الدرس 687 _ صلاة الآيات 7
[الخلاصة]
* في صلاة الايات.
* الكلام في: وقت صلاة الآيات لكل مخوّف سماوي. الإنصاف في المسألة:
* الكلام في: ما لو قصر الوقت في الكسوف.
* أما ما ذهب اليه بعض الاعلام: إلى أنَّ الأدلَّة الدَّالة على التوقيت لا تدلّ عليه بالمعنى المتعارف، أي التحديد من ناحية المبدأ والمنتهى، بل هي دالَّة عليه من حيث المبدأ فقط.، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
أقول: قد يُقال: إنَّ ما ذهب إليه أكثر القائلين بالوجوب من التوقيت بوقت الآية هو الصَّحيح. وذلك لأنَّ العُمْدة في الدَّليل على وجوب الصَّلاة لكلّ مُخَوِّف سماويّ هو صحيح زرارة وابن مسلم المتقدِّم: «كلُّ أخاويفِ السَّماءِ، من رِيح أو ظُلْمة أو فَزَع، فصلِّ له صلاة الكُسُوف حتَّى يسكن»(1). وهو ظاهر بالاختصاص بحال وجود الآية، سواء أُرِيد بقوله: «حتَّى يسكن» التوقيت، أو التعليل. أمَّا على الأوَّل: فيثبت التوقيت صريحاً. وأمَّا على الثاني: فلأنَّه يلزم منه التوقيت أيضاً، لاستلزام انتفاء العلَّة بانتفاء المعلول، ضرورة سقوط مطلوبيَّة الفِعْل بحصول غايته التي عُلِّل بها.
إنْ قلت: إنَّ هذه العِلَل من قبيل الحكمة المقتضية لتشريع الحكم، وليست علةً حتَّى يجب اطِّرادها. وعليه، فيبقى الوجوب بعد سُكُون الآية، وبالتالي لا يصلح هذا الذَّيل «حتَّى يسكن» مقيِّداً لإطلاق ما دلَّ على سببيَّة هذه الآيات. قلت: هذا يتمّ لو كان لنا دليل آخر وراء هذا الصحيح صالح لإثبات سببيّتها على الإطلاق. وقد عرفت فيما سبق عدم سلامة شيءٍ ممَّا ذُكِر دليلاً لوجوب الصَّلاة لسائر الأخاويف السَّماوية ممَّا عدا هذا الصَّحيح، وهو غير صالح لإثبات السببيَّة، لأجل الذَّيل: «حتَّى يسكن». ولكنَّ الإنصاف: أنَّ التأمُّل في حكمة الشَّرع، وطريقته في المؤقِّتات، يورِث القطع هنا بعدم إرادة التوقيت الذي يسقط الفعل بقصوره عنه، ضرورة منافاة ذلك لغرض الوجوب وحكمته بضرب مثل هذه الأوقات القصيرة التي لا تسعِ الفعل المحتاج إلى مقدِّمات بالنسبة إلى غالب المكلَّفين في غالب الأوقات. ومن هنا يتَّجه ما ذهب إليه العلَّامة (رحمه الله) في التذكرة والنِّهاية من التفصيل، والله العالم.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: فإنَّ قَصُر الوقت سقطت في الكُسُوف، ووجبت أداءً في غيره*
المعروف بين الأعلام: أنَّ وقت الكُسُوف إنْ لم يتَّسع لأخفِّ الصَّلاة لم تجب، لاستحالة التكليف بعبادة مؤقَّتة في وقت لا يسعها.
وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بين من تأخَّر عنه -أي عن المحقق-» (انتهى كلامه).
وكما أنَّه لا تكليف بالأداء لا تكليف أيضاً بالقضاء، لأنَّ القضاء تدارك لِفعل المؤقَّت في خارج وقته، والمفروض عدم صلاحيَّته لكونه وقتاً له.
ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ قاعدة امتناع التكليف بفعلٍ في وقت يقصر عنه من الأمور المسلَّمة عند العقلاء، ضرورة كونه من التكليف بالمُحال. ومع ذلك فقد أنكرها صاحب الحدائق (رحمه الله)، حيث قال: «إنَّ ما ذكروه من القاعدة التي بَنَوا عليها في هذا الموضع وغيره ممَّا لم يقم عليه دليل شرعي، وإن كانت هذه القاعدة عندهم من الأدلَّة العقليَّة التي يُوجِبون تقديمها على الأدلَّة السَّمعيَّة، إلَّا أنَّ الأمر عندنا بالعكس» (انتهى كلامه). وفيه: أنَّ ما ذكره واضح البطلان، فلا حاجة لإطالة الوقت للردّ عليه.
ثمَّ إنَّه لا فرق في عدم الوجوب فيما إذا قَصُر الوقت عن أدائها بين أن يكون ذلك بمقدار ركعة فما زاد، وبين أن يكون أقلَّ من مقدار ركعة.
قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: «هل يشترط في وجوب صلاة الكُسُوف اتِّساعُ الوقتِ لجميعها، أم تكفي ركعة بسجدتَيْها، أم يكفي مسمَّى الرُّكوع، لأنَّه يسمَّى ركعةً لغةً وشرعاً في هذه الصَّلاة، أم لا؟ احتمالات: مِنْ تغليب السَّبب، فلا يشترط شيء من ذلك، فتكون كالزلزلة، إلَّا أنَّ هذا الاحتمال من فرض بين الأصحاب؛ وَمِنْ إجرائها مجرى اليوميَّة، فيعتبر الرِّكعة؛ وَمِنْ خروج اليوميَّة بالنَّصّ، فلا يُتعدَّى إلى غيرها» (انتهى كلامُه رُفِع مقامُه).
أقول: إنْ كان الكُسُوف من قبيل السَّبب كالزلزلة، كما ذهب إليه بعض الأعلام، وجب القول بوجوب الصَّلاة وإن قَصُر وقتُه عن الرِّكعة. وإن كان من قبيل الوقت -كما هو الإنصاف عندنا- تعيَّن القول بعدم الوجوب إذا قَصُر الوقت عن أدائها، لاستحالة التكليف بعبادة مؤقَّتة في وقت لا يسعها، لأنَّه من التكليف بالمُحال، سواء اتَّسَع الوقت لِمقدار ركعة أم لا.
وأمَّا ما دلَّ على إدراك الصَّلاة بإدراك ركعة منها في وقتها، كما في موثَّقة عمَّار بن موسى، عن أبي عبد الله (عليه السّلام)، في حديث قال: «مَنْ صلَّى ركعةً من الغَدَاة، ثمَّ طلعت الشَّمس، فَلْيُتمَّ وقد جازتْ صلاتُه»(2). فهي وإن كانت واردةً في صلاة الصُّبح إلَّا أنَّه يُتعدَّى إلى غيرها من ساير الصَّلوات اليوميَّة، للقطع بعدم الخصوصيَّة للغَدَاة. وأمَّا التعدِّي إلى غير اليوميَّة، ففيه ما فيه.
ثمَّ إنَّه لو سلَّمنا التعدِّي إلى غير اليوميَّة، إلَّا أنَّه مع ذلك لا يمكن التمسُّك بها هنا، إذ لا يُقال: أَدْرك من الوقت ركعةً إلَّا إذا كان الوقت في حدِّ ذاته صالحاً لِأَنْ تقع فيه الصَّلاة بتمامه ولكن لم يدرك منه إلَّا بمقدار ركعة، سواء كان عدم الإدراك بسوء اختياره أم لعذر. وأمَّا إذا لم يكن الوقت في حدِّ ذاته إلَّا بهذا المقدار -كما هو محلُّ الكلام- فلا تشمله حينئذٍ.
هذا، وقد ذهب جماعة من الأعلام، منهم صاحب الجواهر وصاحب الحدائق والمحقِّق الهمداني والسَّيد الحكيم والسَّيد الخوئي (رحمهم الله جميعاً) إلى أنَّ الأدلَّة الدَّالة على التوقيت لا تدلّ عليه بالمعنى المتعارف، أي التحديد من ناحية المبدأ والمنتهى، بل هي دالَّة عليه من حيث المبدأ فقط..
أما ما ذهب اليه بعض الاعلام: إلى أنَّ الأدلَّة الدَّالة على التوقيت لا تدلّ عليه بالمعنى المتعارف، أي التحديد من ناحية المبدأ والمنتهى، بل هي دالَّة عليه من حيث المبدأ فقط.، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وسائل الشيعة: باب 2 من أبواب صلاة الكسوف والآيات، ح1.
(2) وسائل الشيعة: باب 30 من أبواب المواقيت، ح1.