الدرس 171_في المناهي وهي على أقسام ثلاثة (3).أحدها: ما نهي عنه لعينه
الدرس 171 / السبت: 24-نيسان-2021
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والملامسة، كالبيع في الظُّلمة من غير وصف، أو تعليق البيع على اللَّمس. والمنابذة، على تفسيري الملامسة. وقد تفسَّر بالمعاطاة، وهو ضعيف. وبيع الحصاة، مثل: بعتك ما تقع عليه حصاتك، أو: ما بلغته حصاتك مِنَ الأرض، أو يجعل نفس رمي الحصاة بيعاً. (انتهى كلامه)
(1) يقع الكلام في أمرَيْن:
الأوَّل: في معنى بيع الملامسة والمنابذة والحصاة.
الثَّاني: في حكم بيع هذه الأمور.
أمَّا الأمر الأوَّل: فإنَّ كلمات الأعلام متقاربة في تفسير هذه الأمور الثَّلاثة، قال الشَّيخ الطُّوسي (رحمه الله) في المبسوط بعد أن ذكر رواية أبي سعيد الخدري عَنِ النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله) في النَّهي عن بيع الملامسة والمنابذة : «فأمَّا بيع الملامسة، فهو أن يأتي الرَّجل بثوبه مطويّاً أو منشوراً في ظلمة، فيقول: بعتك هذا الثَّوب بكذا وكذا، فإذا لمسته وجب البيع، ولا خيار لك إذا نظرت إلى طوله وعرضه، والمنابذة أن يبيعه ثوبه منه بكذا وكذا، فإذا أنبذه إليه وجب البيع، ولا خيار له إذا وقف على طوله وعرضه، وهذا كلُّه لا يصحُّ للجهل بالمبيع إجماعاً إلى أن قال: ونهى النَّبيُّ (صلّى الله عليه وآله) عن بيع الحصى، وقيل في تفسيره: إنَّه بيع الأرض منتهى الحصى إذا رماها، قيل: بيع ثوب مِنَ الثِّياب التي يقع عليها الحصاة إذا رماها، وهذا أيضاً لا يجوز؛ لأنَّه مجهول».
وهذه الرِّواية التي ذكرها الشَّيخ (رحمه الله) عن أبي سعيد الخدري ضعيفة بالإرسال، وكذا الرواية الأخرى التي ذكرها، فإنَّها ضعيفة بالإرسال.
وعن دعائم الإسلام: «أنَّه (صلّى الله عليه وآله) نهى عن بيع الملامسة والمنابذة وطرح الحصى، فأمَّا الملامسة فقدِ اختلف في معناها، وقال قوم: هو بيع الثَّوب مدروجاً يلمس باليد ولا ينشر ولا يرى داخله، وقال آخرون: هو الثَّوب، يقول البائع: أبيعك هذا الثَّوب على أنَّ نظرك إليه اللَّمس بيدك، ولا خيار لك إذا نظرت إليه، وقال آخرون: هو أن يقول إذا لمست ثوبي فقد وجب البيع بيني وبينك، وقال آخرون: هو أن يلمس المتاع من وراء ستر، وكلُّ هذه المعاني قريب بعضها من بعض، وإذا وقع البيع عليها فسد، واختلفوا أيضاً في المنابذة، فقال قوم: هي أن ينبذ الرَّجل الثَّوب إلى رجل وينبذ إليه الآخر ثوباً، يقول: هذا بهذا من غير تقليب، ولا نظر، وقال آخرون: هو أن ينظر الرَّجل إلى الثَّوب في يد الرَّجل مطوياً، فيقول: أشتري هذا منك، فإذا نبذته إليَّ فقد تمَّ البيع بيننا، ولا خيار لواحد، وقال قوم: المنابذة وطرح الحصى بمعنى واحد، وهو بيع كانوا يتبايعونه في الجاهليَّة يجعلون عقد البيع بينهم طرح حصاة، يرمون بها من غير لفظ من بائع ولا مشترٍ ينعقد به البيع، وكلُّ هذه الوجوه مِنَ البيوع الفاسدة»، والرِّواية التي ذكرها عَنِ النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله) ضعيفة بالإرسال.
وروى الشَّيخ الصدوق (رحمه الله) في معاني الأخبار بسند متَّصل إلى النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله) «أنَّه نهى عن المنابذة، والملامسة، وبيع الحصاة»[1]f215.
ثمَّ قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): «أمَّا المنابذة، فيقال: إنَّها أنْ يقول الرَّجل لصاحبه: انبذ إليَّ الثَّوب، أو غيره مِنَ المتاع، أوِ أنبذه إليك، وقد وجب البيع بكذا وكذا، ويقال: إنَّما هو أن يقول الرَّجل: إذا نبذت الحصاة فقد وجب البيع، وهو معنى قوله: أنَّه نهى عن بيع الحصاة؛ والملامسة أن تقول: إذا لمست ثوبي أو لمستُ ثوبك فقد وجب البيع بكذا وكذا، ويقال: بل هو أن يلمس المتاع من وراء الثَّوب، ولا ينظر إليه، فيقع البيع على ذلك، وهذه بيوع كان أهل الجاهليَّة يتبايعونها، فنهى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عنها؛ لأنَّها غرر كلُّها».
والرِّواية التي ذكرها بإسناد متَّصل إلى النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله) ضعيفة بعدم وثاقة بعض الأشخاص، وجهالة جملة منهم أيضاً.
وقال العلاَّمة (رحمه الله) في التذكرة: «والملامسة: أن يبيعه شيئاً ولا يشاهده على أنَّه متى لمسه وقع البيع، وهو ظاهر كلام أحمد ومالك والأوزاعي، وله تفاسير ثلاثة: أن يجعل اللَّمس بيعاً، بأنْ يقول صاحب الثوب للراغب: إذا لمست ثوبي فهو مبيع منك بكذا، وهو باطل؛ لما فيه مِنَ التَّعليق، وقال بعض الشَّافعيَّة: إنَّه من صِوَر المعاطاة، وأن يأتي بثوب مطويٍّ له في ظلمة فيلمسه الرَّاغب، ويقول صاحب الثَّوب: بعتك بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام النَّظر، ولا خيار لك إذا رأيته، فسَّره الشَّافعي إلى أن قال: وأن يبيعه على أنَّه إذا لمسه وجب البيع، وسقط خيار المجلس، وغيره، ويبطل عنده، لفساد الشَّرط، والوجه عندي: صحَّته إن كان قد نظره.
والمنابذة قيل: أن يجعل النَّبذ بيعاً، بأنْ يقول: أنبذ إليك ثوبي بعشرة، ثمَّ ينبذه، ويكتفيان به بيعاً، وقيل: أن يقول: بعتك كذا بكذا على أنِّي إذا نبذته إليك فقد وجب البيع، قالهما الشَّافعية، وظاهر كلام أحمد ومالك والأوزاعي أن يقول: إذا نبذته إليَّ فقد اشتريته بكذا، وقيل: طرح الرَّجل ثوبه بالبيع إلى الرَّجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه، والحصاة أن يقول: ارمِ هذه الحصاة، فعلى أيِّ ثوب وقعت فهو لك بكذا، وقيل: أن يقول: بعتك من هذه الأرض مقدار ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا، وقيل: أن يقول: بعتك هذا بكذا على أنِّي متى رميت هذه الحصاة وجب البيع، ولا نعلم خلافاً في بطلان الجميع»، وقد عرفت تفسير المصنِّف (رحمه الله) لهذه الأمور الثلاثة في المتن.
ولا يخفى عليك أنَّ هذه التَّفاسير مِنَ الأعلام كلِّها متقاربة، ولا يوجد ما يدلُّ على الأخذ بتفسير معيَّن، بل كلُّها ممكنة، وهناك الكثير مِنَ العبائر للأعلام في تفسير هذه الأمور أعرضنا عنها لأنَّها متقاربة.
الأمر الثَّاني: في حكمها.
قال العلاَّمة (رحمه الله) في التَّذكرة: «بيع الملامسة والمنابذة والحصاة باطل، بالإجماع؛ لأنَّ النَّبيَّ (صلّى الله عليه وآله) نهى عن ذلك كلِّه».
أقول: هناك تسالم على بطلان هذه البيوعات، وذلك للغرر، وللتَّعليق في بعضها، ومِنَ المعلوم أنَّ التَّعليق في العقود مبطل لها.
وأمَّا الروايات النبوية الناهية عنها، فقد عرفت أنَّها ضعيفة، والله العالم، والهادي إلى الصَّواب.