الدرس 70 _زكاة الغلات الأربعة 8
ومنها: موثقة زرارة وبكير عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: وأمَّا ما أنبتتِ الأرضُ من شيءٍ من الأشياء فليس فيه زكاةٌ، إلاَّ في أربعة أشياء إلى أن قال: فإذا كان يُعَالَج بالرّشاء والنَّضْح والدِّلاء ففيه نصف العُشْر، وإن كان يُسْقَى بغير علاجٍ، بنهر أو غيره أو سماء، ففيه العُشْر تامّاً»([1]).
ومنها: صحيحة الحلبي «قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): في الصَّدقة فيما سقتِ السَّماء والأنهار إذا كانت سيحاً أو كان بعلاً العُشْر، وما سقت السَّواني والدَّوالي أو سقي بالغَرْب فنصف العُشْر»([2])، وكذا غيرها من الرِّوايات الكثيرة.
ويظهر من هذه الرِّوايات أنَّ المدار على كون نفس سقي الزَّرع بعلاج وبدونه، فإن كان بعلاج ففيه نصف العُشْر، وإن كان بدونه ففيه العُشْر، وإن توقَّف على حفر النَّهر أو نبش العين أو تنقيتهما.
وفي المدارك: «ويُسْتَفاد من هذه الرِّوايات أنَّ الفارق بين وجوب العُشْر ونصفه احتياج ترقية الماء إلى الأرض إلى آلة من دولاب ونحوه، فمتى توقَّفت ترقية الماء إلى الأرض على ذلك كان الواجب فيها نصف العُشْر وإلاَّ فالعُشْر، ولا عِبْرة بغير ذلك من الأعمال، كحفر الأنهار والسَّواقيّ وإن كثرت مؤنتها؛ لعدم اعتبار الشَّارع إياه».
وتوضيحه: أنَّ وجوب العُشْر منوطٌ بجري الماء ووصوله إلى الزَّرع على حسب ما يقتضيه طبع الماء عند تخلية سبيله بعد جعله مُعَدّاً للجري على تلك المزرعة ولو بسدِّ سبيله المتعارف المُوجِب لترقية الماء واستعلائه عليها وإعداد المحلّ لوصول الماء إليه، وإصلاح مجراه، وإزالة موانعه وسد ثغوره، وغير ذلك من الشَّرائط المعتبرة في تحقُّق الإيصال وحصول السَقي ممَّا يتوقَّف في العادة على المؤونة والعلاج.
وأمَّا نصف العُشْر، فهو منوط بعدم كون وصوله إليه بمقتضى طبعه، بل بنقله إليه بآلة من دولاب وشبهه، فمرادهم بافتقار السَّقي أو الإيصال إلى المؤونة ما كان من القسم الأخير وإن صدق على الأوَّل أيضاً أنَّه مفتقر إلى المؤونة؛ لامتناع حصوله بدونها.
ومنه تعرف أنَّ مراد المصنِّف (رحمه الله) من قوله: «وما فيه المؤونة» هو المؤونة من القسم الأخير لا المؤونة من القسم الأوَّل.
وإذا شككنا في أنَّ الزَّرع هل سُقِي بالعلاج أو بدونه، كما لو كان لصاحب الزَّرع عامل وشكَّ المالك في كيفيَّة السَّقي؛ لعدم اطِّلاعه على كيفيَّة عمل عامله، فالمرجع حينئذٍ هو أصالة براءة الذّمَّة عما زاد عن نصف العُشْر، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولوِ اجتمعا اعتُبر الأغلب في عيش الزَّرع والشَّجر، فإن تساويا فثلاثة أرباع العُشْر(1)
(1) المعروف بين الأعلام أنه إنِ اجتمع فيه الأمران كان الحكم للأغلب، أي الأكثر، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، بل في الغنية وظاهر التَّذكرة وغيرها الإجماع عليه»، وفي المدارك: «هذا قول علمائنا وأكثر العامَّة...».
وأمَّا إن تساويا، فالمعروف بينهم هو أخذ العُشْر من نصفه، ومن نصفه الآخر نصف العُشْر، فيكون الواجب عليه حينئذٍ ثلاثة أرباع العُشْر، قال العلاَّمة (رحمه الله) في المنتهى: «وهو إجماع العلماء...»، وفي الجواهر: «بلا خلاف أيضاً، كما اعترف به في التذكرة...».
أقول: هذا هو العمدة المقام أي التَّسالم بينهم في المسألتَيْن، بحيث لم يخالف أحد في المقام وإنِ اختلفوا في المراد من الأكثر والتَّساوي إلاَّ أنَّهم لم يختلفوا في الحكم.
وقدِ استدلُّوا أيضاً على الحكم في المسألتَيْن برواية معاوية بن شريح عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: فيما سقت السَّماء والأنهار أو كان بعلاً فالعُشْر، فأمَّا ما سقت السَّواني والدَّوالي فنصف العُشْر، فقلتُ له: فالأرض تكون عندنا تُسقىٰ بالدَّوالي ثمَّ يزيد الماء وتُسقى سيحاً، فقال: إنَّ ذا ليكون عندكم كذلك؟ قلتُ: نعم، قال: النِّصف والنِّصف، نصفٌ بنصفِ العُشْر ونصفٌ بالعُشْر، فقلتُ: الأرض تُسقى بالدَّوالي ثمّ َيزيد الماء فتسقى السَّقية والسَّقيتين سيحاً، قال: وكم تسقي السَّقية والسَّقيتان سيحاً؟ قلت: في ثلاثين ليلة أربعين ليلة، وقد مكث قبل ذلك في الأرض ستّة أشهر، سبعة أشهر، قال: نصف العشر»([3])، وهي ضعيفة بعدم وثاقة معاوية بن شريح، فالتَّعبير عنها بالحسنة كما عن أغلب الأعلام في غير محلِّه.
إن قلت: إنَّ عمل مشهور المتقدِّمين جابر لضعف السَّند.
قلتُ: قد تقدَّم في أكثر من مناسبة أنَّ عمل المشهور لا يجبر ضعف السَّند.
ثمَّ إنَّ وجه الاستدلال بها هو ظهور السُّؤال في أوَّلها في المساواة، وظهور السُّؤال في آخرها في الاختلاف.
وعليه، فانحصر المستند في المسألتين بالتَّسالم بين الأعلام.
وأمَّا إطلاق ما دلَّ على أنَّ ما سقت السَّماء ففيه العُشْر، وما سُقِي بالدَّوالي والنَّواضح ففيه نصف العُشْر، فهو لا يشمل صورة الاشتراك أصلا.
ثمَّ إنَّ أغلب الأعلام فسَّروا الأغلب والأكثر بما إذا كان أكثر من حيث عدد المَّرات والزَّمان أو النمو والنَّفع، وفسَّروا التَّساوي بما إذا كانا متساويَيْن من حيث العدد والزَّمان والنَّفع والنُّمو.
([1]) الوسائل باب 1 من أبواب زكاة الغلات ح8.
([2]) الوسائل باب 4 من أبواب زكاة الغلات ح2.
([3]) الوسائل باب 6 من أبواب زكاة الغلات ح1.