الدرس 1207 _كتاب الصوم 7
وأمَّا السُّنّة النَّبويّة الشَّريفة، فجملة من الرِّوايات:
منها: صحيحة محمَّد بن مسلم المتقدِّمة «قَاْل: سمعتُ أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لا يضرُّ الصَّائم ما صَنَعَ إذا اجتنب ثلاث خِصَال: الطَّعامَ والشَّرابَ، والنِّساءَ، والارتماسَ في الماءِ»[1]. وكذا غيرها من الرِّوايات الكثيرة.
هذا كلُّه في الوطء في القُبل.
وأمَّا الجُماع في دُبر المرأة، فقال في المدارك: «وأمَّا الوطء في الدُّبر، فإنْ كان مع الإنزال فلا خلاف بين العُلماء كافَّة في أنَّه مُفسد للصَّوم، وإنْ كان بدون الإنزال فالمعروف من مذهب الأصحاب أنَّه كذلك»[2].
أقول: أمَّا الجُماع في دُبر المرأة مع الإنزال فممَّا لا شُبهة في أنَّه مفطِّر، بل هناك تسالم بينهم، وتدلُّ عليه أيضاً الرِّوايات الواردة في الاستمناء.
وأمَّا الجُماع في دُبرها بدون الإنزال، فهو كذلك أيضاً على المشهور، بل عن الخلاف والوسيلة: الإجماع عليه، وعن الغنية: الإجماع على الفساد بالجنابة عمداً، فيدخل فيه الجُماع في دُبر المرأة.
أقول: يدلُّ على ذلك عموم الآية الشَّريفة، وصحيحة مُحمَّد بن مسلم المتقدِّمة الدَّالّة على وجوب الاجتناب عن مُباشرة النِّساء الَّتي يُكنَّى بها عن نكاحهنَّ، وكذا غيرها من الرِّوايات الَّتي وقع فيها الحُكم مُعلَّقاً على عنوان النِّكاح، أو الوطء، أو إصابة الأهل، ونحوها من العناوين الصَّادقة على الوطء في الدُّبر.
ففي صحيحة عبد الرَّحمان بن الحجّاج «قَاْل: سألتُ أبا عبدالله (عليه السلام) عَنِ الرَّجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتَّى يُمني؟ قَاْل: عليه من الكفَّارة مثل ما على الَّذي يُجامع»[3].
ونحوها صحيحته الأُخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: سألتُه عن رجلٍ يعبثُ بامرأته حتَّى يُمني، وهو مُحرِم، من غير جُماع، أو يفعل ذلك في شهر رمضان؟ فقال (عليه السلام): عليهما جميعاً الكفَّارة مثل ما على الَّذي يُجامع»[4].
وفي موثَّقة سَماعة «قَاْل: سألتُه عن رجلٍ أتى أهله في شهر رمضان مُتعمِّداً؟ قَاْل: عليه عتق رقبة، أو إطعام ستِّين مسكيناً، أو صوم شهرَيْن متتابعَيْن، وقضاء ذلك اليوم، ومن أين له مثل ذلك اليوم»[5]، فإنَّ عنوان الجماع، وإتيان الأهل صادقان على الوطء في الدبر.
وأمَّا دعوى: انصراف هذه الرِّوايات إلى الوطء المُوجب للإنزال، أو خصوص الوطء في القُبل، فهو بدويٌّ يزول بالتّأمُّل بعد الالتفات إلى سببيّة نفس الجُماع من حيث هو للجنابة والإفطار في الجملة، وأنَّ الدُّبر أحد المأْتَيَيْن اللَّذَيْن رتَّب الشَّارع عليهما أحكام الجُماع.
وممَّا ذكرنا يتَّضح لك: أنَّ الجُماع في دُبر المرأة يُفسد صومها أيضاً؛ إذِ الجُماع مُوجبٌ لفساد صوم الطَّرفَيْن، لا خصوص الرَّجل.
وبالجملة، فإنَّه لا خلاف مُعتدّاً به بين الأعلام في ذلك.
وأمَّا مرسلة عليّ بن الحكم عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إذا أتى الرَّجل المرأة في دُبرها، وهي صائمة، لم ينقض صومها، وليس عليها غُسْل»[6].
ونحوها مرفوعة أحمد بن محمَّد عن بعض الكوفيِّين يرفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام): «في الرَّجل يأتي المرأة في دُبرها وهي صائمة، قَاْل: لا ينقض صومها، وليس عليها غُسْل»[7].
فلا يمكن العمل بهما؛ لضعف الأُولى بالإرسال، والثَّانية بالإرسال والرَّفع.
ويزيدهما ضعفاً إعراض الأصحاب عنهما. مُضافاً لدعوى الإجماع على خلافهما، والله العالم.
ثُمَّ إنَّه هل يفسد الصَّوم بوطء الغُلام والدَّابّة، أم لا؟
ولا يخفى أنَّ محلَّ الكلام هو فيما إذا لم يُنزل، وأمَّا مع الإنزال، فالأمر واضح.
إذا عرفت ذلك، فقد قال صاحب الجواهر (رحمه الله): «ويجب الإمساك عن الجُماع في دُبر المرأة والغُلام والبهيمة وقُبلها على الأظهر الأشهر، بل المشهور، بل في الخلاف الإجماع على بعضه، قال: (إذا أدخل ذَكَره في دُبر امرأةٍ أو غُلامٍ كان عليه القضاء والكفَّارة، دليلنا: إجماع الفِرقة وطريقة الاحتياط، ثمَّ قال: إذا أتى بهيمةً فأمنى كان عليه القضاء والكفَّارة، فإنْ أولج ولم يُنزل فليس لأصحابنا فيه نصٌّ، لكنَّ مقتضى المذهب أنَّ عليه القضاء؛ لأنَّه لا خلاف فيه، وأمَّا الكفَّارة فلا تلزمه؛ لأنَّ الأصل براءة الذِّمّة)»[8]، انتهى ما نقله صاحب الجواهر (رحمه الله) عن الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف.
وردَّ عليه ابن إدريس (رحمه الله) بقوله: «لمّا وقفتُ على كلامه كثر تعجّبي، والَّذي دفع به الكفَّارة، به يدفع القضاء، مع قوله: لا نصّ لأصحابنا فيه، وإذا لم يكن نصٌّ، مع قولهم (عليهم السلام): اسكتوا عمَّا سكت الله عنه، فقد كلَّفه القضاء بغير دليلٍ، وأيّ مذهبٍ لنا يقتضي وجوب القضاء، بل أصول المذهب تقتضي نفيه، وهي براءة الذِّمّة، والخبر المجمع عليه»[9].
ومقتضى كلامه (رحمه الله) اختيار عدم القضاء والكفَّارة فيه، فلا يكون مُفسداً للصَّوم.
والإنصاف في المسألة: هو ما ذكره المحقِّق (رحمه الله) في الشرائع من أنَّ الحُكم في المسألة يتبع وجوب الغُسل، وعليه علّق الحُكم بالبُطلان على كون ذلك مُوجباً للجنابة المُوجبة للغُسْل وباقي الأحكام، فإنْ صدق على وطء الغلام ووطء الدَّابّة عنوان الجنابة بطل الصَّوم حينئذٍ، وإلاَّ فلا.
وهذا هو الصَّحيح، فإنَّ مَنْ تدبَّر في الرِّوايات الواردة في مَنْ أجنب مُتعمِّداً في شهر رمضان في ليله أو نهاره، وفي مَنْ أصبح جُنباً، مع ما في بعضها من تعليل نفي البأس عن الإصباح جُنباً بأنَّ جنابته كانت في وقت حلال، الدَّالّ بمفهومه على عدم جواز الجنابة في اليوم وفساد الصَّوم بها، لا يكاد يرتاب في أنَّ تعمُّد الجنابة كتعمُّد الأكل والشُّرب ناقضٌ للصَّوم.
وبما أنَّنا ذكرنا في كتاب الطَّهارة في مبحث الجنابة: أنَّه يصدق عنوان الجنابة على وطء الغلام، ولا يصدق هذا العنوان على وطء البهيمة، فعليه يجب الغُسْل وقضاء الصَّوم مع الكفَّارة في وطء الغلام، ولا يجب الغُسْل، ولا قضاء الصَّوم، ولا الكفَّارة في وطء البهيمة، وإن كان ذلك مُحرَّماً.
* * *
على الأقرب (1):
(1) قوله (رحمه الله): «على الأقرب»، راجعٌ لحُكم وطء الذَّكر، ووطء البهيمة.
ولكنَّك عرفت ما هو الصَّحيح في المسألة.
* * *
والاستمناء (2)
(2) قال في المدارك: «المراد بالاستمناء: طلب الإمناء بغير الجُماع مع حصوله، لا مطلق طلبه وإن كان مُحرّماً أيضاً، إلاَّ أنَّه لا يترتَّب عليه حُكمٌ سوى الإثم...»[10].
ونحوه عبارة صاحب الجواهر (رحمه الله)، ولكن سيأتي إن شاء الله تعالى أنَّ قصد المُفطِّر يُفسد الصَّوم، وإن لم يتَّفق حصوله.
ومهما يكن، فإنَّه لا إشكال في أنَّ قصد الإمناء مع حصوله مُفسدٌ للصَّوم.
[1] الوسائل باب 1 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح1.
[2] المدارك: ج6، ص44.
[3] الوسائل باب 4 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح1.
[4] الوسائل باب 4 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح3.
[5] الوسائل باب 8 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح13.
[6] التهذيب: ج7، ح1843، باب الزيادات في فقه النكاح: ص460.
[7] الوسائل باب 12 من أبواب الجنابة ح3.
[8] الجواهر: ج16، ص219.
[9] السرائر: ج1، ص380.
[10] المدارك: ج6، ص61.