الدرس 169 _زكاة الفِطرة 2
والمعنى على الأوَّل: زكاة الأبدان، على معنى كونها مطهِّرةً لها من أوساخ المعاصي، أو منمِّيةً للأبدان، أو صدقةً لحفظها من الموت، ونحوه.
كما تشير إليه موثَّقة معتب عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: اِذهب فأعطِ عن عيالِنا الفطرة، وعن الرَّقيق، واجمعهم ولا تدع منهم أحداً، فإنَّك إنْ تركت منهم إنساناً تخوَّفت عليه الفوت، قلتُ: وما الفوت؟ قال: الموت»([1])، وهي موثَّقة بطريق الكلينيّ وبطريق الشَّيخ الصَّدوق في العِلل.
وأمَّا في الفقيه، فهي ضعيفة؛ لوجود عليّ بن إسماعيل البندقيّ في طريق الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) إلى إسحاق بن عمَّار، وعليّ بن إسماعيل البندقيّ لم يوثِّقه إلاَّ نصر بن الصُّباح، وتوثيقاته غير معتبرة؛ لأنَّه هو نفسه لم يوثَّق، فكيف يُوثِّق الآخرين؟!
والمعنى على الثاني: زكاة الدِّين، أي أنها مطهِّرة، أو منميَّة له.
ويُؤيِّده: ما ورد في صحيحة أبي بصير وزرارة جميعاً «قالا: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنَّ من تمام الصَّوم إعطاء الزَّكاة يعني : الفطرة كما أنَّ الصَّلاة على النَّبي (ص) من تمام الصَّلاة، لأنَّه مَنْ صام ولم يؤدِّ الزَّكاة فلا صوم له إذا تركها مُتعمِّداً، ولا صلاة له إذا ترك الصَّلاة على النَّبيّ (ص)، إنّ الله (عز وجل)قد بدأ بها قبل الصَّوم (الصلاة)، فقال: «قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى . وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى /﴾ ]الأعلى: 1415[»([2])، وقوله: «يعني الفطرة» إمَّا من كلام الرَّاوي، أو من كلام الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله).
والمعنى على الثَّالث: أي الزَّكاة المقارنة ليوم الفطر، كما عن الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك ، ولا يهمّنا تحقيق ذلك؛ لعدم الفائدة.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: على البالغ العاقل(1)
(1) المعروف بين الأعلام: أنَّه يُشترط في وجوبها التَّكليف، فلا تجب على الصَّبيّ والمجنون. وفي المدارك: «هذا قول علمائنا أجمع، حكاه المصنف في المعتبر، والعلامة في المنتهى...». وفي الجواهر: «بلا خلاف فيه، بل هو قول علمائنا أجمع في محكي المعتبر والمنتهى والتَّذكرة...».
أقول: قدِ استدلّ لعدم الوجوب على الصَّبيّ والمجنون بعدة أدلَّة:
منها: التَّسالم بين جميع الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار، بحيث لم يخالف أحد من الأعلام، وبذلك خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه، وهذا من أقوى الأدلَّة.
ومنها: حديث رفع القلم عنهما([3]).
وعليه، فلا يشملهما إطلاق الأمر، ولا دليل على تكليف الوليّ بالإخراج عنهما، فالأصل براءة ذمَّته.
وفيه: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة، من أنَّ حديث رفع القلم ضعيف بجميع طرقه، فلا حاجة للإعادة.
وعليه، فما فرَّعوه عليه بقولهم: «فلا يشملهما إطلاق الأمر»، في غير محلِّه.
والخلاصة: أنَّ هذا الدَّليل الثَّاني ليس تامّاً.
ومنها: ما رواه الشَّيخ المفيد (رحمه الله) في المقنعة عن عبد الرَّحمان بن الحجّاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: تجب الفطرة على كلِّ مَنْ تجب عليه الزَّكاة»([4])، فإذا عكسناها بعكس النَّقيض تصبح هكذا: كلُّ مَنْ لا تجب عليه الزَّكاة لا تجب عليه الفطرة، والصَّبي والمجنون لا تجب عليهما الزَّكاة، فلا تجب عليهما الفطرة.
وفيه أوَّلاً: أنَّ الرِّواية ضعيفة بالإرسال.
وثانياً: أنَّها متوقِّفة على حُجيَّة العامّ في عكس نقيضه، وقد عرفت عند الكلام عن حُجيَّة الظَّواهر أنَّ العمدة في حُجيَّة الظَّواهر هو بناء العقلاء، وهو دليل لُبيٌّ يُقتصر فيه على القدر المتيقَّن، ولم يُحرز بناء العقلاء ترتيب الأثر بالعلم بعكس نقيض العامّ، وإن كان عند أهل المنطق حُجَّة، والمتَّبع هنا في باب الظُّهورات هو ما استقرّ عليه بناء العقلاء، وهو ما أشرنا إليه، والله العالم.
ومنها: في خصوص الصَّبيّ: صحيحة محمَّد بن القاسم بن الفضيل «قَاْل: كتبتُ إلى أبي الحسن الرِّضا (عليه السلام) أسأله عن الوصيّ، أيُزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مالٌ؟ قَاْل: فكتب (عليه السلام): لا زكاة على يتيم»([5])، وهي واضحة الدَّلالة، تامَّة السَّند، وهي صحيحة بطريق الشَّيخ الطُّوسيّ (رحمه الله) وبطريق الكليني المذكور في كتاب الزَّكاة.
ولكنَّها ضعيفة بطريق الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في الفقيه؛ لأنَّ في إسناده إلى محمَّد بن القاسم بن الفضيل الحسين بن إبراهيم الملقَّب بالكاتب تارةً، وبالمؤدّب أخرى، وهو غير موثَّق.
والخلاصة إلى هنا: أنَّه لا إشكال في عدم وجوبها على الصَّبيّ والمجنون.
ثمَّ إنَّه قد ذكر الأعلام: أنَّ زكاة الفطرة تسقط عنهما وعن عيالهما، فلو كان للصَّبيّ عيالٌ، كما لو كان له مملوك يُعيله، أو كان للمجنون مملوك أو زوجة يعيلهما، فلا زكاة عليهما، ولا على عيالهما.
وقد يستدلّ مضافاً إلى التسالم : بقوله (عليه السلام) في الصَّحيحة السَّابقة: «لا زكاة على يتيم»، فإنّ إطلاقها يدل على عدم الوجوب على العيال أيضاً.
ولكن قد يُقال: إنَّها تجب على عيالهما؛ وذلك لأنَّ صحيحة محمَّد بن القاسم بن الفضيل على رواية الكلينيّ في باب الصَّوم مشتملةٌ على ما يدلّ على وجوب الزَّكاة على عيال اليتيم.
وإليك نصُّها: «عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (عليه السلام)، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَيْهِ: الْوَصِيُّ يُزَكِّي عَنِ الْيَتَامى زَكَاةَ الْفِطْرَةِ إِذَا كَانَ لَهُمْ مَالٌ؟ فَكَتَبَ: لَا زَكَاةَ عَلى يَتِيمٍ.
وَعَنْ ممْلُوكٍ يَمُوتُ مَوْلَاهُ وَهُوَ عَنْهُ غَائِبٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ، وَفِي يَدِهِ مَالٌ لِمَوْلَاهُ، وَيَحْضُرُ الْفِطْرُ: أَيُزَكِّي عَنْ نَفْسِهِ مِنْ مَالِ مَوْلَاهُ وَقَدْ صَارَ لِلْيَتَامى؟ قَالَ: نَعَمْ»([6]).
وهذا الذَّيل وهو قوله: «وَعَنْ ممْلُوكٍ يَمُوتُ مَوْلَاهُ...» غيرُ موجودٍ في رواية الشَّيخ الطُّوسيّ، ولا في رواية الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله).
نعم، ذكر الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) هذا الذَّيل في رواية مستقلَّة بنفس السَّند المتقدِّم، وقد عرفت أنَّ في سنده إلى محمَّد بن القاسم بن الفضيل الحسين بن إبراهيم، وهو غير موثَّق.
([1]) الوسائل باب 5 من أبواب زكاة الفطرة ح5.
([2]) الوسائل باب 1 من أبواب زكاة الفطرة ح5.
([3]) الوسائل باب 4 من أبواب مقدمة العبادات ح11.
([4]) الوسائل باب 4 من أبواب زكاة الفطرة ح1.
([5]) الوسائل باب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة ح4.
([6]) الكافي: ج4، كتاب الصيام، ح13، ص172.