الدرس29 _اوقات الفرائض والنوافل 9
(1) المعروف بين الأعلام: اختصاصُ الظّهر من أوَّل الوقت بمقدار أدائها، واختصاص العصر من آخره كذلك.
ومعنى اختصاص الظهر بأوَّل الزوال: هو عدم صحّة العصر فيه بحالٍ من الأحوال، وإن كان نسياناً، ونحو ذلك.
وبالجملة: فإنَّ ما ذكرناه هو المشهور بين الأعلام، بل في المختلف: نسبته إلى علمائنا، عدا الصدوق، بل في السرائر: «إنّه قول المحصّلين من أصحابنا الذي يلزمون الأدلّة، والمعاني، لا العبارات والألفاظ»، بل في ظاهر الغُنْية، أو صريحها: دعوى الإجماع، بل عن الشيخ نجيب الدين: أنه نقل الإجماع عليه جماعة.
وفي المقابل حُكيَ عن ظاهر الصدُوقَيْن: الاشتراك، وهو أنَّ الوقت من مبدئِه إلى منتهاه، أي: من الزَّوال إلى الغروب، هو مشترك بين الظهرين، بمعنى أنّ كلّ جُزء من أجزائه صالح لكلّ واحدة منهما، مع اعتراف كلِّ الأعلام بوجوب الترتيب بين الظُّهرَيْن، بحيث تبطل العصر لو قدَّمَها على الظُّهر متعمِّداً.
وعليه، فتظهر الثمرة بين القولَيْن فيما لو أتى بالعصر أوّل الزوال نسياناً، أوِ اعتقد دخول الوقت فصلّى الظُّهر، ثمّ دخل الوقت في آخر صلاته قبل إكمالها بِلَحْظة: فإنّه تصحّ صلاة الظهر في الفرض، ثمّ أتى بالعصر مباشرة؛ فعلى القول بالاختصاص تبطل العصر في هذَيْن الموردَيْن، ونحوهما، لوقوعها في غير وقتها.
وعلى القول بالاشتراك: تصحّ، لأنّه صلاّها في وقتها.
ثمّ إنّه ناقش جماعة من الأعلام في نسبة القول بالاشتراك إلى الصدُوقَيْن: بأنّهما لم يذكرا شيئاً، سوى أنَّ والد الصدوق عبّر بمضمون خبر عُبَيْدٍ، الدَّال بظاهره على الاشتراك: «إذا زالت الشَّمس فقد دخل وقت الصَّلاتَيْن إلاَّ أنّ هذه قبلَ هذه»، وسنذكره بالتفصيل قريباً إن شاء الله تعالى .
وأمّا الشيخ الصدوق فقد روى هذا الخبر، ولعلّ نسبة القول بالاشتراك إليه إنّما هو لأجل ما ذكره في أوّل كتابه من العمل بما يرويه فيه.
ومهما يكن، فسواء صحّت النسبة، أم لا، فلا بدّ من ذِكْر أدلّة الطرفَيْن لكي يتضح الحال، وقدِ استَدلّ المشهور القائل بالاختصاص بعدَّةٍ من الروايات:
منها: مرسلة داود بن فَرْقَد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: إذا زالتِ الشَّمس فقد دخل وقت الظّهر حتّى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، فإذا مضى ذلك؛ فقد دخل وقت الظّهر، والعصر، حتّى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي (المصلّي) أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك؛ فقد خرج وقت الظّهر، وبقي وقت العصر، حتّى تغيب الشّمس»[i]f179، وهي بظاهرها دالة على الاختصاص، ولكنّها ضعيفة بالإرسال.
لا يقال: إنَّ عملَ المشهورِ جابرٌ لِضَعْفِ السَّنَد.
فإنَّه يُقال:
أوَّلاً: لم يثبت استناد مشهور المتقدِّمين إليها في مقام الإفتاء، ومجرد ذكرها لا يلازم الاستناد إليها، فلعلّ المشهور استند إلى غيرها.
وعليه، فلم يثبت عمل المشهور بها.
وثانياً: قد ذكرنا سابقاً أنّ عملَ المشهور لا يجبر ضعف السند.
إن قلت: إنّ في السند الحسن بن علي بن فضَّال، وقد رواها الحسن عن داود بن فرقد، وقد أُمرنا بالأخذ بروايات بني فضَّال، لما رواه الشيخ في كتاب الغَيْبَة بسنده عن أبي الحسين بن تمَّام عن عبد الله الكوفي خادم الحسين بن روح عن الحسين بن روح وكيل الناحية المقدمة حين سئل عن كتب الشَّلْمَغَانيّ قال: «أقول في كتبهم ما قاله العسكريّ عليه السلام حين سُئِل عن كُتُبِ بَني فضّال من قوله عليه السلام: خذوا ما روَوَا وذَرُوا ما رَأَوا»[ii]f180.
قلتُ: أوَّلاً: إنَّ هذه الرواية ضعيفة بجهالة كلٍّ مِن أبي الحسين بن تمّام، وعبد الله الكوفي.
وثانياً: إنَّ روايات بني فضَّال قبل انحرافهم عن العقيدة الصحيحة كانت لا تُقْبَل منهم إذا كانت مرسلةً أو ضعيفةً، فكيف بما بعد انحرافهم؟!، ولا يحتمل أن يكونوا بعد الانحراف أعظم مقاماً وأرقى منزلةً من أنفسهم قبل الانحراف، وهل بالانحراف ازدادت وثاقتهم، وجلالتهم؟!.
والإنصاف: أنَّ معنى هذه الرواية على تقدير صحَّتها أنَّ انحرافهم غير مضرٍّ بوثاقتهم، وأنّه لا يمنع عن العمل برواياتهم حال استقامتهم، وليس المراد أنّ كلّ روايةٍ رواها شخص من بني فضّال تكون معتبرةً، ويُؤخَذ بها، ولو كانت مرسلة، أو كانت عن ضعيف، أو مجهول، ونحو ذلك.