خط نصف النهار، ضرورةَ اتحادِ زمانِ سَيْرِ الشَّمس عند الدخول والخروج، فإذا أردت معرفة الزَّوال في غير يوم العمل تنظر إلى ظلِّ المقياس: فمتى وصل إلى هذا الخط كانت الشَّمس في وسط السماء لم تزل، فإذا ابتدأ رأس الظل يخرج عنه فقد زالتْ.
وقال في الجواهر بعد أن ذكر هذه العلامة وغيرها من العلائم «قلت: ويمكن استخراجه بغير ذلك، إنَّما الكلام في اعتبار مثل هذا الميل في دخول الوقت بعد أن علَّقه الشارع على الزَّوال الذي يراد منه ظهوره لغالب الأفراد، حتَّى أنَّه أخذ فيه استبانته، كما سمعته في الخبر السابق، وأناطه بتلك الزيادة التي لا تخفى على أحدٍ، على ما هي عادته في إناطة أكثر الأحكام المترتِّبة على بعض الأمور الخفيَّة بالأمور الجليَّة، كي لا يوقع عباده في شبهةٍ، كما سمعتَه في خبرِ الفَجْرِ، بل أَمَرَ بالتربُّصِ، وصلاة ركعتين، ونحوهما، انتظاراً لتحقُّقِه، فلعلَّ الأحوط: مراعاة تلك العلامة المنصوصة في معرفة الزوال، وإن تأخّر تحقُّقها عن مَيْل الشَّمس عن خطِ نصفِ النَّهار بزمانٍ...».
وفيه: أنَّ مفهومَ الزّوال كسائر المفاهيم المأخوذة موضوعاً للأحكام الشرعية، يترتَّب عليه حكمه واقعاً بمجرد وجوده كذلك، ولا يعتبر فيه ظهوره لأحدٍ، فضلاً عن ظهوره لغالب الأفراد، والاستبانة لم تُؤخَذ في موضوعيَّة الحكم، وإنما أخذت طريقاً إليه.
(1) هذه هي العلامة الرابعة، وهي مَيْل الشَّمس إلى الحاجب الأيمن، لِمَن يستقبِل قبلةَ العراق، قال صاحب المدارك: «ولا بدّ من حَمْله على أطراف العراق الغربيَّة التي قبلتها نقطة الجنوب، فإنَّ الشَّمس عند الزَّوال تكون على دائرة نصف النَّهار المتصلة بنقطتي الجنوب والشمال، فيكون حينئذٍ لمستقبل نقطة الجنوب بين العينَيْن، فإذا زالتْ مالتْ إلى طرف الحاجب الأيمن، وأمّا أواسط العراق، وأطرافه الشرقيَّة فقبلتهم تميل عن نقطة الجنوب نحو المغرب...».
أقول: إنَّ المدار في هذه العلامة على استقبال نقطة الجنوب.
وعليه، فلا يتفاوت الحال بين من كانت قبلته عليها، أو منحرفة عنها، والتمثيل بقبلة العراق إنَّما هو بناءً على أنَّها عليها، وإلاَّ فلا خصوصيَّةَ لها.
وعليه، فمَنْ كانت قبلته إلى نقطة الجنوب، بلا انحراف عنها، فتكون هذه العلامةُ علامةً للزوال عنده.
وأمَّا إذا كان منحرفاً عنها كما في أواسط العراق، وأطرافه الشرقيَّة، وغيرها من البلاد التي تكون فيها القبلة منحرفة عن الجنوب إلى الغرب : فلا تكون علامةً لهم، لوضوح أن مَيْل الشَّمس عن دائرة نصف النَّهار في تلك الأماكن إنَّما هو قبل مَيْلها عن الحاجب الأيمن لمن استقبل القبلة، لمكان انحرافها عن الجنوب إلى المغرب، كما أنَّ الزَّوال قد يتحقَّق متأخِّراً عن مَيْلها إلى الحاجب الأيمن، كما هو الحال عندنا في لبنان، وباقي بلاد الشام، حيث القبلة عندنا منحرفة عن الجنوب إلى المشرق، لأنَّ مَيْل الشَّمس عن الحاجب الأيمن فيها إنَّما هو قبل أن تميل عن دائرة نصف النَّهار، وقبل الزوال لِمَنِ استقبل القبلة.
والخلاصة: أنَّ المدارَ في هذه العلامة كما تقدّمت الإشارة إليه هو استقبال نقطة الجنوب، فإذا واجه نقطة الجنوب بجبهته فإنَّه إذا مالت الشَّمس إلى الحاجب الأيمن فقد تحقق الزَّوال، وهذه العلامة، وإن كانت متينة ثبوتاً، إلاَّ أنَّها علامةٌ تقريبيَّة في مقام الإثبات، لأنَّ مَيْل الشَّمس عن وسط الحاجبَيْن إلى الحاجب الأيمن في أوّل الزَّوال أمر غير قابل للإدراك بالحواسّ، وإنَّما يعلم بعد تحقُّقه، ومضيّ زمان عليه، والله العالم.
ثمّ إنّه وقع التنبيه على هذه العلامة فيما روي عن مجالس الشيخ مسنداً عن أمير المؤمنين عليه السلام في عهده الذي كتبه إلى محمّد بن أبي بكر (رضوان الله عليه)، لَمَّا ولاَّه مصرَ وأعمالها، وأمره أن يقرأه على أهل مصر، ويعمل بما وصاه فيه وذكر الكتاب بطوله، إلى أن قال: «فإنَّ رجلاً سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أوقات الصَّلاة، فقال: أتاني جبرئيل عليه السلام فأراني وقت الظهر (الصَّلاة خ ل) حين زالت الشَّمس، فكانت على حاجبه الأيمن...»[i]f178، ولكنَّ عهد الأمير عليه السلام إلى محمد بن أبي بكر ضعيف بجهالة عدَّةٍ من الرواة.
[i] الوسائل باب 10 من أبواب المواقيت ح12.