الدرس147 _لباس المصلي 20
ووجه عدم المنافاة: هو حملهما على بيان الجواز الذي لا ينافي الكراهة.
مضافاً إلى أنّ صحيحة البجلّي هي حكاية فعل لا تصلح لمعارضة القول، فيمكن أن يكون صدور ذلك من الإمام N لضرورة مقتضية له، أو لبيان جوازه، أو غير ذلك.
ثمَّ إنّ جماعة من الأعلام ومنهم صاحب المدارك نقلوا صحيحة أبي بصير عن التهذيب، بهذه العبارة «قال: لا ينبغي أن تتوشّح بإزار فوق القميص إذا أنت صلّيت، فإنّه من زيّ الجاهليّة»، وقد اعترض صاحب المدارك R بعد نقله الرواية عن الشيخ R بهذه العبارة بأنّها غير دالّة على المدّعى، وإنّما تدلّ على كراهة التوشّح فوق القميص، وهو خلاف الإتزار.
وفيه: ما لا يخفى، فإنّ الرّواية المذكورة في الكافي والتهذيب واحدة، لأنّ الشيخ R إنّما رواها في التهذيب عن محمّد بن يعقوب بالسّند الذي في الكافي، وأسقط منها موضع الاستدلال، سهواً.
ومن المعلوم أنّ الكافي أضبط من التهذيب سنداً ومتناً، بل قال في الحدائق R: «أنّه لا يخفى على مَنْ له أُنْس بملاحظة كتاب التهذيب وتدبره ما وقع للشيخ في أخباره متناً وسنداً من التغيير والتبديل، والتحريف والتصحيف، وقلما يخلو خبر من شيء من ذلك...»، وكلامه، وإن كان مبالغاً فيه، إلاَّ أنّه صحيح في الجملة.
والخلاصة: أنّ العمل على رواية الكافي، وهي ظاهرة في الكراهة، هذا كلّه في الإتِّزار فوق القميص، وأمَّا الإتزار تحت القميص، فلا كراهة فيه، للأصل، بل حكي عن جماعة من الأعلام الإجماع على عدم الكراهة، وهو مؤيِّد لما عرفت في أكثر من مناسبة.
(1) المعروف بين الأعلام أنّه يُكره التوشّح فوق القميص، بل وكذا تحته، وتحت الرداء، أي: يكون الرداء فوق الوشاح.
ويدلّ على ذلك جملة من الأخبار، بلغت حدّ الاستفاضة:
منها: صحيحة أبي بصير المتقدِّمة.
ومنها: مرسلة محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابنا عن أحدهما J «قال: قال: الارتداء فوق التوشّح في الصَّلاة مكروه، والتوشح فوق القميص مكروه»[i]f134، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.
ومنها: رواية زياد بن المنذر أبي الجارود عن أبي جعفر N «قال: سأله رجل وأنا حاضر عن الرجل يخرج من الحمام أو يغتسل فيتوشّح، ويلبس قميصه فوق الإزار، فيصلّي وهو كذلك، قال: هذا عمل قوم لوط، قال: قلت: فإنّه يتوشّح فوق القميص، قال: هذا من التجبُّر ... »[ii]f135، ولكنَّها ضعيفة بطريقيها، أمَّا طريق الشيخ R فلأن مالك بن عطية الموجود في السند مجهول الحال، ولم يُحرَز اتحاده مع الأحمسي البجلّي الثقة؛ وأمَّا بطريق الصدوق R بمحمد بن سنان الموجود في طريق الصدوق إلى زياد بن المنذر.
ثمَّ إنّ قوله N: «فيتوشّح، ويلبس قميصه فوق إزاره...» أي: يلبس قميصه فوق إزاره الذي توشَّح به.
ومنها: رواية الهيثمَّ بن واقد عن أبي عبد الله N «قال: إنّما كُرِه التوشّح فوق القميص لأنّه من فعل الجبابرة»[iii]f136، ولكنّها ضعيفة لأنّ هيثمَّ بن أبي مسروق لم يمدح مدحاً معتداً به.
ومنها: ما في الخصال بإسناده عن علي N في حديث الأربعمائة «قال: لا يصلّي الرّجل في قميص متوشّحاً به، فإنّه من أفعال قوم لوط»[iv]f137، وهو ضعيف بالقاسم بن يحيى، وجدّه الحسن بن راشد، فإنّهما غير موثّقين.
ومنها: رواية يونس بن عبد الرحمن عن جماعة من أصحابه عن أبي جعفر وأبي عبد الله J «أنَّه سُئِل ما العلّة التي من أجلها لا يصلّي الرّجل وهو متوشّح فوق القميص؟ فقال: لعلّة الكِبر في موضع الاستكانة والذلّ»[v]f138، وهي ضعيفة لا من أجل الإرسال، للوثوق بوجود الثقة بين الجماعة من أصحابه، إذ بعيد جدّاً أن يكونوا كلهم ضعاف، بل لأجل وجود إسماعيل بن مرار في السند، وهو غير موثق.