الدرس 1154 _كتاب الخمس 34
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: ولو كان الخليط ممَّا يجب فيه الخمس، ففي تعدُّده نظر.
المعروف بين الأعلام أنَّه لو كان الحلال الَّذي في المختلط بالحرام ممَّا تعلَّق به الخُمُس، وجب عليه بعد الخُمُس للتَّحليل خمسٌ آخر للمال الحلال الَّذي فيه.
قال الشَّيخ الأنصاريّ (رحمه اﷲ) في كتاب الخُمُس: (لو كان الحلال ممَّا فيه الخُمُس لم يسقط بإخراج هذا الخُمُس؛ لعدم الدَّليل على سقوطه، فيجب حينئذٍ أوَّلاً هذا الخُمُس، فإذا أحلّ لمالكه وطهر عن الحرام، أخرج خُمُسه، ولو عكس صحّ. لكن تظهر الفائدة فيما لو جعلنا مصرف هذا الخُمُس في غير الهاشميّ، وحينئذٍ فليس له العكس،
وكيف كان، فالقول بوحدة الخُمُس كما يُحكى ضعيف جدّاً، ولعلَّه لإطلاق قوله (عليه السلام): (وسائر المال لك حلالٌ)، ولا يخفى أنَّه من حيث اختلاط الحرام، لا من كلِّ جهةٍ، ولذا لو كان زكويّاً لم تسقط زكاته)([1])، ووافقه كثير من الأعلام.
وهو الصَّحيح؛ لتعدُّد الأسباب الموجب لتعدُّد المسبّبات.
وأمَّا وجه قول المصنِّف (رحمه اﷲ): (ففي تعدُّده نظر)، فلعلَّه لتعدُّد الأسباب المُوجب لتعدُّد المسبّبات من جهة، ومن جهة أخرى لقوله (عليه السلام) في معتبرة السَّكونيّ: (وسائر المال لك حلال).
ولكن من الواضح أنَّه لا إطلاق في المعتبرة من هذه الجهة؛ لأنَّ التَّحليل فيها بلحاظ الحرام المختلط لا بلحاظ كلّ حقٍ.
فالصَّحيح: ما ذكره الأعلام من عدم سقوط خُمس الاكتساب ونحوه بهذا الخُمُس، واﷲ العالم.
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: ولو علم زيادته على الخُمُس خمّسه، وتصدَّق بالزَّائد في ظنِّه.
الأوَّل: فيما لو علم إجمالاً بأنَّ مقدار الحرام أقلّ من الخُمُس.
الثَّاني: فيما لو علم إجمالاً بأنَّ مقدار الحرام أكثر من الخُمُس.
أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بينهم أنَّ هذه الصُّورة خارجةٌ عن
مورد روايات الخُمُس، بل يجب الرُّجوع فيها إلى روايات التّصدُّق بما لا يُعلم صاحبه.
وبالجملة، فإنَّ روايات الخُمُس منصرفةٌ عن هذا الأمر قطعاً، فكيف يُلزم بدفع الخُمُس، مع أنَّ مقدار الحرام أقلّ منه جزماً؟!
اللَّهمّ إلاَّ أن يُحمل وجوب الخُمُس على التّعبُّد المحض من غير أن يكون له ربطٌ بمقدار الحرام.
ولكنَّه بعيد جدّاً عن لسان الرِّوايات، فإنَّ ظاهرها أنَّ وجوب الخُمُس في المال المختلط بالحرام إنَّما هو لأجل تطهير الباقي وحلّيته، لا التّعبُّد المحض.
وعليه، فما ذكره صاحب المناهل (رحمه اﷲ) من وجوب الخُمُس في هذه الصُّورة؛ لإطلاق الأخبار والفتاوى، ليس تامّاً؛ لما عرفت من انصراف الرِّوايات عن هذا الأمر.
وأمَّا إطلاق الفتاوى، فلو سلّمنا به، فإنَّه لا يُفيد؛ لعدم الحُجيّة.
وأمَّا الأمر الثَّاني وهو فيما لو علم إجمالاً بأنَّ مقدار الحرام أكثر من الخُمُس : فالكلام فيه كالكلام في الأمر الأوَّل من حيث كون روايات الخُمُس منصرفةً عنه، ويتعيّن حينئذٍ الرُّجوع إلى روايات التّصدُّق بما لا يُعلم صاحبه، بل كيف يُكتفى بدفع الخُمُس وحلّيّة الباقي مع علمه بأنَّ مقدار الحرام أكثر من الخُمُس؟! ومقتضى ذلك تحليل مال الغير مجاناً، وهذا ممَّا لا يمكن الالتزام به.
ولقد أجاد صاحب الجواهر (رحمه اﷲ)، حيث قال: (على أنَّه لوِ
اكتُفي بإخراج الخُمُس هنا لَحَلَّ ما عُلِم من ضرورة الدِّين خلافه إذا فُرِض زيادته عليه)([2]).
والخلاصة: أنَّ ما ذهب إليه صاحب المناهل (رحمه اﷲ) من الاكتفاء بالخُمُس؛ لإطلاق روايات الخُمُس ليس تامّاً.
ثمَّ لو قلنا: بأنَّ روايات الخُمُس تشمل صورة العلم بالزِّيادة عن الخُمُس، فمقتضاها الاقتصار على إخراج الخُمُس؛ للتَّصريح في الرِّوايات بأنَّ سائر المال لك حلال.
وأمَّا احتمال وجوب دفع الجميع خُمُساً كما هو محتمل العلاَّمة (رحمه اﷲ) في التذكرة، حيث قال: (ولو عرف أنَّه أكثر من الخُمُس وجب إخراج الخُمُس، وما يغلب على الظَّنّ في الزَّائد)([3])، حيث فهم منها المصنِّف (رحمه اﷲ) في البيان أنَّه يجب صرف الزِّيادة في مصرف الخُمُس أيضاً فضعيف، كما أنَّ احتمال صرف خمسه في مصرف الخُمُس والزَّائد صدقة، كما عن المصنف (رحمه اﷲ) هنا أي في الدُّروس ضعيف أيضاً.
فلو قلنا: بشمول روايات الخُمُس لصورة العلم بالزِّيادة عن الخُمُس، فيُقتصر حينئذٍ على إخراج خُمُسه فقط؛ لما عرفت.
ولكنَّ الإنصاف كما تقدَّم : أنَّ روايات الخُمُس منصرفةٌ جزماً
عن هذه الصُّورة، فيتعيَّن الرُّجوع إلى روايات التّصدُّق بما لا يُعلم صاحبه.
ثمَّ إنَّه هل يُقتصر على القدر المتيقَّن، أو يُتصدَّق بما يتيقّن معه البراءة؟
والإنصاف: أن يُقال: إنَّ المال إن كان تحت يده، فيُقتصر على الأقلّ، وهو القدر المتيقّن؛ لأنَّ اليد أمارة على ملكيّة الجميع، فيُقتصر في الخروج عنها على المقدار المتيقّن.
وأمَّا الكُلِّيّ الزَّائد على المقدار المعلوم، فيُحكم بكونه ملكاً للمالك لقاعدة اليد، فإنَّها تجري، فراجع ما ذكرناه في الصُّورة الثَّانية من الصُّور الأربع المتقدِّمة، حيث بيّــنّا أيضاً حكم ما لو لم يكن المال تحت يده، فراجع، فإنَّه مهمّ، واﷲ العالم بحقائق أحكامه.
([1]) كتاب الخمس للشيخ الأنصاري (رحمه اﷲ): ص263.
([2]) الجواهر: ج16، ص74.
([3]) التذكرة: ج1، ص253.