الدرس 178 _ الإستصحاب 39
لا زال الكلام في الصحة والفساد، وقلنا إن محل النزاع في المقام هو: كون الشيء موافقاً لما تعلّق به التكليف أو الاعتبار.
والإنصاف: أنّ الصحة والفساد الواقعيتين ليستا من المجعولات الشرعية، وهذا بخلاف الصحة والفساد الظاهريتين فإنهما من المجعولات الشرعية.
أما الصحة والفساد الواقعيتين: فإنّ المتصف بهما هو الفرد الخارجي -لا الطبيعة الكلية المجعولة، فإنها لا تتصف بالصحة والفساد- فيقال: أنّ هذا البيع الفلاني صحيح، أي أنه واجدٌ للشرائط المعتبرة فيه، أو أنه فاسدٌ لعدم كونه واجداً لها.
وعليه: فالصحة والفساد من أوصاف الفرد الخارجي، وكذا يقال هذه الصلاة صحيحة أي أنها واجدةٌ للشرائط المعتبرة فيها، وفاسدة لعدم كونها واجدةٌ لها، فكلّ فردٍ يكون مطابقاً للطبيعة المجعولة فهو صحيح، وكلّ فردٍ لم يكن من مصاديقها يكون فاسداً بلا فرقٍ بين العبادات والمعاملات.
وعليه: فالصحة والفساد والواقعيتان في العبادات والمعاملات منتزعتان من انطباق الطبيعة المجعولة على الفرد الخارجي وعدمه، وليستا مجعولتين شرعاً ولا هما من الأمور الواقعية.
وأما الصحة والفساد الظاهريتين: فهما من المجعولات الشرعية لأن موضوعهما الفرد المشكوك فيه، فللشارع أن يحكم بترتيب الأثر عليه، وأن يحكم بعدمه. فنراه قد حكم بالصحة الظاهرية في بعض الموارد كما في الشك بعد تجاوز المحل -في قاعدة التجاوز- أو بعد الفراغ -كما في قاعدة الفراغ- وحكم بالفساد في موارد أخرى كما في بعض الشكوك في ركعات الصلاة، كما لو شكّ في العدد قبل إكمال السجدة الثانية من الركعة الثانية في الصلاة الرباعية وفي الثنائية والثلاثية مطلقاً، وحكم بالصحة في العقود والإيقاعات فإذا شكّ في صحة عقدٍ أو إيقاعٍ أو فساده، فالأصل هو الصحة، وإذا كانت هناك دعوى فالأصل هو الصحة مع يمين مدّعي الصحة إذا لم يوجد للطرف الآخر بيّنة، وموردها ما لو شكّ في وجود مانعٍ أو اختلال شرطٍ. وأما إذا كان الشكّ في المقتضي فقد ذهب بعض الأعلام إلى أنّ الشارع قد حكم بالفساد، وتفصيله في محله.
ومهما يكن: فالصحة والفساد الظاهريتان مجعولتان شرعاً حيث رتّب الشارع الأثر في بعض الموارد ولم يرتّبه في البعض الآخر. والله العالِم.
أما الطهارة والنجاسة فـتأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.