الدرس148 _لباس المصلي 21
ويتأكّد ذلك في الإمام، كما تدلّ موثّقة عمّار عن أبي عبد الله N «قال: سُئِل عن الرّجل يؤمّ بقوم يجوز له أن يتوشّح؟ قال: لا يصلي الرجل بقوم وهو متوشح فوق ثيابه، وإن كانت عليه ثياب كثيرة، لأنّ الإمام لا تجوز له الصَّلاة وهو متوشّح... »[i]f139.
ولا ينافي ذلك ما في حسنة حمّاد بن عيسى «قال: كتب الحسن بن علي بن يقطين إلى العبد الصالح: هل يصلّي الرّجل الصَّلاة وعليه إزار متوشّح به فوق القميص؟ فكتب: نعم»[ii]f140، وكذا صحيحة علي بن جعفر عن أخيه «قال: سألته عن الرجل يتوشّح بالثوب فيقع على الأرض، أو يجاوز عاتقه، أيصلح ذلك؟ قال: لا بأس به»[iii]f141.
ووجه عدم المنافاة: هو إمكان حملهما على إرادة الجواز غير المنافي للكراهة.
بقي الكلام في معنى التوشّح: والقدر المتيقن منه هو ما ذكره الفيومي في مصباحه: «توشّح به هو أن يدخله تحت إبطه الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم، وفي كتاب المغرب مثل ما في المصباح ثمَّ قال: وكذلك الرجل يتوشّح بحمائل سيفه فتقع الحمائل على عاتقه اليسرى، تكون اليمنى مكشوفة».
(1) ذكر جماعة من الأعلام، منهم المصنِّف R في الذكرى: «أنّه تكره الصَّلاة في خرقة الخضاب».
وقد يُستدلّ لذلك بحسنة أبي بكر الحضرمي «قال: سألت أبا عبد الله N عن الرّجل يصلّي، وعليه خضابه، قال: لا يصلّي وهو عليه، ولكن ينزعه إذا أراد أن يصلّي، قلت: إن حنّاءه وخرقته نظيفة، فقال: لا يصلّي وهو عليه، والمرأة أيضاً، لا تصلّي وعليها خضابها»[iv]f142.
وقد حُمِل قوله N: «لا يصلّي وهو عليه» على الكراهة، وذلك لعدّة أخبار دلّت على الجواز:
منها: صحيحة رفاعة «قال: سألتُ أبا الحسن N عن المختضب إذا تمكّن من السّجود والقراءة أيضاً، أيصلّي في حنّائه؟ قال: نعم، إذا كانت خرقته طاهرة، وكان متوضئاً»[v]f143.
ومنها: موثّقة عمار الساباطي «قال: سألت أبا عبد الله N عن المرأة تصلّي ويداها مربوطتان بالحنّاء، فقال: إن كانت توضّأت للصَّلاة قبل ذلك فلا بأس بالصَّلاة، وهي مختضبة، ويداها مربوطتان»[vi]f144، وكذا غيرها من الرّوايات الواردة في المقام.
(1) قد استدلّ لذلك بمعتبرة غياث بن إبراهيم، عن جعفر عن أبيه عن علي S: «قال: لا تصلّي المرأة عُطُلاً»[vii]f145، وهي بضم العين والطاء والتنوين، وهي التي خلا جيدها من القلائد.
وحُملت على الكراهة، وذلك لصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر N «قال: لا ينبغي للمرأة أن تعطّل نفسها ولو أن تعلّق في عنقها قلادة، ولا ينبغي أن تدع يدها من الخضاب، ولو أن تمسحها مسحاً بالحناء، وإن كانت مسنة»[viii]f146، ورواها الشيخ الصدوق R في المجالس[ix]f147 عن محمّد بن موسى بن المتوكل، عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد الله N، وهي صحيحة لأنّ ابن المتوكل أستاذ الشيخ الصدوق R من المعاريف، ما يكشف عن وثاقته، ورواها الشيخ الصدوق R أيضاً في الفقيه[x]f148 عن الصَّادق N، ولكنّها في الفقيه مرسلة.
ثمَّ إنّ الرّواية مطلقة، فتشمل حال الصَّلاة.
(1) قال الشيخ R في النهاية: «لا تجوز الصَّلاة في الثوب الذي يكون تحته وبر الثعالب والأرانب، ولا الذي فوقه، على ما وردت به الرّواية، ونحوها عبارته في المبسوط، وقال الشيخ الصدوق R: «وإياك أن تصلّي في الثعلب، ولا في الثوب الذي يليه من تحته وفوقه»، ونقل العلاّمة في المختلف عن ابن إدريس R أنّه قال: «لا بأس بالصَّلاة في الثوب الذي تحته أو فوقه وبر الأرانب، أو الثعالب ثمَّ استقربه وقال لنا: إنّه [لو] صلّى على الوجه المأمور به شرعاً فــــ[إنّه] يخرج عن العهدة، ولأنّ المقتضي للصحَّة موجود، والمعارض لا يصلح للمانعيّة، إذ المعارض هنا ليس إلاّ مماسّة الوبر، وليس هذا من الموانع، إذ النجس العيني إذا ماسّ غيره وهما يابسان لم تتعدَّ النجاسة إلى الغير، فكيف بهذا الوبر الذي ليس ينجس؟».
أقول: لا بدّ من ذكر الأخبار الواردة في المسألة، ثمَّ نرى ما هو مقتضى الإنصاف فيها.
والموجود في هذا المقام روايتان:
الأولى: صحيحة أبي علي بن راشد في حديث «قال: قلت لأبي جعفر N: الثعالب يصلّى فيها؟ قال: لا، ولكن تُلْبَس بعد الصَّلاة، قلت: أُصلّي في الثوب الذي يليه؟ قال: لا»[xi]f149.
ومنها: مرسلة علي بن مهزيار عن رجل سأل الرضا N «عن الصَّلاة في جلود الثعالب فنهى عن الصَّلاة فيها، وفي الثوب الذي يليه، فلم أدرِ أيّ الثوبين الذي يلصق بالوبر، أو الذي يلصق بالجلد، فوقّع بخطّه: الثوب الذي يلصق بالجلد وقال: وذكر أبو الحسن يعني علي بن مهزيار أنّه سأله عن هذه المسألة، فقال: لا تصلِّ في الذي فوقه، ولا في الذي تحته»[xii]f150، ولكنّها ضعيفة بالإرسال.
والإنصاف: أنّ النهي عن الصَّلاة في الثوب الذي تحت الجلد وفوقه إنّما هو باعتبار ما يسقط عليه من الوبر ويتناثر عليه في وقت لُبْسه له، تحت الوبر كان أو فوقه.
وعليه، فتكون الصحيحة دالّة على عدم جواز الصَّلاة في الثوب الذي عليه شعر أو وبر ما لا يُؤْكل لحمه، وإلاّ فالقول بالمنع من حيث النجاسة لا معنى له لِمَا ثبت من قابلية هذه الحيوانات للتزكية، وأيضاً أنّه مع اليبوسة لا تتعدّى النجاسة، لو ثبتت النجاسة، والله العالم.
[i] الوسائل باب 58 من أبواب لباس المصلّي ح1.
[ii] الوسائل باب 85 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ح1.
[iii] الوسائل باب 52 من أبواب آداب الحمام ذيل ح1.
[iv] الوسائل باب 52 من أبواب آداب الحمام ذيل ح1.
[v] الوسائل ب7 من أبواب لباس المصلّي ح4.
[vi] الوسائل باب 7 من أبواب لباس المصلّي ح8.
[vii] الوسائل باب 37 من أبواب لباس المصلّي ح7.
[viii] الوسائل باب 37 من أبواب لباس المصلّي ح5.
[ix] الوسائل باب 37 من أبواب لباس المصلّي ح4.
[x] الوسائل باب 37 من أبواب لباس المصلّي ح6.
[xi] الوسائل باب 23 من أبواب لباس المصلّي ح3.
[xii] الوسائل باب 23 من أبواب لباس المصلّي ح5.