الدرس329 _الاذان والاقامة 31
وقال المصنِّف R في الذكرى بعد ذكره لموثقة عمار : «وبها أفتى الأصحاب، ولم أرَ لها رادّاً سوى الشَّيخ نجم الدِّين، فإنَّه ضعَّف سندها بأنَّهم فطحيَّة، وقرَّب الاجتزاء بالأذان والإقامة أوَّلاً، لأنَّه قد ثبت جواز اجتزائه بأذان غيره فبأذان نفسه أولى.
قلت: ضعف السَّند لا يضرّ مع الشَّهرة في العمل والتلقِّي بالقبول والاجتزاء بأذان غيره لكونه صادف نية السَّامع للجماعة، فكأنَّه أذَّن للجماعة، بخلاف الناوي بأذانه الانفراد» انتهى كلامه رُفِع في الخلد مقامه.
أقول: قد عرفت أنَّ الرِّواية موثَّقة، ولا يضرُّها كون السَّند من رجال الفطحيَّة بعد كونهم ثقات، بل بعضهم أو أكثرهم رجع عن الفطحيَّة إلى إمامة موسى الكاظم N، لأنَّ عبد الله الأفطح ابن الإمام الصَّادق N عاش بعد أبيه سبعين يوماً فقط، على ما ذكره جملة من الأعلام، فأغلب أتباعه رجعوا عن القول بذلك.
وأمَّا شهرة العمل، والتلقي بالقبول: فهما يصلحان للتأييد فقط، لِمَا عرفت من أنَّ الشُّهرة العمليَّة عند المتقدِّمين لا تجبر ضعف السَّند.
ومن هنا تعرف أنَّ ما ذهب إليه المحقِّق R في المعتبر من استقراب الاجتزاء بالأذان والإقامة الواقعتَيْن منه بنيَّة الانفراد مع تأييده لذلك برواية أبي مريم الأنصاري في غير محلِّه، مع أنَّ رواية أبي مريم الأنصاري ضعيفة بعدم وثاقة صالح بن عقبة، بل قال العلاَّمة R في الخلاصة: «إنَّه كان كذَّاباً غالياً لا يلتفت إليه».
ولكنَّك عرفت أنّ توثيقات المتأخِّرين وتضعيفاتهم تصلح للتأييد فقط، لا للاستدلال، كما أنَّه يمكن منع الأولويَّة المستفادة من رواية أبي مريم، واحتمال الفرق بقصده N الجماعة التي هو إمامها، وعدم معلوميَّة انفراد الإمام الصَّادق N.
والإنصاف: هو العمل بموثَّقة عمَّار من عدم الاجتزاء بالأذان والإقامة المأتي بهما بنيَّة الانفراد لصلاة الجماعة، واستحباب إعادتهما.
وأما ما يظهر من الموثَّقة من عدم جواز الاجتزاء، ووجوب الإعادة، فهو محمول على ما ذكرناه جمعاً بينهما، وبين غيرهما، ممَّا دلَّ على عدم الوجوب، والله العالم.
(1) يقع الكلام في أربعة أمور:
الأوَّل: في سقوط الأذان لصلاة العصر يوم الجمعة إذا جمعها المكلَّف مع صلاة الجمعة أو ظهر الجمعة، وكذا عصر عرفة إذا جمعها مع الظُّهر، وكذا الحال في عشاء مزدلفة إذا جمعها مع المغرب، بل يقع الكلام فيما لو جمع بين الفرضين سواء يوم الجمعة أو غيره من سائر الأيام، وسواء بين الظُّهرين أو العشاءين، فهل يسقط الأذان للثانية أم لا؟
الأمر الثاني: هل سقوط الأذان للثانية رخصة، أم عزيمة؟
الأمر الثالث: على القول بالسُّقوط في صورة الجمع، وعدم التفريق بين الصلاتين، كيف يحصل التفريق بينهما، وهل يكفي فيه التنفّل أو بعض التعقيب، أم لا؟
الأمر الرابع: هل الأذان لصاحبة الوقت كما ذكر المصنِّف R، أم أنَّه للأولى مطلقاً، أو لهما معاً؟
إذا عرفت ذلك فقد تقدَّم أنَّ مقتضى إطلاقات الأدلَّة وعموماتها استحباب الأذان لكلٍّ من الفرائض الخمس مطلقاً، أي سواء أتى بها وحدها، أم جمع بينها وبين غيرها، وهذا هو الأصل في المقام.
وعليه، فالسُّقوط يحتاج إلى دليل، وقدِ اختلف الأعلام في أذان عصر يوم الجمعة فأطلق الشَّيخ R في المبسوط سقوطه، وهو ظاهر الشَّيخ المفيد R في المقنعة على ما نقله الشَّيخ R في التهذيب، وقال ابن إدريس R: «إنّما يسقط أذان العصر عمَّن صلَّى الجمعة، دون من صلَّى الظُّهر».
ونقل عن المفيد R في الأركان وابن البراج:: أنَّهما استحبَّا الأذان لعصر يوم الجمعة كغيره من الأيام، قال R في المدارك: «وهو اختيار المفيد قدِّس سرُّه في المقنعة على ما وجدته فيها، فإنه قال بعد أن أورد تعقيب الأُولى: ثمَّ قُمْ فأذِّن للعصر، وأقم الصَّلاة، قال : «وإلى هذا القول ذهب شيخنا المعاصر سلَّمه الله تعالى وهو المعتمد لإطلاق الأمر الخالي من التقييد...».
أقول: قدِ استُّدل لسقوط الأذان في عصر يوم الجمعة بعدَّة أدلَّةٍ:
منها: موثَّقة حفص بن غياث عن جعفر N عن أبيه N «الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة»[i]f443.
هذا، وقد أشكل صاحب المدارك R على هذه الرِّواية: «بأنَّها ضعيفة السَّند، قاصرة المتن (الدَّلالة)، فلا تصلح لمعارضة الأخبار الصَّحيحة المتضمنة لمشروعيَّة الأذان في الصَّلوات الخمس...».
وفيه: أنَّ الرِّواية موثَّقة، فإنَّ حفص بن غيَّاث ورد في حقِّه مثل ما ورد في السَّكوني من أنَّ الطَّائفة عملت برواياته، كما ذكر الشَّيخ R في كتاب العدَّة.
وقدِ استفدنا من هذا الكلام أنَّ العمل من جهة كونه ثقة، فلا إشكال من جهة السَّند.
وأمَّا من جهة الدَّلالة: فما ذكره صاحب المدارك R في محله، لأنَّ الاستدلال بها مبنيّ على تفسير الأذان الثالث بأذان العصر، إمَّا باعتبار كونه ثالثاً لأذاني الفجر والظُّهر، أو كونه ثالثاً للأذان لصلاة الظُّهر والإقامة لها.
ولكنَّ الأقرب كما ذكر بعض الأعلام : هو حمله على الأذان الثاني للظُّهر الذي قِيل: إنَّه ابتدعه عثمان، لبعد بيته عن المسجد، فكانوا يؤذِّنون أوَّلاً في بيته، وثانياً في المسجد، وقِيل: إنَّ المبتدع معاوية.
ومهما يكن، فالرِّواية مجملة لا يصحّ الاستدلال بها.
ومنها: الإجماع كما عن الغنية والسَّرائر والمنتهى.
وفيه: ما ذكرنا في أكثر من مناسبة من أنَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد غير حجَّة، لعدم كونه مشمولاً لأدلَّة حجيَّة خبر الواحد.
أضف إلى ذلك: أنَّ ابن إدريس R المدّعي للإجماع إنَّما خصَّ السُّقوط بمَنْ صلَّى الجمعة دون الظُّهر، كما هو اختيار صاحب الجواهر R.
وبالجملة، فمع قطع النَّظر عن تحقّق هذا الإجماع فإنَّ الكبرى غير ثابتة، وهي حجيَّة الإجماع المنقول بخبر الواحد.
ومنها: ما ذكره الشَّيخ R في التهذيب من الاستدلال لذلك بصحيحة الرهط، منهم الفُضيل وزرارة عن أبي جعفر N: «أنَّ رسول الله C جمع بين الظُّهر والعصر بأذان وإقامتين، وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين»[ii]f444.
واعترض على هذا الاستدلال صاحب المدارك R بأنَّ الصَّحيحة إنَّما تدلُّ على جواز ترك الأذان للعصر والعشاء، مع الجمع بين الفرضين في يوم الجمعة وغيره، وهو خلاف المدَّعى.
ويرد عليه: أنَّ إشكاله إنَّما يتمُّ لو أُرِيد بها الاستدلال لِسقوط أذان العصر في خصوص يوم الجمعة لا غير.
ولكنَّ استشهاد الشَّيخ R بهذه الصَّحيحة يشهد بأنَّ غرضه إثبات سقوطه يوم الجمعة عند الإتيان بوظيفته من الجمع بين الصَّلاتين في أوَّل الوقت من حيث الجمع، لا من حيث كونه في يوم الجمعة، فلا خصوصيَّة للزمان ولا للمكان، كما في يوم عرفة وعشاء المزدلفة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
ثمَّ إنَّ النكتة في تخصيص عصر يوم الجمعة بالذكر: هي استحباب المبادرة إلى أدائها عقيب الظُّهر بلا فصل، بخلاف سائر الأيام، كما أنَّه يفهم منِ استشهاده بهذه الصَّحيحة أنَّ غرضه السُّقوط في صورة الجمع، لا مطلقاً، أي حتَّى مع التفريق.