الدرس165 _لباس المصلي 38
وتدلّ عليه الأخبار الكثيرة، أهمها: موثّقة عبد الله بن بكير «قال: سأل زرارة أبا عبد الله N عن الصَّلاة في الثعالب والفنك والسنجاب، وغيره من الوبر، فأخرج كتاباً زعم أنه إملاء رسول الله N : أنَّ الصَّلاة في وبر كلّ شيءٍ حرام أكله، فالصَّلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه كلّ شيءٍ منه فاسد، لا تقبل تلك الصَّلاة حتّى يصلّي في غيره ممّا أحلّ الله أكله، ثمَّ قال: يا زرارة! هذا عن رسول الله N، فاحفظ ذلك، يا زرارة! فإنْ كان ممّا يُؤْكل لحمه فالصَّلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه، وكلّ شيءٍ منه، جائز إذا علمت أنّه ذكي، وقد ذكّاه الذبح، وإن كان غير ذلك ممّا قد نُهيت عن أكله، وحرّم عليك أكله، فالصَّلاة في كلّ شيءٍ منه فاسد، ذكّاه الذبح، أو لم يذكه»[i]f218.
قال المحقِّق R في المعتبر: «وابن بكير، وإن كان ضعيفاً، إلاّ أنّ الحكم بذلك مشهور عن أهل البيت S»، وفي المدارك: «والرّوايات لا تخلو من ضَعْفٍ في سند، أو قصور في دلالة، والمسألة محلّ إشكال...».
والعجب من صاحب المدارك R، إذ مع وجود الرّوايات الكثيرة الواردة في المقام بألسنة مختلفة، ومع الإجماع المحكي بالاستفاضة أو التواتر، ومع وجود الشهرة القديمة من الأعلام على ذلك، ومع هذا قد استشكل في المسألة؟!.
ثمَّ إنَّ ابن بكير ثقة في نفسه، بل هو من أصحاب الإجماع، فكيف ضعَّفه المحقِّق R في المعتبر، وأمَّا تضعيف صاحب المدارك لهذه الموثّقة فهو على مبناه من عدم العمل إلا بالصّحاح والحِسان، لكنّك عرفت أنَّ الموثّقة حجّة، فلا إشكال حينئذٍ في هذه الموثّقة، لا سيّما مع اشتمالها على عظِيمَيْن من أصحاب الإجماع، وهما ابن بكير وابن أبي عمير.
ومنها: صحيحة إسماعيل بن سعد بن الأحوص «قال: سألتُ أبا الحسن الرّضا N عن الصَّلاة في جلود السّباع، فقال: لا تصلِّ فيها»[ii]f219.
ومنها: موثّقة سماعة «قال: سألته عن لحوم السّباع وجلودها، فقال: أمّا لحوم السباع فمن الطير والدواب، فإنّا نكرهه، وأمّا الجلود فاركبوا عليها، ولا تلبسوا منها شيئاً تصلّون فيه»[iii]f220، ورواه الكليني R عن عدّة من أصحابنا عن أحمّد بن خالد، عن عثمَّان بن عيسى عن سماعة «قال: سُئِل أبو عبد الله N...»، ورواه الصدوق R بإسناده عن سماعة عن أبي عبد الله N.
ومنها: ما في كتاب عيون الأخبار بالإسناد الآتي عن الفضل بن شاذان عن الرضا N في كتابه إلى المأمون «قال: ولا يصلّي في جلود الميتة، ولا في جلود السّباع»[iv]f221، وهي ضعيفة، لأنّ في السّند عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري، وعليّ بن محمّد بن قتيبة، وهما مجهولان.
ومنها: ما في الخِصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمّد N في حديث شرائع الدين «قال: ولا يصلّي في جلود الميتة وإن دُبِغت سبعينَ مرة، ولا في جلود السّباع»[v]f222، ولكنه ضعيف، لأنّ السّند إلى الأعمش ضعيف بجهالة أكثر من شخص.
ومنها: صحيحة أبي عليّ بن راشد في حديث «قال: قلت لأبي جعفر N: الثعالب يصلَّى فيها؟ قال: لا، ولكن تُلبس بعد الصَّلاة، قلت: أٌصلّي في الثوب الذي يليه؟ قال: لا»[vi]f223، وكذا غيرها من الرّوايات الواردة في الثعالب.
ولا يخفى أنّ هذه الرّوايات الواردة في السّباع والثعالب لا يستفاد منها إلاّ المنع عن جلود السّباع والثعالب، فلا يتمّ الاستدلال بها لعموم المدّعى إلاّ بضميمة عدم القول بالفصل، وهو، إن تمّ، ففي غير المورد الذي وقع الخلاف فيه.
ومنها: رواية عليّ بن أبي حمزة «قال: سألتٌ أبا عبد الله وأبا الحسن J عن لباس الفراء، والصَّلاة فيها، فقال: لا تصلّ فيها، إلاّ في ما كان منه ذكيّاً، قال: قلتُ: أَوَليس الذكيّ ممّا ذكّي بالحديد؟! قال: بلى، إذا كان ممّا يُؤْكل لحمه، قلت: وما لا يُؤْكل لحمه من غير الغنم؟ قال: لا بأس بالسنجاب، فإنّه دابّة، لا تأكل اللحم، وليس هو ممّا نهى عنه رسول الله C، إذ نهى عن كلّ ذي ناب ومخلب»[vii]f224، ولكنّها ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة، وبجهالة عبد الله بن إسحاق العلوي، ومحمّد بن سليمان الديلمي.
ومنها: ما رواه محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن حماد بن عَمْرو، وأنس بن محمّد، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد عن آبائه S في وصيّة النبي C لعليّ N «قال: يا علي! لا تصلّ في جلد ما لا يشرب لبنه، ولا يُؤْكل لحمه»[viii]f225، وهي ضعيفة أيضاً بوجود عدّة مجاهيل في إسناد الصدوق إلى حماد بن عَمْرو، وأنس بن محمّد.
أضف إلى ذلك: جهالة كلّ من حمّاد بن عمرو، وأنس، وأبيه.
ويدلّ على المطلوب أيضاً: الأخبار الآتية الدّالة على المنع عن الصَّلاة في شعر غير المأكول، ووبره وصوفه بتنقيح المناط.
والخلاصة: أنّه لا إشكال في أصل المسألة.
[i] الوسائل باب 3 من أبواب لباس المصلّي ح3.
[ii] الوسائل باب 2 من أبواب لباس المصلّي ح6.
(*) القرمز: بكسر القاف والميم: صبغ أرمني يكون من عصارة دود يكون في آجامهم، وقيل هو أحمر.
[iii] الوسائل باب 44 من أبواب لباس المصلّي ح1.
[iv] الوسائل باب 20 من أبواب النجاسات ح7.
[v] المستدرك باب 18 من أبواب لباس المصلّي ح2.
[vi] الوسائل باب 18 من أبواب لباس المصلّي ح1.
[vii] الوسائل باب 18 من أبواب لباس المصلّي ح2.
[viii] الوسائل باب 17 من أبواب النجاسات ح6.
