الدرس 1208 _كتاب الصوم 8
قال في المدارك: «وقد أجمع العلماء كافَّة على أنَّ الاستمناء مفسدٌ للصَّوم»[1].
وقال في المعتبر: «ويُفطر بإنزال الماء بالاستمناء، والملامسة، والقبلة اتِّفاقاً...»[2].
وعن العلاَّمة (رحمه الله) في المنتهى أنَّه قال: «الإنزال نهاراً مفسد للصَّوم مع العمد، سواء أنزل باستمناء أو ملامسة أو قبلة بلا خلاف...»[3].
وعن شرح الأصبهانيّ (رحمه الله) في اللُّمعة: أنَّ «إفساده ممَّا أطبق عليه الأصحاب، ونصَّت به الأخبار»[4].
أقول: تدلّ عليه مضافاً إلى التَّسالم بين الأعلام جملة من الرِّوايات:
منها: صحيحة عبد الرَّحمان بن الحجَّاج «قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرَّجل يعبثُ بأهله في شهر رمضان حتَّى يُمني؟ قَاْل: عليه مِنَ الكفَّارة مثل ما على الَّذي يُجامع»[5].
ومنها: مرسلة حفص بن سُوقَة عمَّنْ ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرَّجل يُلاعب أهلَه، أو جاريتَه، وهو في قضاء شهر رمضان، فيسبقه الماء فيُنزل، قَاْل: عليه مِنَ الكفَّارة مثل ما على الَّذي جامع في شهر رمضان»[6].
وهي ضعيفة بالإرسال.
ومنها: رواية أبي بصير «قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلٍ وضع يده على شيءٍ من جسد امرأته فأدفق؟ فقال: كفَّارته أنْ يصوم شهرَيْن متتابعَيْن، أو يُطعم ستِّين مسكيناً، أو يُعتق رقبة»[7].
وهي ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة البطائنيّ، وعدم وثاقة القاسم بن محمَّد الجوهريّ.
ومنها: موثَّقة سَماعة «قَاْل: سألتُه عن رجلٍ لزق بأهلِه فأنزل؟ قَاْل: عليه إطعام ستِّين مسكيناً، مُدٌّ لكلِّ مسكين»[8].
ومُضمرات سَماعة مقبولة.
ومنها: مرسلة الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في الفقيه «قال: وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أَمَا يستحيي أحدُكم أنْ يصبر يوماً إلى اللَّيل؟! إنَّه كان يُقال: إنَّ بدو القتال اللّطام(*)، ولو أنَّ رجلاً لصق بأهله في شهر رمضان فأدفق كان عليه عتق رقبة»[9].
وهي ضعيفة بالإرسال.
ويُستفاد من هذه الرِّوايات أنَّ الاستمناء مع حصوله موجبٌ للفساد بأيّ سببٍ كان، ولا خصوصيّة للعبث بالأهل، أو اللّزوق به، ونحوه.
هذا كلُّه إذا كان قاصداً للإمناء مع حصوله.
وأمَّا إذا فعل شيئاً من تلك الأُمور، ولم يكن قاصداً للإنزال، ولا كان ذلك من عادته، فاتّفق أنَّه أنزل، فالمعروف بينهم عدم البطلان، وهو الصَّحيح.
نعم، يُفهم من بعض الرِّوايات أنَّ سبق المنيّ وإن لم يكن عن قصد مُوجبٌ للبُطلان:
منها: صحيحة الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنَّه سُئِل عن رجلٍ يمسّ مِنَ المرأة شيئاً، أيُفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال: إنَّ ذلك لَيُكره للرَّجل الشَّاب مخافة أنْ يسبقه المنيّ»[10].
ومنها: صحيحة منصور بن حازم «قَاْل: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في الصَّائم، يُقبِّل الجارية والمرأة؟ فقال: أمَّا الشَّيخ الكبير مثلي ومثلك فلا بأس، وأمَّا الشَّاب الشَّبق فلا، لأنَّه لا يُؤمَن، والقبلة إحدى الشَّهوتَيْن، قلتُ: فما ترى في مثلي يكون له الجارية فيُلاعبها؟ فقال لي: إنَّك لشبق يا أبا حازم!...»[11].
وكذا غيرها، فإنَّه لو لم يكن سبق المنيّ مُفسِداً للصَّوم وإن لم يكن عن قصد، لما صحّ التَّعليل بمخافة أن يسبقه المنيّ.
ولكنَّ الإنصاف: أنَّ هذه الرِّوايات محمولةٌ على مَنْ لم يثق من نفسه بعدم الإنزال.
وأمَّا مع الوثوق بعدم الإنزال، ولكنَّه خرج اتِّفاقاً، فلا يضرّ حينئذٍ.
ويدلّ على هذا الحمل: صحيح محمَّد بن مسلم وزرارة جميعاً عن أبي جعفر (عليه السلام) «أنَّه سُئِل: هل يُباشر الصَّائم أو يُقبِّل في شهر رمضان؟ فقال: إنِّي أخاف عليه فَلْيتنزَّه من ذلك، إلاَّ أن يثق أنْ لا يسبقه منيّه»[12]، فإنَّها واضحة في المنع عن الفعل مع عدم الوثوق.
وأمَّا مع الوثوق، فخروجه اتِّفاقاً لا يُفسد الصَّوم.
ويؤيِّد ما ذكرناه: مرسلة الصَّدوق في المقنع عن عليّ (عليه السلام) «قال: لو أنَّ رجلاً لصق بأهله في شهر رمضان فأمنى لم يكن عليه شيءٌ»[13].
وهي واضحة في حملها على صُورة الوثوق بعدم الإنزال. وإنَّما جعلناها مؤيِّدةً؛ لضعفها بالإرسال.
* * *
وإيصال الغبار الغليظ (1):
(1) قال في المدارك: «هذا قول معظم الأصحاب، قال في المنتهى: وعلى قول السّيِّد المرتضى (رضي الله عنه) ينبغي عدم الفساد بذلك...»[14].
وفي الحدائق: «اِختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في إيصال الغُبار إلى الحلق، فذهب جمعٌ، منهم الشَّيخ في أكثر كتبه إلى أنَّ إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق مُتعمّداً مُوجبٌ للقضاء والكفّارة، وإليه مال من أفاضل متأخِّري المتأخِّرين المحُدِّث الشَّيخ محمَّد بن الحسن الحُرّ في كتاب الوسائل. وذهب جمعٌ، منهم ابن إدريس، والشَّيخ المفيد على ما نُقل عنه، وأبو الصَّلاح، وغيرهم، والظَّاهر أنَّه المشهور إلى وجوب القضاء خاصّة متى كان مُتعمّداً. وذهب جمعٌ من متأخِّري المتأخِّرين إلى عدم الإفساد وعدم وجوب شيء من قضاء أو كفّارة، وهو الأقرب...»[15].
أقول: المشهور بين الأعلام شُهرةً عظيمةً أنَّ إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق مُفسدٌ للصُّوم.
[1] المصدر السَّابق.
[2] المعتبر: ج2، ص654.
[3] المنتهى: ج9، ص60.
[4] حكاه عنه في الجواهر: ج16، ص252.
[5] الوسائل باب 4 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح1.
[6] الوسائل باب 4 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح2.
[7] الوسائل باب 4 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح5.
[8] الوسائل باب 4 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح4.
(*) اللّطام هو اللّطم، أي ضرب الوجه بالكفّ.
[9] الوسائل باب 33 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح5.
[10] الوسائل باب 33 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح1.
[11] الوسائل باب 33 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح3.
[12] الوسائل باب 33 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح13.
[13] الوسائل باب 33 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ذيل ح5.
[14] المدارك: ج6، ص51.
[15] الحدائق: ج13، ص72.