الدرس 55 _ التكسّب الحرام وأقسامه (50). أحدها: أحدها: ما حرم لعينه: السحر.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والسحر بالكلام والكتابة والرقبة والدخنة بعقاقير الكواكب وتصفية النفس والتصوير والعقد والنفث والإقسام والغرائم بما لا يفهم معناه ويضر بالغير فعله، ومن السحر الاستخدام للملائكة والجنّ والاستنزال للشياطين في كشف الغائب وعلاج المصاب.
ومنه الاستحضار بتلبّس الروح ببدن متفعّل، كالصبيّ والمرأة وكشف الغائب عن لسانه، ومنه النيرنجيّات، وهي إظهار غرائب خواصّ الامتزاجات وأسرار النيّرين.
ويلحق بذلك الطلسمات، وهي تمزيج القوى العالية الفاعلة بالقوى السافلة المنفعلة ليحدث عنها فعل غريب، فعمل هذا كلَّه والتكسّب به حرام، أمّا علمه ليتوقى أو لئلا يعتريه فلا، وربما وجب على الكفاية ليدفع المتنّى بالسحر. ويقتل مستحلَّه، ويجوز حلَّه بالقرآن والذكر والاقتسام لا به، وعليه يحمل رواية العلا بحلَّه.
والأكثر على أنّه لا حقيقة له بل هو تخيّل، وقيل: أكثره تخاييل وبعضه حقيقي، لأنّه تعالى وصفه بالعظمة في سحرة فرعون.
ومن التخيّل السيميا، وهي إحداث خيالات لا وجود لها في الحسّ للتأثير في شيء آخر، وربما ظهر إلى الحسّ*
من جملة ما حرم لعينه، وهو المعبَّر عنه بالمحرَّم في نفسه: السِّحر، وهو على أقسام، كما سنذكره -إن شاء الله تعالى-.
وسِحْر العزائم: هو عبارة عن الاستعانة بالأرواح الأرضيَّة وهي الجِنّ، فإنَّ اتِّصال النُّفوس النَّاطقة بها أسهل من اتِّصالها بالأرواح السَّماوية، أي الملائكة، والاتِّصال بالأرواح الأرضيَّة يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرُّقَى والدُّخُن، وهذا النَّوع هو المسمَّى بالعزائم، وعمل تسخير الجنِّ.
وأمَّا سِحْر الأقسام: فهو عبارة عن الاستقسام بالأقداح من حيث يجعلون في الأقداح أوراماً وشبهها، ثمَّ يخلطونها.
وأشار بقوله: والدُّخنة بعقاقير الكواكب ما يستعمله بعض هؤلاء الكفرة في تسخير بعض الكواكب السَّيارة بدُخنة بعض العقاقير ودُخنة العقاقير منسوبة إلى الكواكب لاعتقادهم أنَّ تلك الآثار إنَّما تصدر عن الكواكب.
وأشار بقوله: والاستنزال للشَّياطين، إلى ما ورد في بعض تفسير قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ﴾ من أنَّه كان في الجاهليَّة كَهَنة ومع كلِّ واحدٍ شيطان، وكان يقعد من السَّماء مقاعد للسَّمع، فيستمع من الملائكة ما هو كائن في الأرض، فينزل ويخبر به الكاهن، فيفشيه الكاهن إلى النَّاس.
وذَكَر بعض الأعلام أنَّ الكِهَانة قريبة من السِّحر أو هي أخصُّ منه، وقد تقدَّمت سابقاً.
ثمَّ إنَّه يقع الكلام في خمسة أمور:
الامر الأوَّل: في حرمة السِّحْر.
الامر الثاني: في جواز دفع السِّحر بالسِّحر.
الامر الثالث: في حقيقة السِّحر.
الامر الرَّابع: في أقسام السِّحر.
الامر الخامس: في حُكْم التسخيرات، وهل هي كلُّها داخلة في السِّحر أم لا؟
أمَّا الأمر الأوَّل: فلا إشكال في حرمة السِّحر في الجملة، بل هي من ضروريات الدِّين.
وفي المستند للنراقي: والظَّاهر أنَّه لا خلاف في تحريمه، سواء كان أمراً حقيقيًّا أو تخيُّليًّا، وفي كلام جماعة الإجماع عليه، بل نُسِب إلى شريعة الإسلام. (انتهى كلامه).
وفي الخلاف: بلا خلاف. (انتهى كلامه).
وفي الجواهر: ومنه -أي المحرَّمات- لنفسها تعلم شيء من السِّحر للعمل وتعليمه كذلك وعمله، بلا خلاف أجده فيه في الجملة بين المسلمين، فضلاً عن غيرهم، بل هو من الضَّروريات التي يدخل مُنْكِرها في سبيل الكافرين، والكتاب والسُّنَّة قد تطابقا على حرمته، وأنَّه من عمل المفسدين الذين لا يفلحون. (انتهى كلامه).
أقول: يدلُّ على الحرمة -مضافاً لما تقدَّم- جملة من الرِّوايات بلغت حدَّ الاستفاضة:
منها: معتبرة السَّكوني عن جعفر بن محمَّد عن أبيه (عليه السَّلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): سَاحِرُ الْمُسْلِمِينَ يُقْتَلُ، وَسَاحِرُ الْكُفَّارِ لَا يُقْتَلُ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لِمَ لَا يُقْتَلُ سَاحِرُ الْكُفَّارِ؟ قَالَ: لِأَنَّ الشِّرْكَ أَعْظَمُ مِنَ السِّحْرِ، وَلِأَنَّ السِّحْرَ وَالشِّرْكَ مَقْرُونَانِ.[1]
ومنها: رواية أبي البُخْتري عن جعفر بن محمَّد عن أبيه (عليه السَّلام) قَاْلَ: مَنْ تعلَّمَ شَيْئاً مِنَ السِّحْرِ قَلِيلاً أَوْ كَثِيراً فَقَد كَفَر، وَكَانَ آخرَ عهدِه بربِّه وحده أنْ يُقْتل إلَّا أَنْ يَتُوبَ.[2] وهي ضعيفة بأبي البُختري، وهب بن وهب.
ومنها: رواية أبي موسى الأشعري قَاْلَ: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ثلاثةٌ لا يَدْخُلون الجَنَّة: مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَمُدْمِنُ سِحْرٍ، وَقَاْطِعُ رَحِمٍ ...إلخ.[3] وهي ضعيفة بأكثر من شخص.