الدرس 147_التكسّب الحرام وأقسامه (142). سادسها: ما يجب على المكلّف فعله
الدرس 147 / الاثنين: 22-شباط-2021
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويحرم عَنِ الجائر، إلاَّ مَعَ الإكراه، فينفذ ما أُكْره عليه، إلاَّ الدِّماء المحرَّمة. قال الصَّادق (عليه السلام): «مَنْ سَوَّدَ اسمَه في دِيْوَانِ وُلْدِ سَاْبِعٍ حَشَرَه الله يَوْمَ القِيَامَةِ خِنْزِيراً».
وَلَوْ ظَنَّ القِيَام بالحقَّ، والاحتساب المشروع لم يحرم. ويجوز له إذا كان مجتهداً إقامةُ الحدودِ معتقداً أنَّه عَنِ العادل. ويستحبُّ له تحمُّل الضَّرر اليسير في تَرْك الولاية. ولا يجوز تحمُّل الضَّرر الكثير في نفسه أو بدنه، أو مَنْ يجري مجراه من قريب ومؤمن. ويجوز تحمُّله في المال، ولا يجب. (انتهى كلامه)
(1) يقع الكلام في تسعة أمور:
الأوَّل: في حرمة الولاية من قِبَل الجائر.
الثَّاني: في جوازها فيما إذا أمكنه القيام بمصالح العباد والاحتساب المشروع، أي الأمر بالمعروف والنَّهي عَنِ المنكر، حيث يُعبَّر عنهما بالحِسْبة.
الثَّالث: في جواز الولاية فيما إذا أُكْرِه عليها، بحيث يتوعَّده الظَّالم إذا تركها.
الرَّابع: في جواز قبولها إذا كان مجتهداً لإقامة الحدود؛ معتقداً أنَّ ذلك عَنِ العادل، أي عَنِ المعصوم (عليه السلام).
الخامس: كما تباح بالإكراه على نفس الولاية كذلك يباح به ما يلزمها مِنَ المحرَّمات، كالإضرار بالنَّاس.
السَّادس: كيف يتحقَّق الإكراه مِنَ الظَّالم؟
السَّابع: هل يعتبر العجز عَنِ التَّفصِّي في الإكراه أم لا؟
الثَّامن: هل يجوز تحمُّل الضَّرر اليسير في بدنه في ترك الولاية أم لا؟ وأيضاً هل يجوز تحمُّل الضَّرر المالي في تركها أم لا؟
التَّاسع: هل يُبَاح بالإكراه قَتْل المؤمن أم لا؟
إذا عرفت ذلك، فنقول:
أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام أنَّه يحرم قبول الولاية مِنَ السُّلطان الجائر.
أقول: بل حرمتها في الجملة مِنَ الواضحات التي لا تحتاج إلى دليل.
ومع ذلك قدِ استُدلَّ للحرمة بدليلَيْن:
الأوَّل: أنَّها إعانة للظَّالم، بل هي من أعظم الإعانة، وقد ذكرنا سابقاً أنَّه يحرم كون الشَّخص من أعوان الظَّلمة، وذكرنا الدَّليل على ذلك، فراجع.
الثَّاني: الرِّوايات الكثيرة والمتواترة معنى، ونحن نقتصر على بعضها، ويأتي جملة منها أيضاً في الأمور الآتية إن شاء الله تعالى .
ومن جملة الرِّوايات المستدلِّ بها على الحرمة حسنة محمَّد بن مسلم «قَاْلَ: كُنَّا عِنْدَ أَبي جعفرٍ (عليه السلام)، عَلَى بَابِ دَاْرِه بالمَدِينةِ، فَنَظَرَ إلى النَّاسِ يمرُّونَ أَفْوَاجاً، فَقَاْلَ لِبَعْضِ مَنْ عِنْدَه: حَدَثَ بالمَدِيْنةِ أَمْرٌ؟ فَقَاْل: أَصْلحَكَ الله (جُعِلْتُ فِدَاك خ ل) وَليَ المدينةَ والٍ، فَغَدَا النَّاس (إليه) يهنِّئُوْنَه، فَقَاْل: إنَّ الرَّجل ليُغْدَى عليه بالأَمْرِ يُهنّئ (تهنَّأ) بِهِ، وَإنَّه لَبَابٌ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ»[1]f108.
ومنها: رواية يحيى بن إبراهيم بن مهاجر «قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): فُلَانٌ يُقرؤك (يُقْرِئُكَ) السَّلَامَ، وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَقَالَ: وَعَلَيْهِمُ السَّلَامُ، قُلْتُ: يَسْأَلُونَكَ الدُّعَاءَ، فَقَالَ: وَمَا لَهُمْ؟ قُلْتُ: حَبَسَهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ، فَقَالَ: وَمَا لَهُمْ، وَمَا لَهُ؟ قُلْتُ: اسْتَعْمَلَهُمْ، فَحَبَسَهُمْ، فَقَالَ: وَمَا لَهُمْ، وَمَا لَهُ؟ أَلَمْ أَنْهَهُمْ؟ أَلَمْ أَنْهَهُمْ؟ أَلَمْ أَنْهَهُمْ؟ هُمُ النَّارُ، هُمُ النَّارُ، هُمُ النَّارُ، (قَالَ:) ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ اجدَعْ عَنْهُمْ سُلْطَانَهُمْ، قَالَ: فَانْصَرَفْتُ مِنْ مَكَّةَ، فَسَأَلْتُ عَنْهُمْ، فَإِذَا هُمْ قَدْ أُخْرِجُوا بَعْدَ هذَا الْكَلَامِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ»[2]f109، ولكنَّها ضعيفة بمحمَّد بن سنان، وبجهالة يحيى بن إبراهيم بن مهاجر.
ومنها: رواية ابن بنت الوليد بن صُبَيْح الكاهلي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: مَنْ سَوَّد اسْمَه في دِيْوَانِ وُلْدِ سَاْبِعٍ حَشَرَه الله يوْمَ القِيَامَة خِنْزِيراً»[3]f110، وهي ضعيفة بجهالة ابن بنت الوليد بن صُبَيح، وسابع مقلوب عباس، كنِّى به الإمام (عليه السلام) تقيَّةً، كما رمع مقلوب عمر.
ومنها: رواية تحف العقول، حيث ورد فيها «وأمَّا وجه الحرام مِنَ الوِلَاْيةِ: فولايةُ الوالي الجَائِر، وَوِلايةُ ولاتِه، فالعَمَلُ لَهُمْ، والكَسْبُ معهم بجهةِ الولايةِ لهم حرامٌ محرَّمٌ معذَّب فاعلُ ذلك على قليلٍ مِنْ فِعْله أو كثير؛ لأنَّ كلَّ شيءٍ مِنْ جهة المؤونةِ له معصية كبيرة مِنَ الكبائرِ، وذلك أنَّ في ولاية الوَالي الجائرِ دُرُوسَ الحقِّ كلِّه، فلذلك حَرُمَ العَمَلُ معهم، ومعونتُهُم، والكَسْبُ معهم، إلاَّ بجهةِ الضَّرورةِ، نظير الضَّرورةِ إلى الدَّمِ والمِيْتَةِ...»[4]f111، وهي طويلة جدّاً، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، وكذا غيرها مِنَ الرِّوايات.
ثمَّ إنَّ ظاهر كثير مِنَ الرِّوايات أنَّ الولاية محرَّمة بنفسها، مع قطع النَّظر عن ترتُّب معصيةٍ عليه مِنْ ظُلْمِ الغير، ونحو ذلك.
وعليه، فأيُّ والٍ من ولاة الجَوْر ارتكب شيئاً مِنَ المحرَّمات، كظلم الغير مثلاً، فإنَّه يعاقب عقابَيْن، أحدهما من جهة الولاية المحرَّمة، وثانيهما من جهة ما ارتكبه مِنَ الحرام.
ثمَّ إنَّه قد يقال: إنَّ الولاية مِنَ الظَّالم ليست محرَّمةً بنفسها، بل الحرمة من جهة ما يترتَّب عليها من فِعْل المعاصي.